ما يزال طريق التشديد الكمي طويلاً أمام الاحتياطي الفيدرالي

المصرف المركزي لن يهدّئ من وتيرة التشديد الكمي حتى تتراجع الاحتياطيات إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي

time reading iconدقائق القراءة - 10
مبنى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في العاصمة واشنطن. الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
مبنى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في العاصمة واشنطن. الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

دفع سعي الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لقمع التضخم أسعار الفائدة طويلة الأجل إلى أعلى مستوياتها خلال أكثر من عقدين، فضغط ذلك بشدة على البنوك والشركات وعلى أي شخص يسعى لتمويل شراء منزل جديد. إلى متى سيستمر ذلك؟ نظراً لحجم سندات الدَّين طويلة الأجل الهائل حيث ما يزال الاحتياطي الفيدرالي يود التخلص منه، أعتقد أن الأمر سيمتد لعامين على الأقل.

على مدى أكثر من عام؛ كان الاحتياطي الفيدرالي يقلص حيازاته من سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري بمعدل بلغ نحو 75 مليار دولار شهرياً. تخفض هذه العملية، المعروفة باسم التشديد الكمي، حجم الفائض من الاحتياطي النقدي في النظام المصرفي تدريجياً، علماً أن الهدف منها هو الوصول إلى مستوى ملائم من الاحتياطيات، كي نضمن أن البنوك قادرة على تلبية احتياجات عملائها المتغيرة من النقد والإيفاء بمتطلبات السيولة التي تفرضها الجهات التنظيمية.

بالغ الاحتياطي الفيدرالي في إجراءاته خلال آخر مرة باشر فيها بالتشديد الكمي، في 2018 و2019. تراجعت مستويات الاحتياطيات دون ما تحتاجه البنوك، مما أشعل شرارة موجة تهافت على النقد دفعت بأسعار الفائدة قصيرة الأجل إلى الارتفاع بشكل كبير، وتسببت في زعزعة استقرار سوق معاملات إعادة الشراء، التي تستخدمها البنوك وصناديق التحوط وغيرها من المؤسسات للاقتراض بضمان سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري. اضطر الاحتياطي الفيدرالي للتدخل عبر توفير سيولة طارئة، وهي تجربة لا يود تكرارها.

نقطة بداية مختلفة

نقطة البداية للاحتياطي الفيدرالي أعلى بكثير هذه المرة، إذ تتخطى حيازاته من سندات الدَّين طويلة الأجل سبعة تريليونات دولار، مقارنةً بأربعة تريليونات في 2018. تبلغ الاحتياطيات في النظام المصرفي نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي، بارتفاع من 7% في سبتمبر 2019.

إذا افترضنا، تماشياًَ مع أحدث تقرير عن عمليات الاحتياطي الفيدرالي في السوق المفتوحة، أن القدر الملائم من الاحتياطيات هو ما يعادل 8% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن الاحتياطي الفيدرالي لن يهدّئ من وتيرة التشديد الكمي حتى تراجع الاحتياطيات إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي، فما يزال الطريق أمامنا طويلاً.

يُرجح أن يتحقق الانكماش، حتى لو تباطأ الاقتصاد واضطر الاحتياطي الفيدرالي للتيسير. سعر الفائدة الأساسي هو أداء السياسة النقدية الرئيسية التي يعتمدها المصرف المركزي، فهو لا يستخدم الميزانية إلا حين تكون أسعار الفائدة قصيرة الأجل تداني الصفر. نظراً لارتفاع المستوى المستهدف حالياً فوق 5%، لدى البنك المركزي مساحة كافية للتحرك دون أن يلجأ لتغيير مسار التشديد الكمي. لذا يتعامل مع الأمر دون مزيد من التوجيه، وهو أمر مثير بقدر "مشاهدة الطلاء يجف"، كما أشارت جانيت يلين غير مرة.

هناك عامل جديد يعقد الأمور أيضاً، إذ إن آلية إعادة الشراء العكسي لدى الاحتياطي الفيدرالي، التي وضعت فيها الصناديق الاستثمارية في سوق النقد وغيرها قرابة 1.5 تريليون دولار حتى 11 أكتوبر بأسعار فائدة تتجاوز 5%. في ضوء استمرار التشديد الكمي؛ ستتجه السيولة من آلية الاحتياطي الفيدرالي إلى أسواق أخرى لمعاملات إعادة الشراء بحثاً عن أسعار فائدة أعلى، مما يرفع حجم الاحتياطيات.

إذا لم يحدث ذلك من تلقاء نفسه؛ سيقدم الاحتياطي الفيدرالي دفعة عبر خفض سعر إعادة الشراء العكسي قليلاً مقارنة بأسعار فائدة أخرى في سوق النقد. تحرك نحو تريليون دولار على مدى العام الماضي، على الرغم من أن الاحتياطي الفيدرالي قلص الميزانية بـ800 مليار دولار، مما أدى إلى إضافة صافية تبلغ 200 مليار دولار للاحتياطيات.

هل ينتهي قريباً؟

متى سينتهي التشديد الكمي بناء على ذلك؟ بافتراض أن حجم الخفض السنوي 900 مليار دولار، ومع بلوغ معدل النمو الاسمي للناتج المحلي الإجمالي 4%، وتراجع أرصدة إعادة الشراء العكسي إلى صفر؛ ينبغي أن تصل الاحتياطيات إلى المستوى المستهدف المبدئي، وهو 10% من الناتج المحلي الإجمالي، خلال ما يقرب من عامين. حين يحدث ذلك؛ سيبطّئ الاحتياطي الفيدرالي وتيرة الخفض فيما يقيّم ما يمثل رصيد الوقاية الملائم من الاحتياطيات.

أتوقع 3 تداعيات رئيسية. ستكون الأولى ضغوطاً صعودية على أسعار الفائدة طويلة الأجل وعلى علاوة الأجل في سعر السندات، وهي العائد الإضافي الذي يطلبه المستثمرون على السندات ذات الآجال الأطول. أما الثانية؛ فتتمثل في أن علاوات الأجل الأعلى على السندات ستشدد الأوضاع المالية، مما يسمح للاحتياطي الفيدرالي بالإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات أدنى مما كان سيبقيها عليه في أحوال أخرى، مثلما ألمحت لوري لوغان، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، في خطاب حديث.

أخيراً، من شأن التشديد الكمي أن يؤدي لمزيد من الاضطرابات في سوق سندات الخزانة، وذلك عبر زيادة حجم الأوراق المالية التي ينبغي على المشاركين في السوق أن يستوعبوها ويمولوها. حالياً، يزداد المعروض من سندات الخزانة بنحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي (أي عبر انخفاض في القوائم المالية للاحتياطي الفيدرالي حجمه 900 مليار دولار بالإضافة إلى عجز الموازنة الفيدرالية البالغ 1.7 تريليون دولار)، ما قد يضغط على القوائم المالية للمتعاملين في قلب السوق.

قد يؤدي خلل جسيم في سوق سندات الخزانة إلى أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بالتخفيف. باستثناء ذلك؛ فإن التشديد الكمي يجب أن يستمر بكامل قوته، وينبغي أن يضع ذلك ضغوطاً صعودية على أسعار الفائدة طويلة الأجل حتى أواخر 2025 على الأقل.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

واشنطن

5 دقائق

7°C
غيوم قاتمة
العظمى / الصغرى /
9.3 كم/س
67%
الآراء الأكثر قراءة