تندفع الشركات الصناعية نحو الاستثمار في مواقع بديلة بسبب الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لفك الروابط التجارية تدريجياً مع الصين، وارتفاع التكاليف، وتفهم ضرورة تنويع الإنتاج بشكل عام.
غير أن هجرة سلاسل التوريد بشكل كامل حتى تبتعد عن ثاني أكبر اقتصاد في العالم عملية بالغة الصعوبة، وهذا هو السبب في أن الحكومات ومسؤولي الشركات يحتاجون إلى تسريع هذه الوتيرة، أو أن يجدوا أنفسهم يعانون من نقص الإمدادات في وقت الحاجة.
في المعرض الدولي لتكنولوجيا المعلومات "كومبيوتكس" في تايبيه، روى لي ممثلو الشركات العارضة قصصاً شبه متطابقة، من بينهم موردو الأدوات الكهربائية أو بائعو الأجزاء الإلكترونية في السيارات أو صناع الخوادم أو الكمبيوتر المحمول.
تقوم هذه الشركات بنقل عملياتها من الصين إلى منطقة جنوب شرقي آسيا تحت ضغط كبار عملائها الأجانب إلى حد كبير. وتركز الاستثمارات الجديدة على دول تايلندا وفيتنام وتايوان.
غير أنها تحذر أيضاً من أن عملية فك الارتباط اللاحقة تصبح أشد صعوبة ما أن تكتمل مراحل الهجرة الأولى.
تجميع المنتج النهائي هو أسهل العمليات عند نقله، لأنه يحتاج إلى عمالة كثيفة، في حين أن المعدات المستخدمة بسيطة. ثم يأتي بعد ذلك التصنيع شبه النهائي، مثل علب المنتجات والأغلفة.
نقل هذه العمليات سريع ومنخفض التكلفة، وهو يجري على قدم وساق. وتُعد المكسيك الآن أكبر مصدر للواردات بالنسبة للولايات المتحدة، في حين أن المصانع في الهند وفيتنام وتايلندا تستحوذ على حصة من نظيراتها الصينية.
مراحل ما قبل المنتج النهائي
إذا نظرنا فقط إلى تجميع المنتج النهائي، فمن السهل أن نستنتج أن انتقال سلسلة التوريد بشكل كامل أمر قابل للتحقق.
ولكن معظم القيمة المضافة والعمل الشاق يحدث قبل تجميع المنتج النهائي بعدة مراحل، وباستخدام معدات متخصصة وباهظة الثمن يشغلها فنيون مدربون تدريباً جيداً.
ومن الأمثلة على ذلك تشكيل البلاستيك والمعادن. وتعتمد هذه المرحلة اعتماداً كبيراً على شبكات التوريد القريبة من متناول اليد.
على مدى العقدين الماضيين قامت الصين ببناء قدرات وخبرات كبيرة في العنصر الحاسم والخفي الذي يدخل في جميع الصناعات، وهي المواد الكيميائية. وتتخصص مئات المصانع المنتشرة في جميع أنحاء البلاد في المُركّبات نصف المصنعة المعروفة باسم السلع الوسيطة.
ووفقاً لأحد التقديرات، تستحوذ الصين على أكثر من 40% من الإنتاج الكيميائي العالمي. وتسيطر على 55% من الطاقة الإنتاجية لحمض الأسيتيك، وهي مادة عادية نسبياً تشكل المكون الأساسي في صناعة الخل، ولكنها تُستخدم أيضاً في صناعة الغراء والمنسوجات والأصباغ والمطاط والبلاستيك والمنتجات الزراعية.
كذلك تستحوذ البلاد على نحو 45% من قدرات تصنيع أكسيد التيتانيوم في العالم، وهو أحد المكونات المستخدمة في صناعة الدهانات والورق والطلاءات المختلفة.
مخاطر نقل الصناعة للخارج
لأن هذا التركيز للمصانع الكيميائية يخلق تأثيراً عنقودياً، فإن شركات صناعة المنتجات ذات الصلة مثل البلاستيك والمعادن التي تدخل في صناعة الألعاب والتغليف والإلكترونيات والسيارات والآلات، تخاطر بخسارة ميزتي السرعة والكفاءة إذا بدأت في نقل الكثير من عملياتها إلى الخارج.
أوضحت الشركات التايوانية والأجنبية المشاركة في معرض "كمبيوتكس" أنه في حين أنها تتوسع بالفعل في جنوب شرقي آسيا، فإن مورديها من شركات صناعة المواد الكيميائية والبلاستيك والمعادن ليست في عجلة من أمرها.
يفرض ذلك حداً طبيعياً على أجزاء سلسلة التوريد التي يمكن إخراجها من الصين، حتى لو عُرضت على الشركات إغراءات مثل الأراضي المجانية والإعفاءات الضريبية والمرافق الرخيصة.
تعمل البيئة الاقتصادية العالمية الحالية ضد فكرة هجرة الشركات، وتقف على النقيض من الوضع الجيوسياسي المتوتر بشكل متزايد الذي يحث بقوة على فك الارتباط.
أولاً، يعني الانكماش الأخير في قطاع المواد الأولية، حيث تُعتبر الصين رائدة، أن شركات توريد المواد الكيميائية الوسيطة ليست في وضع مالي يسمح لها بتخصيص نفقات رأسمالية جديدة لإنشاء مصانع بالخارج.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التخفيف الأخير من قيود سلسلة التوريد، وزيادة توافر طاقة النقل، يخففان من الحاجة الملحة إلى نقل جميع أجزاء عملية التصنيع إلى مراكز بديلة.
تكاليف الانتقال الباهظة
ليست هناك حاجة لإنفاق ملايين الدولارات على إنشاء مصنع جديد إذا كان هناك الكثير من السفن المتاحة لنقل السلع نصف المصنعة بكميات كبيرة عبر بحر الصين الجنوبي إلى مواقع التجميع في جنوب شرقي آسيا.
سيحتاج الأمر إلى تقديم حوافز هائلة مع استعدادٍ من جانب العملاء لدفع أسعار أعلى قبل أن تستطيع شركات صناعية أكثر تحمل تكاليف الانتقال بعيداً عن المراكز التي قامت ببنائها في الصين على مدى العقود القليلة الماضية.
الحافز البديل على هذه الخطوة هو أن تحدث صدمة لا يمكن تصورها مثل اندلاع الحرب أو وقوع اضطرابات سياسية. ولكن بحلول الوقت الذي يحدث فيه ذلك، يكون قد فات الأوان.
إن النقل الكامل لسلاسل التوريد من البداية إلى النهاية أمر صعب ومكلف. ولكن إن لم يكن من ذلك بد، فمن الأفضل القيام بهذه الخطوة الآن، في وقت السلم والهدوء، بدلاً من القيام بها في توقيت حرج وتحت ضغط.