بلومبرغ
أن تصمّم جدول عملك المثالي، وتتفاوض بشأنه مع رئيسك في العمل، أمر لم يكن في وقت من الأوقات أسهل مما هو عليه اليوم.
فقد أسهم تفشي "كوفيد-19" في إعادة رسم سياسات العمل الخاصة بالشركات، لدرجة أن غالبية الشركات الكبرى أصبحت حالياً توفر للموظفين المرونة اللازمة للعمل من المكتب ومن المنزل على حد سواء.
على سبيل المثال، فرضت شركة "بلاك روك" (BlackRock) العمل من المكتب لثلاثة أيام في الأسبوع. في حين أن شركة "أبل" اختارت ثلاثة أيام محددة للعمل من المكتب، وهي الاثنين والثلاثاء والخميس، لكنها اتخذت قراراً في ديسمبر بتأجيل عودة الموظفين إلى مكاتبها، والتي كانت مقررة في الأول من فبراير، ولم تحدّد موعداً جديداً للعودة بسبب الاضطرابات التي سببها تفشي متحور "أوميكرون".
إقرأ أيضاً: "لينكد إن" تساعد في توظيف من لا يريدون العودة إلى مكتب أبداً
على الرغم من أن الموظفين يتوقون إلى التفاعل وجهاً إلى وجه ويضعون الإنتاجية في أولوياتهم، إلا أنهم يميلون أيضاً نحو الخيارات الأكثر مرونة من تلك التي تتيحها جداول العمل الهجينة المُنظمة. لكن التفضيلات تختلف بين الأشخاص، انطلاقاً من الرغبة في التواصل والعمل الجماعي، ومراعاة التنقلات الصعبة، ومسؤولية رعاية الأطفال، والميل بجداول العمل الهجينة نحو المنزل أو المكتب بشكل كبير.
إقرأ المزيد: مكاتب العمل بحاجة إلى تغييرات جذرية لجذب الموظفين بعد الوباء
مع ذلك، يمتلك البشر تفضيلات متشابهة نوعاً ما لوتيرة العمل، وأنماطاً متوافقة بشكل مدهش. وهذا ما وجدناه بعد الأخذ بآراء عشرات العاملين:
يومان من المكتب
عند إتاحة إمكانية الاختيار، فإن معظم العاملين في المكاتب العادية يفضلون التواجد في المكتب يومين في الأسبوع، والبعض يفضل أن يكون هذان اليومان متتاليين، لكن الأغلبية تفضل أن تكون أيام العمل منفصلة.
يقول براندون موراتالا، مشرف الحساب في "ميرفي أوبراين" (Murphy O’Brien)، وهي شركة علاقات عامة مقرها لوس أنجلوس لا تطلب من موظفيها الحضور إلى المكتب سوى مرتين شهرياً: "أفضل الذهاب إلى المكتب لأنه يُسهل تبادل الأفكار وجهاً لوجه مع الزملاء". الجدير بالذكر أن موراتالا يذهب إلى المكتب يومي الثلاثاء والأربعاء.
يضيف موراتالا: "عادةً ما يكون تدريب الموظفين المبتدئين أو أعضاء الفريق الجدد في المكتب أكثر فعالية بالنسبة لي، ففي هذه الحالة يمكنهم التعلم مني أثناء الجلوس بقربي. ومن السهل ترسيخ ثقافة الشركة عند الحضور بشكل فعلي".
التعاون المفرط.. سبب إنهاك الموظفين خلال الجائحة
أما الموظفون الذين يفضلون العمل من المكتب ثلاثة أيام أسبوعياً فغالباً ما يكونون مديرين أو موظفين يتعاملون بشكل مباشر مع العملاء، أو من أولئك الذين لديهم وظائف تتطلب تعاملاً كثيفاً مع الناس.
يقول بارتيك بونيكي، رئيس الموارد البشرية في شركة التصوير الفوتوغرافي الحيوي "باسبورت فوتو أونلاين" (Passport Photo Online)، ومقرها بياليستوك في بولندا: "أحاول دائماً الذهاب إلى المكتب أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء". وتابع: "هذا يمنحني المزيد من القوة لبدء الأسبوع، والدخول في أجواء العمل بشكل أسرع".
الأقل تفضيلاً
يجدر بالمديرين التنفيذيين الذين يعتزمون العودة الكاملة للمكاتب، أن يضعوا باعتبارهم بأنه من بين جميع المُستطلعين، كان هناك شخص واحد فقط يفضل العمل في المكتب لخمسة أيام في الأسبوع، وكان ذلك بسبب الظروف المنزلية التي لا تتيح له بيئة عمل مناسبة.
أيام مختلفة
يقول الموظفون إنهم يختارون أيام العمل في المكتب طبقاً لاحتياجات العمل. فقد اختارت جينا كارسون، الشريكة في موقع التمويل الشخصي "موني لوسِد" (Money Lucid)، الذهاب إلى المكتب يومي الاثنين والجمعة، إذ يعد مجال عملها أكثر ازدحاماً في هذه الأيام، وقالت: "هذا يفيد الشركة".
أما بالنسبة لريتشارد فورد، المؤسس المشارك لشركة "هارت اكونتنغ سيرفيس" (Hart Accounting Services) المتخصصة في ضرائب الشركات في أونتاريو، فهو يطلب من الموظفين العمل من المكتب مرتين أسبوعياً.
ويقول فورد: "لاحظت مؤخراً أن اختيار يوم الخميس أصبح أكثر شيوعاً"، وهو يظن أن هذا يساعد فريقه على إنهاء مهام العمل الخاصة بذلك الأسبوع قبل نهايته. كما أن معظم اجتماعات العملاء يُفضل جدولتها أيضاً في أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس، وهي أيام يفضلها الموظفون الذين يتعاملون مع العملاء بشكل مباشر.
إقرأ أيضاً: خلافات مرتقبة بين موظفين وأرباب عمل يريدون إعادتهم إلى المكاتب
كذلك، يشير الموظفون إلى أن خياراتهم تمليها حياتهم الشخصية بشكل كبير. مثلاً، فإن فورد نفسه يفضل الذهاب إلى المكتب يوم الأربعاء حتى يتمكن من اصطحاب أطفاله بعد المدرسة.
ويخطط مارك برومهال، مؤسس خدمة المعلومات المتعلقة بأسعار التخزين في جنوب أفريقيا "ستوريج بودي" (StorageBuddy)، بشكل جزئي لأنشطة ما بعد العمل. حيث يقول: "الخميس يوم اجتماعي، ما يعني أنني سألتقي في الغالب بأصدقائي لتناول مشروب بعد العمل".
أما بالنسبة لرئيسة قسم التسويق في شركة "إكسباندي" (Expandi)، شارون فان دونكيلار، وهي مستشارة في "لينكد إن" فهي تضع جدول عملها وفقاً لبرامج التعليم المهني عبر الإنترنت. وتقول: "أنا شخصياً أحب جدول عملي. وأقدر الوقت الذي أحصل عليه للتركيز على حصصي وواجباتي، لم أكن لأتمكن من ذلك إذا كنت أعمل وفقاً لجدول عمل منتظم".
الاثنين المثمر.. ضمن الأولويات
إذا كنت تعتقد بأن الناس يرغبون بالتكاسل في المنزل يوم الاثنين، فأنت بحاجة للتفكير مجدداً، إذ يختار العاملون مكان العمل الذي يمكنهم أن يكونوا فيه أكثر إنتاجية خلال هذا اليوم. وهذا يعني بالنسبة للأشخاص العاملين على مشاريع أن إنتاجيتهم تزداد أثناء العمل من المنزل.
تطلب وكالة التسويق الرقمي "ستاركيتشرد إيجنسي" (Structured Agency) من موظفيها التواجد في اجتماع يعقد يوم الأربعاء عند الساعة الثانية مساءً، وبخلاف ذلك يمكنهم أن يكونوا مرنين في عملهم. وغالباً ما يكون المكتب هادئاً في أيام الاثنين، حيث يقول نيك شاكلفورد، وهو المدير الإداري لـ "ستاركيتشرد إيجنسي"، إن "سياسة الباب المفتوح التي نتبعها بينت لنا أن الموظفين يعملون بجد وتركيز يوم الاثنين للبدء في تحقيق أهدافهم الأسبوعية". وعادةً ما يميل الموظفون العاملون في وظائف اجتماعية أو قائمة على فريق العمل إلى العمل من المكتب في أيام الاثنين.
أيام الجمعة من المنزل.. تفضيل الأغلبية
إذا كان الوباء قد أسفر عن عادة أسبوعية محددة، فهي بدء يوم الجمعة مبكراً من المنزل وإنهائه مبكراً أيضاً، ليكون بدء عطلة نهاية الأسبوع عند الظهيرة تقريباً، لكن هذا الأمر غير ممكن بالنسبة للعاملين في الشركات ذات المهام الكثيرة في أيام الجمعة.
إقرأ المزيد: الموظفون يكرهون عملهم عند بلوغ الـ35.. لماذا؟
يقول توماس هوكينز، مدير المحتوى في شركة إلكتريشن أبرينتايس" (Electrician Apprentice): "رئيسي يطلب مني العمل من المكتب يومي الاثنين والجمعة لأن هذين اليومين هما أكثر أيام الأسبوع ازدحاماً".
كان شيوع العمل من المنزل في أيام الجمعة سبباً في خلق مجموعة فرعية من الموظفين الذين يستمتعون بهدوء في المكاتب الخالية.
تقول كارسون، من "موني لوسِد"، والتي تعمل "مبكراً وحتى وقت متأخر: "يوم الجمعة عادة ما يكون أصعب الأيام للاحتفاظ بمستوى التحفيز، لذلك فإن الوجود في مكان مختلف يحفزني ويجعلني أكثر حماساً للعودة إلى المنزل".
أيام عمل أطول
لم تتمكن الاضطرابات الوبائية من تغيير مفهوم العمل من التاسعة صباحاً وحتى الخامسة مساءً. حتى أن الموظفين الذين يأتون لحضور اجتماع واحد في الصباح يميلون إلى البقاء طوال اليوم رغم أنهم يغادرون خلسة في الغالب بعد سبع ساعات أو نحو ذلك، بدلاً من ثمان أو تسع ساعات. وبالإضافة إلى العمل من المنزل، أصبحت ساعات عمل بعض الموظفين غير تقليدية بشكل متزايد.
يقول ديفون فاتا، الرئيس التنفيذي لشركة تصميم المواقع الإلكترونية "بيكسول" (Pixoul): "بعض موظفينا يعملون من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الرابعة مساءً، وبعضهم يعمل صباحاً ومساءً". وتابع فاتا، الذي يطلب من الموظفين التواجد في المكتب لحضور اجتماعين أسبوعياً: "لدينا موظف واحد يعمل طوال الليل فقط، باستثناء تلك الاجتماعات".
الرؤساء التنفيذيون ما زالوا يتأقلمون
يقول فاتا: "بصفتي الرئيس التنفيذي، فأنا أعمل من المكتب أكثر من أي شخص آخر". ومن المؤكد أن فاتا ليس الوحيد الذي يعمل كثيراً من المكتب، حيث تقول مارلين غاسكل، وهي مؤسسة محرك البحث "ترو بيبول سيرش" (True People Search): "بالنسبة لي ليس هناك حد لعملي في المكتب".
وأوضحت غاسكل: "أحياناً أغادر مبكراً، وأحياناً أخرى أعمل في المكتب حتى وقت متأخر. أنا أعمل لساعات طويلة حتى أضمن أن كل شيء يسير على الطريق الصحيح". لم يعد موظفوها يذهبون إلى مقر العمل بنفس عدد الساعات، لكنهم يدعونها لأخذ قسط من الراحة، وتضيف أخيراً: "يتصل بي الموظفون لتناول الغداء معهم".