أي نوع من الأزمات ينتظر أوروبا؟

قد تتجه الحكومات الأوروبية إلى تفادي أزمة الطاقة عبر المخاطرة بتحويلها إلى أزمة مالية.. لكن كلا الخيارين مكلف للغاية

time reading iconدقائق القراءة - 6
محطة طاقة تعمل بالفحم والغاز تديرها شركة \"يونيبر\" الألمانية  على ضفاف نهر ماين، أحد روافد نهر الراين، في غروسكروتزنبرغ، ألمانيا، يوم 16 أغسطس 2022. كشفت الخسائر التي أعلنت عنها الشركة مؤخراً، والبالغة 12.2 مليار دولار، عن عمق أزمة الطاقة التي تواجههاأوروبا - المصدر: بلومبرغ
محطة طاقة تعمل بالفحم والغاز تديرها شركة "يونيبر" الألمانية على ضفاف نهر ماين، أحد روافد نهر الراين، في غروسكروتزنبرغ، ألمانيا، يوم 16 أغسطس 2022. كشفت الخسائر التي أعلنت عنها الشركة مؤخراً، والبالغة 12.2 مليار دولار، عن عمق أزمة الطاقة التي تواجههاأوروبا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

على الحكومات الأوروبية أن تختار أي نوع من الأزمات ستواجهها: أزمة طاقة أم أزمة مالية؟ لكن، في كلتا الحالتين، قد يصبح الاقتصاد العالمي على المحك.

تختلف التقديرات بشأن حجم التكاليف التي ستترتب على صدمة أسعار الطاقة، إلا أن هناك تقييماً منطقياً واحداً، يتراوح بين 6% و8% من الناتج المحلي الإجمالي لأوروبا. قد تتمثل إحدى الاستجابات لهذه الصدمة، في السماح لأسعار الطاقة بالارتفاع، والسماح كذلك للقطاع الخاص بأن يتكيّف مع الأمر. وهذا يعني ارتفاع تكاليف التصنيع، وارتفاع فواتير التدفئة المنزلية، وانخفاض الدخل المتاح للإنفاق على السلع والخدمات الأخرى. وبشكل عام، سيكون الأمر مشابهاً لصدمة أسعار الطاقة عام 1979، والركود الذي تلاها.

مديرة صندوق النقد الدولي تحذر: الاقتصاد العالمي قد يخسر 4 تريليونات دولار

يمكننا أن نلاحظ أن حجم الركود عادةً ما يكون أكبر من حجم صدمة الأسعار الأولية. عندما تبدأ بعض القطاعات في الانكماش، تجرّ معها قطاعات أخرى. كذلك، ستنخفض أسعار الأصول، ما سيضر بالتالي بالاستثمار والاستهلاك. في بعض الأحيان، يطلق خبراء الاقتصاد على هذا الأمر تسمية "نظرية الدورة الاقتصادية الحقيقية"، وهي فرع من المعرفة، يبحث في كيفية انتشار حدث سلبي أولي.

الاتحاد الأوروبي يرى تأثيراً محدوداً للتدخل في أسعار الطاقة

هذه ليست مجرد قصة اقتصادية خيالية. تشير أحدث البيانات إلى أن الصادرات الألمانية تتعرض لصدمة قوية، على الرغم من أن بعض هذا الانخفاض يرجع إلى مشكلات ليست لها علاقة بالطاقة.

نحو أزمة مالية

يبدو الأمر محبطاً، لكن من المهم أن ندرك أن هناك مساراً مختلفاً، غير أنه قاتم بالدرجة ذاتها، إذ يمكن للحكومات أخذ صدمة أسعار الطاقة هذه، وتحويلها إلى صدمة مالية بدلاً عن ذلك.

جنون أسعار الطاقة يهدد استمرار مصانع الألمنيوم في أوروبا

إذا حصلت حكومة ما على ما يكفي من الزيادة في فاتورة الطاقة، سيبدو الأمر كما لو أن صدمة أسعار الطاقة لم تحدث أبداً. سيكون من الصعب تنفيذ مثل هذه السياسة بشكلها المتناقض، لكن كانت هناك بالفعل تحركات في هذا الاتجاه.

تلتزم حكومة المملكة المتحدة بتخصيص مبلغ يُقدّر بنحو 200 مليار جنيه إسترليني، لعزل اقتصاد البلاد عن صدمات أسعار الطاقة، على الرغم من أن جزءاً كبيراً من صدمة أسعار الطاقة سيواصل شق طريقه إلى الاقتصاد. كشفت ألمانيا أيضاً عن خطة لإنفاق نحو 200 مليار يورو لحماية الاقتصاد من صدمات أسعار الطاقة.

ضعف الجنيه الإسترليني يفاقم أسعار الطاقة في بريطانيا

يمكن أن تحاول الحكومات، الحدّ من صدمات أسعار الطاقة بطرق مختلفة، إذ بإمكانها مثلاً أن تعمل على تعزيز وضع المستهلكين والشركات مرة أخرى عبر الدعم وتحويلات الدخل؛ أو يمكنها وضع حد للأسعار، ثم محاولة إنعاش شركات الطاقة مرة أخرى. مهما كان المزيج الدقيق للسياسات، فإن التكلفة الإضافية ستُحدث فجوة كبيرة في الميزانيات الحكومية.

مزيد من الاقتراض

إذا تحملت الحكومة تكلفة الطاقة الإضافية بالكامل، فإنها ستكلف الاقتصاد ما يتراوح بين 6% إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذه التكلفة ينبغي أن تتحمّلها كل عام في ظل استمرار ارتفاع أسعار الطاقة. هذا الأمر سيتطلب مزيداً من الاقتراض الحكومي، أو ضرائب أعلى، أو طباعة نقود أكثر، أو مزيجاً من هذه الخيارات.

الاتحاد الأوروبي يتفق على حزمة إجراءات أولية لتهدئة أزمة الغاز

النبأ السار هو أن تحويل أزمة الطاقة إلى أزمة مالية، لا يؤدي إلى وصول تكاليف الطاقة المرتفعة إلى كل قطاعات الاقتصاد. أما الخبر السيئ، فهو من شقين: أولاً، إبقاء أسعار الطاقة منخفضة لا يسهم في التشجيع على المحافظة عليها. ثانياً، وهو الأهم، أن الأزمة المالية تظل أزمة. فحتى لو تجنبت الحكومة الاقتراض الإضافي، يبقى السؤال: ما هو مقدار المساحة المتاحة لرفع الضرائب، بالنظر إلى القيود الاقتصادية والسياسية؟

في أواخر السبعينيات، لم يكن هناك تحرك عام لتحويل أزمة أسعار الطاقة إلى أزمة مالية (معقولة). لم تكن الحكومات آنذاك تعتقد بأنها تستطيع الإفلات من مستويات الاقتراض التي باتت تقبلها الآن بشكل روتيني.

الصدمات المتتالية تضرب اقتصاد العالم وتعيد مشاهد الأزمة المالية إلى الواجهة

إذاً، هذه هي لحظة من الابتكار السياسي، يمكن أن نطلق عليها تسمية "إضفاء الطابع المالي على المشكلات الاقتصادية". يُعدّ الوباء أيضاً، أحدث مثال على ذلك. إلى متى يمكن للعالم أن يموّل مشكلاته؟ هل يمكن لإضفاء الطابع المالي أن يساعد العالم على تجنب الأزمات الاقتصادية الكبرى؟

مخاطر الديون

ربما تكون هذه مجرد بداية لمستويات الديون المرتفعة للغاية باعتبارها شكلاً من أشكال التأمين ضد الحظ السيئ. أو ربما تكون أسواق السندات على وشك التمرّد ضد هكذا اقتراض مستمر، خصوصاً أن مثل هذه الديون ستدمّر المعاهدة المالية التي قام على أساسها الاتحاد الأوروبي، نظراً لوجهة النظر الشائعة القائلة إن بعض هذه الدول على الأقل، سينتهي بها الأمر إلى إساءة استخدام امتيازاتها الخاصة بالاقتراض. ولنتذكر أن أسعار الفائدة الحقيقية آخذة في الارتفاع منذ فترة.

باختصار، لا يدعو أي من هذه السيناريوهات بشكل خاص إلى التفاؤل، كما أن أحداً لا يعرف حقاً ما الذي يفعلونه، وربما تملي سوق السندات، النتيجة النهائية. طاب يومكم.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

بروكسل

3 دقائق

7°C
غيوم متناثرة
العظمى / الصغرى /
11.1 كم/س
91%