جيروم باول هو المتحكم في سعر العملة اليابانية ويُطلق عليه "سيد ين" (Mr. Yen).. تلك حقيقة قائمة منذ فترة، غير أنها استغرقت بعض الوقت حتى يدرك العالم ذلك.
هذه العبارة نسخة مبسطة من السردية التي ظهرت بعد انخفاض العملة اليابانية في جولة أخرى إلى رقم كبير، هو 160 يناً مقابل الدولار.
لك أن تظن أن اليابان ليس لها أي دور في ذلك، وأن أمراً ما قد ظهر فجأة وكان ينبغي أن يكون واضحاً طوال العام، هو أن أهم محرك لانخفاض قيمة الين في عام 2024 هو اتساع الفجوة في أسعار الفائدة بين اليابان والولايات المتحدة.
حتى بقايا المضاربين على ارتفاع الين يراهنون كثيراً في تفاؤلهم على قيام الاحتياطي الفيدرالي، الذي يقوده باول، بخفض تكاليف الاقتراض في وقت لاحق من هذا العام.
لا ينبغي أن تُعتبر الحقيقة القائلة بأن تذبذب حركة الين الياباني يرجع بقدر كبير إلى تأثير واشنطن اكتشافاً. ذلك أن الرهانات على أسعار الفائدة بالولايات المتحدة هي القوة المهيمنة في سوق العملات التي تبلغ قيمتها 7.5 تريليون دولار يومياً منذ عامين على الأقل.
ليس الين الياباني وحده الذي يعاني، لكن تراجعه كبير بشكل ملحوظ. فقد انخفض بنسبة تجاوزت 12% أمام الدولار الأميركي هذا العام، أما ثاني أكبر الخاسرين فهو البات التايلندي، الذي انخفض بنسبة 7%.
البيانات الأميركية أهم في حركة الين
أصبحت متابعة موعد تدخل الحكومة اليابانية في المرة القادمة لتخفيف حدة هبوط الين مسألة ثانوية مقارنة مع تخمين رد فعل العملة اليابانية على البيانات الأميركية الرئيسية، مثل قراءة مؤشر التضخم المفضل عند الاحتياطي الفيدرالي.
عندما ننظر إلى الأمر بهذه الطريقة، فلن نجد أهمية تُذكر لما يحدث في طوكيو. وربما لا يكلف أتسوشي ميمورا نفسه عناء الاهتمام، وهو من سيصبح أكبر مسؤول عن الصرف الأجنبي في اليابان في يوليو الجاري، أما كازو أويدا، محافظ بنك اليابان، فهو لاعب صغير.
تلك مبالغة بطبيعة الحال، ولكن نبرة القصص الإخبارية هذا الأسبوع كانت نبرة استسلام- أو شعور باللاجدوى. فعلى مدى شهور، علق الناس آمالهم في انتعاش الين على إنهاء بنك اليابان لسياسة أسعار الفائدة السالبة.
قيل إن ذلك تطور له تداعيات كبيرة على الرغم من رفع سعر الفائدة من أقل بقليل من الصفر إلى ما فوقه بقليل. وعندما لم يفلح ذلك في وقف تراجع الين، راهن الناس على تدخل يؤدي إلى إبطاء وتيرة هذا التراجع.
ربما دفعت مشتريات الين، التي بلغت قيمتها 62 مليار دولار في أواخر أبريل ومايو، بعض المستثمرين إلى التفكير مرتين لبعض الوقت. فلم تكن مثل هذه الإجراءات لتقلب الأمور رأساً على عقب، ولم تكن تهدف إلى ذلك.
لقب "السيد ين"
كلمة عن سبب تسمية شخص معين بالسيد ين. ففي النهاية، لا يوجد مسؤول يعترف له على نطاق واسع بلقب السيد جنيه أو السيدة وون أو الدكتور رينغيت.
تعود تلك التسمية إلى إيسوكي ساكاكيبارا، الذي كان نائباً لوزير المالية الياباني للشؤون الدولية في تسعينيات القرن الماضي. وأياً كان من يشغل هذا المنصب –الذي يجري تناوبه كل بضع سنوات– تصبح الشؤون النقدية العالمية جزءاً من حقيبته الوزارية، إلى جانب مهام أقل بريقاً مثل دور اليابان في صندوق النقد الدولي.
وصادف أن ساكاكيبارا كان يتولى هذه الوظيفة في وقت كانت اليابان نشطة في الأسواق، ودائماً ما كانت تعمل على إضعاف الين أو الحد من مكاسبه. وكان من شأن أي خطوة تثير الشكوك أن تدفع الصحفيين دائماً إلى مراقبة موقف سيارات وزارة المالية، والتسكع خارج مكتب الوزير للحصول على تصريح على لسانه، وأحياناً التخييم في حديقته.
شغل الكثير من البيروقراطيين هذا الدور، ولكن لقب السيد ين سيظل مرتبطاً دائماً بساكاكيبارا. (أعلنت الوزارة يوم الجمعة أن ميمورا سيخلف ماساتو كاندا الذي شغل هذا المنصب منذ عام 2021).
التدخل في الأسواق ورفع الفائدة
نادراً ما تتدخل اليابان في الأسواق في هذه الأيام، التزاماً باتفاقيات مجموعة الدول السبع التي لا تشجع مثل هذا النهج التدخلي المباشر. لذلك كان تدخل طوكيو ملحوظاً.
وبعيداً عن ذلك، هل الخزينة فارغة؟ لا، ولكن الفرصة المتاحة أمام اليابان لهندسة ارتفاع في سعر الين محدودة إلى درجة كبيرة.
يستطيع بنك اليابان المركزي دائماً رفع سعر الفائدة الرئيسي قليلاً عن مستوى الصفر، ويتوقع العديد من الاقتصاديين ذلك في أقرب وقت خلال الشهر المقبل.
لكن أويدا يقدر الحذر. وقد كان المستثمرون متحمسين للغاية بأنه على وشك أن يبدأ في تقليص كمية السندات التي يشتريها البنك المركزي، ولكن كل ما فعله في اجتماع السياسة النقدية الأخير هو تشكيل لجنة لدراسة المسألة. وفي حال قام برفع أسعار الفائدة، ينبغي أن تستند هذه الخطوة على الظروف المحلية، وليس على ديناميات حركة النقد الأجنبي.
مراقبة وانتظار البيانات التي تشير بدرجة مقنعة إلى خفض أسعار الفائدة الأميركية هي المهمة الرئيسية. لن ينشغل باول بالكثير من الأمور الأخرى، بغض النظر عن القبعة التي يرتديها. فأميركا تأتي في المرتبة الأولى وقبل كل شيء آخر بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، وللجميع. والسيادة أمر نسبي، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالين الياباني.