تقسيم "HSBC" بين الشرق والغرب يتجاوز مجرد خفض التكاليف

إعادة هيكلة البنك اعتراف بالواقع الجيوسياسي العالمي والانقسام الحالي بين الولايات المتحدة والصين

time reading iconدقائق القراءة - 6
شعار بنك \"إتش إس بي سي هولدينغز\" على نافذة أحد فروع البنك في لندن، المملكة المتحدة، يوم الأربعاء 6 نوفمبر 2019. - بلومبرغ
شعار بنك "إتش إس بي سي هولدينغز" على نافذة أحد فروع البنك في لندن، المملكة المتحدة، يوم الأربعاء 6 نوفمبر 2019. - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

قاوم بنك "إتش إس بي سي هولدينغز" بنجاح حملة كانت تهدف إلى تقسيمه قادها بعض المستثمرين الممتعضين في آسيا خلال السنوات الأخيرة. والآن يعلن عن خطة لإعادة الهيكلة على أساس الخطوط الفاصلة بين الشرق والغرب ذاتها تقريباً.

والسؤال الذي يطرح نفسه بوضوح هنا هو: لماذا يفعل ذلك؟ يقول البنك إن الهدف هو إنشاء شركة أبسط تنظيماً وأكثر كفاءة وديناميكية، ولكن يبدو أيضاً أن البنك يتعامل مباشرة مع الواقع السياسي للانقسام المتزايد بين الولايات المتحدة والصين.

لن يؤدي الهيكل الجديد إلى حل التحديات الجيوسياسية التي يواجهها "إتش إس بي سي"، لكنه قد يتيح أمام البنك خيارات أفضل للاستجابة بسرعة إذا ساءت الأمور.

أمضى "إتش إس بي سي" عام 2022 وهو يخوض معركة لإقناع المساهمين بقوته كجسر مالي بين نصفي الكرة الأرضية يقوم على ركيزتين، هما فرعي البنك في المملكة المتحدة وهونغ كونغ

كانت مجموعة "بينغ آن إنشورانس" (Ping An Insurance Group)، وهي أكبر المساهمين في البنك، قد دعمت دعوات لفصل وحدته الآسيوية. واستند كلا الجانبين على حجج المالية، إذ قالت "بينغ آن" إن أسهم وحدة البنك الآسيوية ستتداول بتقييم أعلى، بينما قال "إتش إس بي سي" إن الانفصال سيعني زيادة في التكاليف ورأس المال، وخسارة الإيرادات القادمة من الخارج. ومع ذلك، كان السياق السياسي واضحاً دائماً.

استراتيجية إعادة هيكلة "HSBC"

فاز البنك في نهاية المطاف بتصويت المساهمين على مسألة التقسيم في اجتماعه السنوي لعام 2023. ومنذ ذلك الحين، تولى جورج الحداري منصب الرئيس التنفيذي خلفاً لنويل كوين بتفويض لمواصلة تبسيط أعمال البنك العالمي المتشعب.

لن يقدم "إتش إس بي سي" تفاصيل عن المزايا المالية لإعادة الهيكلة حتى إعلان نتائج أعماله السنوية الكاملة في أوائل 2025، على الرغم من أن المحللين يتوقعون خفض التكاليف بمئات الملايين من الدولارات.

سيجري توفير هذه التكاليف عن طريق التخلص من شبكة من مديري المنتجات والمناطق الجغرافية، وهو نفس النهج الذي يتبعه بنك "سيتي غروب". وسيركز عرض الحداري للمستثمرين على تخليص بنكي المملكة المتحدة وهونغ كونغ من عوامل التشتت في الأسواق العالمية الواسعة حتى تنافس بشكل أفضل في أسواقها المحلية للتجزئة المصرفية والشركات الصغيرة. لكن تقسيم عملياته المصرفية الكبيرة بين الشرق والغرب له نفس الأهمية، فالعملاء من الشركات الكبيرة في أوروبا والمملكة المتحدة والأميركتين سيخدمهم البنك الاستثماري المندمج حديثاً، بينما سيتولى بنك هونغ كونغ خدمة العملاء المماثلين في جميع أنحاء آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

استمر "إتش إس بي سي" على موقفه بأنه لم يرصد أي تأثير حكومي صيني وراء حملة التقسيم التي قادتها شركة "بينغ آن"، لكن الحساسيات السياسية المتعلقة بوجود قدمين مزروعتين بالتساوي في الصين الكبرى والمملكة المتحدة لا يمكن إنكارها، إذ ينتاب الصين شعور بالقلق الشديد من تزايد استغلال الولايات المتحدة لاعتماد العالم على الدولار لتحقيق أهدافها السياسية، مثلما تشعر الولايات المتحدة بالقلق من امتلاك الصين أو وصولها إلى تقنيات هامة في مجال الحوسبة والاتصالات.

تداعيات أزمة هواوي على "HSBC"

كان الحدث الذي عرض "إتش إس بي سي" لانتقادات كبيرة عندما استغلت الولايات المتحدة إشرافها الداخلي المباشر على أنشطة البنك – وهو موروث من عقوبة "إتش إس بي سي" على مخالفات غسيل الأموال المكسيكية في 2012– للحصول على معلومات عن عميل صيني، هو شركة "هواوي تكنولوجيز". ولم يكن لدى "إتش إس بي سي" خيار سوى تقديم التفاصيل التي أدت إلى اعتقال رئيسة "هواوي" للشؤون المالية، وابنة مؤسس الشركة، في كندا عام 2018.[i]

على أثر ذلك سعى بنك "إتش إس بي سي" جاهداً لاسترضاء الحكومات والشركات في الشرق والغرب.

المواجهة السياسية بين أميركا والصين

لم تهدأ المواجهة السياسية بين الولايات المتحدة والصين منذ ذلك الحين، وإذا عاد دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في يناير المقبل، فقد تزداد الأمور تعقيداً بالنسبة لأي شركة تقع بينهما.

القصة التي يرويها "إتش إس بي سي" عن إعادة الهيكلة تتعلق فقط بالكفاءة المالية وعوائد المساهمين، لا بالإجراءات الدفاعية ضد المخاطر الجيوسياسية. وهو أمر مفهوم، فمجرد الحديث عن مثل تلك الإجراءات يخاطر بالتسبب في مشكلات أكثر من الوصول إلى حلول. وفي النهاية، يريد "إتش إس بي سي" أن يستمر في عمله كممول عالمي للتجارة والاستثمارات بين نصفي الكرة الأرضية وداخلهما.

علاوة على ذلك، سيظل إنشاء حاجز وقائي يفصل بين معلومات الشركات في الشرق والغرب صعباً حتى في ظل الهيكل الجديد. ذلك أن بنك "إتش إس بي سي" يحتاج إلى إدارة مركزية واحدة للمخاطر والامتثال لضمان سلامته الخاصة على الرغم من ضرورة الامتثال أيضاً لقواعد مشاركة البيانات وحمايتها في كل دولة يعمل فيها.

ومع ذلك، يبدو الهيكل الجديد المخطط له وكأنه يهدف إلى تيسير تقسيم "إتش إس بي سي" إلى قسمين إذا أصبح ذلك ضرورياً من الناحية السياسية في يوم من الأيام. ولن يكون ذلك خياراً بلا تكلفة، لكن من الحكمة أن تكون مستعداً لذلك على سبيل الاحتياط.

هوامش 
[i] سرد تاريخ هذه المعركة والمعارك المماثلة في مجالي التمويل والتكنولوجيا ورد بتفصيل رائع في كتاب صدر مؤخراً بعنوان ”الإمبراطورية السرية“ (Underground Empire) للأكاديميين هنري فاريل وأبراهام نيومان المقيمين في الولايات المتحدة.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

لندن

5 دقائق

4°C
غيوم قاتمة
العظمى / الصغرى /
14.8 كم/س
90%