تعيش الأسواق العالمية أوقاتاً غير مستقرة وسريعة التغير، ففي غضون شهرين تضاعفت توقُّعات الأسواق لاحتمالية أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة في عام 2022 من مرتين إلى أربع مرات على الأقل، أي مرة كل ثلاثة شهور. في حين دعا اقتصاديون آخرون إلى 7 زيادات مع رفع أكبر بمقدار 50 نقطة في مارس.
هذا التغير في التوقُّعات يمكن تفسيره بسبب النمو القوي للاقتصاد الأمريكي، فقد انخفض معدل البطالة إلى أقل من 4% ، في حين كان مؤشر أسعار المستهلكين الذي يقيس التضخم عند 7% الأعلى في 40 عاماً.
يظهر ذلك أنَّ الاحتياطي الفيدرالي تأخر كثيراً في قراراته، وترك الظروف المالية فضفاضة لفترة طويلة، وعليه الآن أن يثبت جديته في القيام بدوره لخفض التضخم من خلال رفع سعر الفائدة، لأنَّه إن تأخر في أخذ القرار أكثر من ذلك؛ فهو يخاطر بفقدان مصداقيته.
السيطرة على التضخم
عندما ضرب وباء كورونا العالم لأول مرة في أوائل عام 2020، كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يركز على التوظيف والنمو، لكنَّه حوَّل تركيزه الآن إلى مهمته الأخرى وهي استقرار الأسعار، أي السيطرة على التضخم.
هناك الكثير من المخاطر المستقبلية، أولها؛ إذا تم رفع الأجور لتعويض العاملين عن ارتفاع تكاليف المعيشة، يمكن أن يؤدي ذلك مع تأثير قيود سلاسل التوريد إلى ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم، وهو ما سيؤدي إلى المطالبة بالمزيد من رفع الأجور، وبالتالي؛ إلى ارتفاعات أخرى في الأسعار، مما يدخل البلاد في حلقة غير منتهية.
من الواضح أنَّ الاحتياطي الفيدرالي يدرك هذا الخطر، ولهذا السبب لم يتجاهل توقُّعات السوق الأخيرة الخاصة بالزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة.
أما الخطر الآخر؛ فيتمثل في حال قام الفيدرالي بتشديد السياسة النقدية أكثر من اللازم؛ فإنَّه قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي بشكل كبير. كما أنَّ مراقبة مبيعات التجزئة هي أحد التدابير التي يجب اتباعها عن كثب لقياس ميل المستهلك للإنفاق.
التوترات الجيوسياسية
ينتظر الجميع قرار الاحتياطي الفيدرالي في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة من جانب، وروسيا والصين من جانب آخر. القرار صعب، ولهذا السبب فمن المتوقَّع أن ترتفع تقلّبات السوق بشكل كبير هذا العام.
كان الفيدرالي الأمريكي قد وضع هدفاً لمعدلات التضخم عند 2% خلال العام الماضي وعلى المدى المتوسط، وهو ما لم يستطع تحقيقه في ظل ارتفاع الطلب على السلع والخدمات، والذي كان مكبوتاً بعد عام من الحجر المنزلي الناجم عن قيود تفشي فيروس كورونا.
لكن بالرغم من ارتفاع معدلات التضخم فوق مستوى 2% منذ بداية عام 2021؛ فإنَّ الفيدرالي كان يراهن على أنَّها ارتفاعات مؤقتة، وأنَّ النسبة ستدور حول هذا الرقم مع نهاية العام. في حين جاءت النتيجة الإجمالية عند مستوى 7% لتشير إلى أنَّ الفيدرالي فشل في تقييم الوضع بصورة صحيحة، مما سيجعله يتصرف بصورة أسرع من المتوقَّع للسيطرة على زمام الأمور.