قرر صانعو السياسة النقدية في البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، العدول عن اتخاذ أي خطوة في اجتماع تحديد سعر الفائدة الأساسي يوم الأربعاء، ليبقى سعر الفائدة المستهدف ما بين 5% و5.25%، ما سيتيح الوقت لتقييم آثار التشديد النقدي السابق. لكنهم لا يزالون يفتقرون إلى المعلومات لتحديد مستوى أسعار الفائدة التي ستؤدي إلى انخفاض معدل التضخم المرتفع والعنيد، إذ يشير ملخص التوقعات الاقتصادية الصادر عن "الاحتياطي الفيدرالي"، إلى أنهم لم يحققوا هذا الهدف بعد.
الحاجة إلى معدلات فائدة أكثر واقعية
يُذكر أن متوسط التوقعات الوارد في ملخص التوقعات الاقتصادية، الذي صدر في الوقت ذاته مع قرار أسعار الفائدة الأربعاء، ارتفع بشكل أكبر فيما يخص أسعار الفائدة على الأموال الفيدرالية عن معدل التضخم المتوقع، ما يلمح إلى أن اللجنة ما زالت ترى حاجة إلى معدلات فائدة حقيقية وأكثر واقعية لفرض قيود كافية على الاقتصاد. قبل عام، ظن "الاحتياطي الفيدرالي" أنه قادر على مواجهة التضخم برفع معدلات الفائدة الأساسية بنحو 1.1% عن معدل التضخم المتوقع، لكن الواضح أن أعضاء اللجنة بدأوا إعادة النظر في ذلك الأمر. حالياً، يبدو أن صانع السياسة النقدية التقليدي يفكر في أن "أسعار الفائدة الحقيقية" يجب أن تزيد عن معدل التضخم 2% في 2024.
تبعات ذلك، هي أن معدلات الفائدة تلك قد تظل مرتفعة بشكل كبير، حتى لو بدأ التضخم في التراجع في وقت لاحق من العام.
لمَ التوقف عن رفع الفائدة في ظل الحاجة إليه؟
بالطبع، يُعد تعبير "تشديد كافٍ" إحدى تلك العبارات المبهمة عمداً في قاموس خطابات "الاحتياطي الفيدرالي" التي يصعب تحديد معناها بأي قدر من الدقة. يمكنك أن تحاول قياسه كمياً، لكنه في تغير مستمر إلى جانب حالة الاقتصاد الأميركي دائمة التغير. بدوره، كان رئيس "الاحتياطي الفيدرالي"، جيروم باول، متحفظاً في مؤتمره الصحفي الأربعاء تجاه مستوى أسعار الفائدة الذي سيشكل "تشديداً كافياً"، وعندما سأله صحفي شبكة "سي إن بي سي" الإخبارية، ستيف ليزمان، عن ذلك، رفض باول الخوض في التفاصيل، وقال: "نود أن نرى دليلاً موثوقاً على استقرار معدل التضخم ثم بداية انخفاضه. هذا ما نريد رؤيته. بالطبع هذا ما نريد أن نراه، وأظن أيضاً أننا نفهم أن هناك آثاراً متأخرة. لكن تذكروا أنه قد مر أكثر من عام منذ بدء تشديد الأوضاع المالية. أظن أن سبب رضانا عن التوقف المؤقت هو أن معظم التشديد حدث في الصيف الماضي وفي فترة متأخرة من العام ذاته، وأظن أن التفكير في أن بعضاً من ذلك التشديد لم تظهر نتائجه بعد أمر منطقي".
باول: الطريق لا يزال طويلاً أمام جهود خفض التضخم
مما زاد الارتباك، فكرة أن صانعي السياسات النقدية نقحوا تقديراتهم الضمنية "للتشديد الكافي" في الوقت ذاته الذي قرروا فيه بالإجماع وقف رفع أسعار الفائدة مؤقتاً. وحين سأل مراسل صحيفة "وول ستريت جورنال"، نِك تيميراوس، باول يوم الأربعاء، لمَ لا ترفع أسعار الفائدة الآن إذا كنت تعرف أنه هناك المزيد لفعله؟، رد باول بأن سرعة التشديد ومعدلات الفائدة المناسبة هما مسألتان منفصلتان إلى حد ما. وأضاف: "كانت السرعة مسألة بالغة الأهمية في العام الماضي. وبينما نقترب من هدفنا أكثر فأكثر، وحسب ملخص التوقعات الاقتصادية، لسنا بعيدين عن الهدف وفقاً لآراء أغلب الناس، فأن تُبطئ وتيرة تحركك هو أمر معقول ومنطقي".
التضخم لا يرتفع ولا ينخفض
صحيح أيضاً أن "الاحتياطي الفيدرالي" يبدو كأنه يحد من بدائله المتاحة. ففي الأسابيع التالية لاجتماع لجنة السياسات النقدية الماضي، أشار عديد من المسؤولين بقوة إلى النية "لتخطي رفع الفائدة" في اجتماع يونيو. يستاء "الاحتياطي الفيدرالي" من مفاجأة الأسواق بشكل عام، ولذا، عجز البنك المركزي عن متابعة مساره فور توقع "تخطي رفع الفائدة".
التضخم في الولايات المتحدة يتباطأ في مايو
وفيما تمكن باول من تحاشي أي خلاف رسمي في اجتماع الأربعاء، يشير ملخص التوقعات الاقتصادية إلى أن الواضح أن البعض من صانعي السياسات النقدية راضون عن كيفية تفاعل التضخم، أو عدم تفاعله، مع رفع أسعار الفائدة 500 نقطة أساس منذ مارس 2022. "النقطة" الأعلى في ملخص التوقعات الاقتصادية، والذي يوضح "مخططاً بيانياً نُقطياً" دون هوية للتوقعات الفردية لأعضاء اللجنة، أظهرت خطر وجوب رفع أسعار الفائدة إلى 6% أو 6.25%. بوجه عام، فإن مقياس التضخم المفضل لدى "الاحتياطي الفيدرالي"، معامل وهو انكماش الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي، أظهر بصورة أساسية معدلاً ثابتاً لزيادات الأسعار في معظم العام الماضي. ووفقاً لذلك المقياس، فإن معدل التضخم لا يرتفع، لكنه لا ينخفض أيضاً. في غضون ذلك، هناك بعض الإشارات على أن سوق الإسكان الحساسة لأسعار الفائدة قد بدأت تتعافى بدرجة ما، وما زالت سوق العمل قوية إلى حد ما.
مبيعات التجزئة الأميركية تخالف التوقعات وتصعد بسبب قوة الطلب
سيكون هناك دوماً بعض الناس الذين يعتقدون بأن صانعي السياسات النقدية يخادعون لكسب مزيد من الوقت. وفي حين أنني لست واحداً منهم بالضرورة، إلا أنني سأمنح ذلك الاحتمال بعض المساحة. الواضح أن هناك خطراً يكمن في أن تسهيل الأوضاع المالية بشكل أكبر قد يتعارض مع أهداف "الاحتياطي الفيدرالي" في مواجهة التضخم، وربما استخدم بعض المسؤولين توقعاتهم "المتشددة" لتجنّب ذلك. وبينما ما زالت مؤشرات التضخم الأساسي الرئيسية مرتفعة بشكل عنيد، فإن الواضح أن هناك بعض التطورات الواعدة، وإن لم تكن ظاهرة، وأنها -ببساطة- قد تحتاج لبعض الوقت لتحقق تقدماً.
أياً كان الوضع، يشير صانعو السياسة النقدية في بنك الاحتياطي الفيدرالي، إلى توقعهم بأن يكون مستوى معدلات الفائدة الأساسية التي تحقق "التشديد الكافي" أعلى -فعلياً- عن التوقعات السابقة. وإذا كانت الأسواق قد تعلمت درساً من العام الماضي، فهو أن الإصغاء مفيد.