ما أكبر درس مستفاد من الأزمة المصرفية الأميركية الأخيرة؟

انهيار عدد من المصارف دقَّ ناقوس الخطر حول المعايير التنظيمية المتراخية ومخاوف الملاءة المالية

time reading iconدقائق القراءة - 10
سيارة تمر أمام مصرف \"سليكون فالي\" وفي الصورة مجموعة من العملاء عند باب البنك - المصدر: بلومبرغ
سيارة تمر أمام مصرف "سليكون فالي" وفي الصورة مجموعة من العملاء عند باب البنك - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

خرجت الجهات التنظيمية الأميركية ببعض الدروس المستفادة الهامة من الأزمة المصرفية الأولى التي تمرّ على البلاد منذ أكثر من عقد. ولكن أحد هذه الدروس يعتبر مهماً بشكل خاص، وهو: أنه لو كانت البنوك تتمتع بقوة أكبر من البداية، لأمكن تجنب هذه الأزمة المؤسفة برمتها.

والسؤال الآن هو، كيف وجد المسؤولون أنفسهم يتسابقون لتجنّب كارثة على مستوى النظام المصرفي بأكمله، رغم كل الإصلاحات التي أدخلتها الجهات التنظيمية منذ الأزمة المالية لعام 2008؟ في الأسبوع الماضي، قدّم كلٌّ من بنك الاحتياطي الفيدرالي والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، تفسيراتهما في تقارير منفصلة عن إخفاقات مصرف "سيليكون فالي" وبنك "سيغنتشر" اللذين يشكلان حلقة واحدة من سلسلة انهيارات استمرت حتى نهاية الأسبوع الماضي، وشهدت بسط السلطات الأميركية سيطرتها على البنك الإقليمي المتعثر "فيرست ريبابليك"، وبيعه لـ"جيه بي مورغان تشيس آند كو".

يوضح التقرير الذي قدمه "الاحتياطي الفيدرالي" حول أسباب انهيار "سليكون فالي بنك"، مشكلة باتت متكررة الآن، وهي أن إدارة البنك ضحّت بمعايير السلامة من أجل الربح، واعتمدت بشكل كبير على الودائع الكبيرة غير المؤمنة التابعة لعملاء البنك من شركات التكنولوجيا، واستثمرت كثيراً في السندات طويلة الأجل التي فقدت قيمتها مع ارتفاع أسعار الفائدة.

إغفال جهات الإشراف والتفتيش

ليس هذا وحسب، حيث لم يلفت نمو "سيليكون فالي" السريع أنظار عمليات التفتيش والإشراف التي يضطلع بها بنك الاحتياطي الفيدرالي كذلك. فقد رأى المشرفون المشكلات، لكنهم لم يدركوا خطورتها بالكامل، أو لم يضغطوا بقوة كافية لإصلاحها. كما سمحت القواعد المخففة للبنوك متوسطة الحجم -التي طُبقت منذ 2019 كجزء من التسهيلات التنظيمية الأوسع نطاقاً- لـ"سيليكون فالي" بتجاهل بعض الخسائر، ومشكلات السيولة التي لولا ذلك الوضع، لكانت ستضطر البنك إلى دعم موارده المالية في وقت أقرب. وعندما أدرك المودعون أن خسائر البنك تجاوزت رأسماله، لاذوا بالفرار بسرعة غير مسبوقة، ما أدى إلى أزمة أوسع نطاقاً لم يكن بالإمكان إيقافها سوى بالتدخل الحكومي.

تبدو تفسيرات الجهات التنظيمية لأسباب الأزمة معقولة تماماً. لكن المشرفين يحتاجون إلى أن يكونوا أكثر حزماً ويقظة لمخاطر النمو السريع والمفاجئ، والتأثيرات التي قد تنجم عن زيادة أسعار الفائدة. ونظراً لأن البنوك التي تتمتع بحجم مماثل لـ"سيلكون فالي" يمكن أن تشكل مخاطر هيكلية، فمن الضروري إخضاعها للقواعد ذاتها المُطبقة على أكبر البنوك، في بنود مثل: السيولة، وإدراك الخسائر، واختبارات الضغط.

رغم ذلك، لا تزال هناك ملاحظة واحدة من مايكل بار، رئيس الإشراف المصرفي في بنك الاحتياطي الفيدرالي، تسترعي اهتمامنا بشكل خاص، حيث قال: "رغم أن السبب المباشر لانهيار (سليكون فالي بنك) هو استنفاد السيولة، إلا أن الأزمة الأساسية تمحورت حول المخاوف بشأن حجم ملاءته المالية"، حيث كان البنك يعمل بكمية قليلة جداً نسبياً من رأس المال القابل للتحوط ضد الخسائر. وفي نهاية 2022، بلغت الأسهم الملموسة في محفظة البنك نحو 11.8 مليار دولار، أي 5.6% فقط من إجمالي الأصول الملموسة، وبالتالي لم تستطع مساندته بما يكفي بعد خسائره البالغة 17.7 مليار دولار في استثمارات السندات.

أهمية رأس المال السهمي

لو امتلك البنك ضعف هذا المبلغ من الأسهم، أو أكثر كما كان يجب أن يفعل حسبما تنصحه الأبحاث والخبرة، لكان المودعون غير المؤمن عليهم سيتمتعون بحماية أفضل، وبالتالي لن يهربوا حينها بأموالهم من البنك. بل وكان من الممكن أن يتحمل المساهمون عواقب أخطاء الإدارة بالكامل، بعدما رضوا في المقام الأول بتحمل هذه المخاطر.

تتكرر القصة ذاتها مع "فيرست ريبابليك بنك". ففي نهاية 2022، امتلك البنك أسهماً ملموسة تناهز 13.6 مليار دولار (6.4% من الأصول الملموسة)، وهي غير كافية إطلاقاً لتغطية خسائر القروض التي بلغت 22.2 مليار دولار. كما أن عدم تصدي "سيليكون فالي بنك" و"فيرست ريبابلك" للخسائر من خلال بيع الأصول –وهو أمر كان سيمنحهما القدرة على مواصلة الوفاء بالشروط التنظيمية حتى الآن- أدى إلى زعزعة الثقة فيهما. وكان بمقدور ذلك أيضاً أن يمنع صندوق تأمين الودائع من تكبّد تكاليف بمليارات الدولارات.

إحدى الميزات العظيمة التي يتمتع بها رأس المال المستند إلى الأسهم (رأس المال السهمي) هي تنوعه. فجهات الإشراف لن تتمكن أبداً من توقع كل المشكلات الوارد حدوثها، والصدمة المقبلة ستكون مختلفة عما سبقها. كما سيواجه المديرون مخاطر ناتجة عن اتخاذ قرارات غير حكيمة. ولكن، طالما أن البنوك لديها قدرة كبيرة على تحمل الخسائر الحتمية، فإن النظام المالي، والاقتصاد ككل، سيكونان أكثر مرونة. وهذا هو السبب في انتقاد بار لإجراءات تطبيق معايير رأس المال، والتي تراجعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة. ويجب أن تدفع السلسلة الأخيرة من الإخفاقات الجهات التنظيمية إلى تطبيق معايير أعلى.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

واشنطن

14 دقائق

7°C
غيوم قاتمة
العظمى / الصغرى /
27.8 كم/س
69%
الآراء الأكثر قراءة