تمتلك أوروبا الغاز، لكن إن كان ما لديها ما يكفي لتغطية جميع الاحتمالات يُعتبر سؤالاً مختلفاً وأكثر إثارة للقلق.
إن مرافق تخزين الغاز الطبيعي في القارة ممتلئة بنسبة 76%، عند أدنى مستوى لها في بداية موسم التدفئة خلال العقد الماضي.
لكن في المطلق، هل 76% بهذا السوء؟. إنها تضيف ما يصل إلى 841 تيراواط/ساعة حسب تقدير "جيه آي إي" (GIE) (حوالي 2.8 تريليون قدم مكعب)، أي أقل بكثير من متوسط خمس سنوات، ولكن هذا المتوسط انحرف إلى الأعلى بفعل الظروف غير العادية في 2019 و2020.
يبدو المستوى الحالي أقل بحوالي 3% فقط من متوسط السنوات الخمس المنتهية في 2018، عندما كان الطلب مشابهاً للتوقعات. إضافة إلى ذلك، إذا نظرنا إلى فصول الشتاء التسعة الماضية، فقد كان الحد الأقصى للسحب من المخزون 773 تيراواط/ساعة في عامي 2018/19.
تشير هذه الأرقام إلى أسعار أعلى بالتأكيد. لكنها بمفردها، لا تشير إلى نفاد الغاز من أوروبا، وهو المعنى الضمني للارتفاع الأخير في الأسعار قبل التراجع الجزئي هذا الأسبوع.
متوسط المخزون
هناك فجوة كبيرة تمتد من بحر الشمال إلى وديان الألب تحت أرقام المخزون الرئيسية. فالمخزون في هولندا وألمانيا والنمسا أقل من المتوسط بالنسبة للقارة، وتتراوح نسبة الامتلاء من 55% فقط في النمسا إلى أقل بقليل من 70% في ألمانيا. ولا تستضيف هذه البلدان الثلاثة حوالي نصف سكان أوروبا بأكملها فحسب، بل تقع أيضاً في موقع استراتيجي وسط النظام مباشرة، ما يوفر قدرة فعلية للمناطق المحيطة بها مثل المملكة المتحدة وشرق وجنوب أوروبا.
في حالة الضرورة، وجود أسبوع بارد متزامنا مع انخفاض طاقة الرياح، يؤكد ضرورة وجود كميات، لكن الأمر يتطلب أيضاً مرونة في نظام الغاز؛ مع القدرة على نقل الجزيئات إلى المكان المطلوب بسرعة عند الحاجة. بدون ذلك ستحدث ارتفاعات في الأسعار الإقليمية، كما يحدث غالباً في مدن شمال شرق الولايات المتحدة خلال فصل الشتاء، أو سيحدث نقص صريح.
علاوة على ذلك، ومع انخفاض مخزونات الغاز، ينخفض الضغط في مواقع التخزين، ما يجعل من الصعب زيادة عمليات السحب بسرعة، فتتفاقم المشكلة.
مما يثير الاهتمام في تلك المخزونات المنخفضة في جميع أنحاء أوروبا الوسطى هو أن المنشآت المرتبطة بشركة "غازبروم" الروسية العملاقة قد استُنفدت بشكل خاص هذا العام.
هناك تفسيرات منطقية تماماً لهذا. كما هو الحال في أي مكان آخر، تعيد روسيا بناء مخزون الغاز الخاص بها بعد استنزافه خلال فترة كوفيد 19، إلى جانب الطلب الشديد في الشتاء الماضي والصيف أيضاً.
لكن من الصعب تجاهل مصادفة وجود فجوة في قلب أوروبا الاستراتيجي، في الوقت الذي تدفع فيه موسكو لفتح خط أنابيب "نورد ستريم 2" المثير للجدل، وتسعى للحصول على مزيد من عقود التوريد طويلة الأجل لشركة "غازبروم". وبما أن الرئيس الروسي الحالي قد استخدم سلاح الغاز من قبل ولديه نزعة نحو توجهات العالم القديم مثل سجن المعارضين المحليين وغزو الجيران، يبدو عالم الاحتمالات شاسعاً.
يزعم رئيس وكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، أن روسيا يمكنها دفع المزيد من الغاز إلى أوروبا إذا أرادت ذلك. تشير التعليقات الأخيرة من المسؤولين الروس أيضاً إلى هذا، رغم أنها قد تعكس ببساطة التهدئة الوشيكة لضخ الغاز في البلاد. على أي حال، لن يتدفق أي غاز غرباً حتى تحجز كميات إضافية فعلياً على خطوط أنابيب "غازبروم".
مكائد بوتين
في الوقت الذي يمكن فيه للمكائد الروسية أن تلعب دوراً جيداً، إلا أن أوروبا بحاجة إلى مواجهة نقاط الضعف الداخلية التي تجعلها عرضة لمثل هذه الأمور. حتى لو بدت أرقام التخزين الرئيسية ضعيفة، لكنها ليست كارثية، فقد تغير النظام الذي تخدمه بطرق قوضت من هذه الثقة.
من المتوقع أن يكون الطلب هذا العام مشابهاً لعام 2018، لكن انخفاض العرض المحلي يعني أن متطلبات أوروبا من واردات الغاز أعلى بحوالي الخُمس. تبدو مخزونات الغاز في أوكرانيا مستنفدة بشدة، ما يُحوّل المصدر التاريخي للإمدادات الإضافية إلى استنزاف محتمل. وفي الوقت نفسه، كما هو الحال مع أسواق مثل كاليفورنيا، أدت إزالة الكربون من شبكة الطاقة إلى زيادة قيمة الغاز كاحتياطي للطاقة المتجددة، حتى في الوقت الذي تتنافس فيه أنظمة التدفئة الأوروبية أيضاً على الإمدادات.
هناك ضعف في موقف أوروبا من زوايا أخرى أيضاً، مثل توقف حقل "غرونينجن" العملاق في هولندا بسبب النشاط الزلزالي، وإغلاق أسطول الطاقة النووية الألماني، وقرار إغلاق منشأة تخزين الغاز الرئيسية في المملكة المتحدة، في عام 2017.
ترك كل هذا أوروبا مع مرونة أقل عند مواجهة التحديات، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان. ويمكن أن تساعد متطلبات مخزون الغاز ذات التنسيق الأعلى والتي تدعم بعضها، على غرار نظام وكالة الطاقة الدولية للنفط، لكن تخزين الغاز أصعب بكثير من تخزين النفط، وستبقى بعض البلدان تعتمد على حسن نية جيرانها. إضافة إلى ذلك، يعد بناء مخازن جديدة للغاز أمراً صعباً من الناحية الاقتصادية والسياسية نظراً لأهداف إزالة الكربون، وإن كان من المحتمل تعديل هذه المرافق لتُلائم احتجاز الهيدروجين أو الكربون.
من المفترض أن يؤدي فصل شتاء معتدل إلى أن تشهد أوروبا انخفاضاً للأسعار في الوقت الحالي. ومن المحتمل أن يعني الشتاء القاسي سحب معظم المخزونات، إلى جانب حدوث نقص في المنطقة وزيادة الأسعار. ومع ذلك، سيكون التحدي الأكبر للجميع، هو البرد المفاجئ الذي سيختبر نظاماً قد يحتوي على الغاز، ولكن ليس بالضرورة في مكان وزمان الحاجة إليه.