بلومبرغ
للمرة الأولى، تشهد سوق الاكتتابات العامة في الشرق الأوسط طرح أسهم شركتي ذكاء اصطناعي ناجحتين، مدعومتين من مستشار الأمن الوطني في الإمارات. أما خلف الكواليس، فيبدو أن صعود هاتين الشركتين مردّه بشكلٍ أساسي إلى علاقات عمل مع كياناتٍ ذات صلةٍ بهما.
باشرت "بريسايت إيه آي هولدينغ" (Presight AI Holding)، اليوم الإثنين، عملية طرح لحصة من أسهمها بقيمة 1.82 مليار درهم إماراتي (496 مليون دولار أميركي) للاكتتاب في بورصة أبوظبي. وتأمل الشركة تكرار نجاح شقيقتها "بيانات إيه آي" (Bayanat AI)، وهي شركة تقدم المعلومات الجيومكانية وتضاعفت قيمتها بأكثر من 3 مرات منذ إدراجها ببورصة الإمارة في أكتوبر، حيث تبلغ قيمتها حالياً 1.9 مليار دولار.
الشركتان جزء من إمبراطورية الأعمال المترامية الأطراف التابعة للشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني الإماراتي، الذي يترأس مجلس إدارة شركة "جي42" (G42) المالكة للشركتين، والتي توسعت بوتيرة سريعة من خلال بناء محفظة متنوعة تضم شركات تعمل في كافة المجالات، من الحوسبة السحابية إلى إنتاج اللقاحات والسيارات ذاتية القيادة.
الكيانات ذات الصلة
في 2022، سجلت "بريسايت" إيرادات بقيمة 347.9 مليون دولار من الكيانات ذات الصلة، بما يناهز 82.3% من إجمالي مبيعاتها، بحسب نشرة الاكتتاب، والتي ذُكر فيها أن حكومة أبوظبي إحدى هذه الكيانات، أي الذين تربطهم صلة وثيقة بالشركة المعنية، وكانوا مصدر 99.8% من إيراداتها في 2021.
لم تحدد الشركة بدقة العملاء مصدر هذه المبيعات. في حين أوضحت بنود أخرى بنشرة الاكتتاب أن "بريسايت" وفّرت للإمارات أدوات لإدارة جائحة كورونا في أثناء تفشيها، كما قدّمت تحليلات لمقاطع الفيديو خلال "إكسبو 2020" الذي عُقد في دبي. ونوّهت نشرة الاكتتاب بأن الشركة "تعتمد بشكل كبير" على عملياتها المحلية، مع الإشارة إلى وجود خطط لتعزيز نشاطها دولياً.
نيرغونان تيروشيلفام، رئيس قسم المستهلكين والإنترنت بشركة "آليثيا كابيتال" (Aletheia Capital)، أشار إلى أن "المستثمرين يبحثون عن إيرادات متكررة ناتجة عن مجموعة متنوعة من العملاء. لذلك، فإن ضخامة حجم المعاملات مع جهات متصلة بالشركة بهذا الشكل ليست شائعة".
بيانات الخرائط
تفرض القواعد المحاسبية على الشركات الإفصاح عن حجم الأعمال مع الكيانات ذات الصلة، بما يشمل العملاء المرتبطين بكبار المساهمين أو الإدارة العليا. ومن بين داعمي الشركة الأم لـ"بريسايت" صندوق أبوظبي السيادي المعروف بشركة مبادلة للاستثمار. ويُذكر أن شقيق الشيخ طحنون الأكبر هو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حاكم إمارة أبوظبي ورئيس دولة الإمارات.
جاي ريتر، أستاذ المالية في جامعة فلوريدا، أوضح أن مديري الصناديق الأجنبية هم الأشد تخوفاً من مزيج العمل عند تقييمهم للاستثمار، فبينما قد يُنظر إلى العملاء من الكيانات ذات الصلة نظرة إيجابية إذا كانوا عملاء موثوقين، قد يشير ذلك، في المقابل، إلى أن الشركة موضع الاستثمار لا تقدّم منتجات يرغب الآخرون بشرائها.
يفضل المستثمرون عادةً "مزيجاً متنوعاً من العملاء أكثر من الاعتماد على كيانات ذات صلة. مع ذلك، قد يكون تجنّب إيرادات هذه الكيانات صعباً في أبوظبي، حيث تسيطر الشركات التي تملكها الدولة على معظم جوانب الاقتصاد"، بحسب رأي سايمون كيتشن، رئيس قطاع الاستراتيجية في المجموعة المالية هيرميس.
العقود الضخمة
انبثقت شركة "بيانات" من "المساحة العسكرية" الإماراتية، قبل أن تشتريها "جي42" في 2020، وتعتمد الشركة على العمل مع الكيانات ذات الصلة اعتماداً كبيراً، ففي التسعة شهور الأولى من 2022، جاءت 100% من مبيعاتها من هذه الكيانات، وفقاً لنشرة اكتتابها، ارتفاعاً من 99.97% في 2021 و97.7% في 2020.
"بيانات" هي المزود الرئيسي في الإمارات للمنتجات الجيومكانية، وتشمل قائمة عملائها وزارة الدفاع ودائرة البلديات والنقل وهيئة البيئة في أبوظبي. وبينما الاعتماد على العقود الضخمة هو أمر غير معتاد في الأسواق المتقدمة، فالوضع مختلف في دول الخليج، بحسب تصريحات داليا سابايون، كبيرة محللي الاستثمار في "الظبي كابيتال" (Al Dhabi Capital).
وأشارت إلى أن هذا الأمر ملموس بشكل أساسي في المجالات الحساسة التي تلعب الحكومة فيها دوراً أساسياً. وعلى سبيل المثال، فإن شركة "سوليوشنز باي إس تي سي" (Solutions By STC)، وهي وحدة لخدمات تقنية المعلومات تابعة لأكبر شركة اتصالات سعودية وأُدرجت بالبورصة في 2021، جَنَت نحو 75% من إيراداتها من الشركة الأم وشركاتها التابعة في العام الماضي، استناداً لتقريرها السنوي.
أداء "بيانات"
حققت "بيانات" أداءً جيداً خلال ظهورها الأول بالبورصة في أكتوبر، رغم أن إدراج أسهمها جاء في وقتٍ كان المستثمرون يتخلصون فيه من أسهم شركات النمو. وجذب الطرح استثماراً أساسياً من شركة "سيلفر ليك" (Silver Lake) التقنية، أحد المساهمين في الشركة الأم لـ"بيانات". وزادت قيمة الأخيرة إلى 4 أضعاف في اليوم الأول لتداول أسهمها، لتقدّم الأداء الأفضل لطرح أسهم شركة تقنية كبرى على المستوى العالمي في 2022، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ.
تفوق قيمة سهم "بيانات" حالياً نحو 215% سعره إبان الطرح الأولي، مقارنة بارتفاع 7.1% لمؤشر "إم إس سي آي" (MSCI) العالمي لتكنولوجيا المعلومات، ومقارنةً بانخفاض مؤشر أبوظبي القياسي 4.5% في المدة نفسها.
وانضمت "الشركة العالمية القابضة" (International Holding)، المدرجة بالبورصة والتي يترأس الشيخ طحنون مجلس إدارتها، للطرحين الأوليين لشركتي "بريسايت" و"بيانات" بصفتها مستثمراً أساسياً. كما تتولى شركة "الدولية للأوراق المالية" (International Securities)، ذراع الوساطة المالية لـ"العالمية القابضة"، دور وكيل الاكتتاب الرئيسي، بينما يضطلع بنك دبي الإسلامي بدور المدير الرئيسي للاكتتاب.
أحالت "جي42" والمكتب الإعلامي لحكومة الإمارات العربية المتحدة الأسئلة حول الكيانات ذات الصلة إلى الشركات نفسها. وصرح المتحدث الرسمي باسم "بيانات" بأن لديها " أكثر العملاء تميزاً" وأن الشركة تركز على مجالات تتضمن التوسع الدولي والنمو غير العضوي بعد إكمال عملية طرحها بالبورصة.
فرص عالمية
بدوره، صرّح ممثل شركة "بريسايت" أنها نفذت مشروعات متزايدة الأهمية لعملاء محليين مهمين منذ تأسيسها في 2020. كما أن عمل الشركة بمعرض "إكسبو 2020" الدولي في دبي أتاح لها فرصاً عالمية، وهي تتوقع زيادة تنويع مبيعاتها خلال العام الحالي.
بدأت "بريسايت" بتلقي طلبات المستثمرين لاكتتابها العام، الممتد خلال الفترة من 13 مارس إلى 17 مارس، على أن يبدأ التداول على السهم في نهاية الشهر. ويشغل توماس براموتيدهام منصب الرئيس التنفيذي للشركة، وهو الرئيس التنفيذي السابق لشركة تطوير برمجيات الخرائط "إيسري سنغابور" (Esri Singapore). وفي حين أن 20% من مبيعات "بريسايت" في العام الماضي جاءت من الخارج، تستهدف الشركة تحقيق ما يزيد عن نصف إيراداتها من العقود الدولية بدءاً من 2026.
ستستمر الشركة في توسيع أعمالها في أرجاء القارات الأربع، وفقاً لما جاء بنشرة الاكتتاب. وفي مقابلة له، قال براموتيدهام إن "بريسايت" تتعاون مع جهاز أبوظبي للمحاسبة لاستخدام تقنيتها في قطاع التدقيق، كما تتطلع الشركة لعقود "مع البنوك المركزية".
الرئيس التنفيذي لشركة "بريسايت" نوّه بأن "العناصر المهمة في نجاح تقدمنا هي: أولاً: بناء العلاقات على مستوى الحكومات في الأسواق الدولية، وشهدنا توقيع مذكرات تفاهم للتحول الرقمي في أنغولا وزامبيا، وهذا النوع من الاتفاقيات يفتح لنا باب الفرص للمدى الطويل".
عمليتا إدراج "بريسايت"، وقبلها "بيانات"، تتزامنان مع زيادة أبوظبي جهودها لتحويل إيرادات النفط إلى قطاع التقنية، وتعزيز التداول في البورصة المحلية. وأسست "جي42" مؤخراً صندوقاً للاستثمار في التكنولوجيا بقيمة 10 مليارات دولار للبحث عن فرص في أرجاء آسيا، إلى جانب السعودية ومصر، وفقاً لتقرير "بلومبرغ نيوز".
بعد الطرح الأولي لشركتي "بيانات" و"بريسايت"، تدرس "جي42" إجراء طروحات أولية لشركاتها الأخرى مثل وحدة الرعاية الصحية التابعة لها ومشروع مشترك مع "أدنوك" (ADNOC)، شركة النفط التي تملكها الدولة، وفقاً لتصريحات المطلعين على الموضوع.