كيف نضمن عدم تحوّل حرب المناخ إلى نزاع طبقي

time reading iconدقائق القراءة - 6
جدارية تذكر باحتجاجات حركة \"السترات الصفراء\" - المصدر: بلومبرغ
جدارية تذكر باحتجاجات حركة "السترات الصفراء" - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

دعمت تجارة الفحم والصلب الاتحاد الأوروبي في سنوات إنشائه، واليوم تريد الكتلة قيادة العالم في مجال المسؤولية المناخية، مع مجموعة كبيرة من المقترحات، بدءاً من توسيع نظام تداول الانبعاثات، وصولاً إلى حظر سيارات الوقود الأحفوري، للوصول إلى هدفها لعام 2050 المتمثل في حياد الكربون. لكن رغم كل هذه الرؤى الطموحة، تبقى هناك مخاوف مبررة لدى أصحاب المصلحة الأصليين في المشروع الأوروبي، تماماً كما قال جان مونيه - "عامل المنجم في منجمه، وعامل الصلب في مصانع الصلب، والصفوف العريضة من المستهلكين"- سيتخلفون عن الركب في هذه العملية.

التغيير سيكون "قاسياً للغاية"، وفق ما قاله فرانس تيمرمانز المسؤول الأعلى لسياسة المناخ في الاتحاد الأوروبي. لكن هذا التغيير سيكون حتى أشد وطأةً بالنسبة إلى من هم في القسم الأدنى من مقياس الدخل، إذ إن السياسات المصممة لرفع سعر الكربون، وحث المستهلكين على خفض الانبعاثات، ستؤثر على كل شيء، من أسعار رحلات الطيران إلى تكلفة فواتير التدفئة المنزلية. ووفقاً لـ"تقييم الأثر" الصادر عن الاتحاد الأوروبي، تعد هذه تكاليف تناسبية "بشكل ملحوظ" لأصحاب الدخل المنخفض، ومن المفارقة أن هذا يعني، أن تلك الشريحة هي التي تضم أقل الناس الذين يتحملون مسؤولية تلوث الكربون الذي أضيف إلى الغلاف الجوي منذ عام 1990.

خسارة الوظائف

لقد أصبحت سبل العيش على المحك. وحتى لو كان المستقبل الخالي من الانبعاثات يعد بفرص جديدة في قطاعات مثل السيارات الكهربائية أو البناء الموفر للطاقة، فإنه يدمّر الوظائف كثيفة الكربون خلال مراحل إنشائه. ويتوقّع "تقييم الأثر" الصادر عن الاتحاد الأوروبي خسارة إجمالية قدرها 494 ألف وظيفة بحلول عام 2030. قد لا يبدو هذا كثيراً، لكن نظراً إلى أن هذه الخسارات ستتركز في قطاعات مثل الفحم، فإن هناك مناطق بأكملها هي التي ستتلقى الضربة. لقد أثّر التحول الكهربائي بالفعل بشكل واضح على قطاع السيارات، الذي يوفر حوالي 3 ملايين وظيفة صناعية في أوروبا.

يجري الحديث حالياً حول أفضل السبل لتخفيف تلك الضربة، في الوقت ذاته الذي تبدأ فيه عملية مساومة مطولة حول التسويات السياسية بين الأحزاب السياسية والدول الأعضاء. من جانبه، حذّر السياسي من حزب الخضر الفرنسي باسكال كانفين، من عودة محتملة لـ"حركة السترات الصفراء"، وهي حركة احتجاج فرنسية اندلعت جزئياً بسبب زيادة الضرائب التي فرضت على الديزل في 2018.

الدمار الخلاق

إحدى الطرق الواضحة لكبح "الدمار الخلاق" الذي تحدث عنه "شومبيتر" - الذي أطلاق العنان لقواعد مناخية كاسحة - تتمثل في إعادة توزيع الأموال النقدية إلى الفئات الضعيفة. لذلك، أعلن الاتحاد الأوروبي عن صندوق اجتماعي للمناخ يتماشى مع مقترحات سياسته، تبلغ قيمته حوالي 72 مليار يورو على مدى سبع سنوات، ويحصل هذا الصندوق على 25% من تمويله من عائدات تجارة الانبعاثات لوقود البناء والنقل البري.

هذا ليس بعيداً جداً عن رقم 33% الذي اقترحته مؤسسة "فيفيد إكونوميكس" (Vivid Economics) العام الماضي في ورقة توضح كيفية التخفيف من آثار ضريبة الكربون المحتملة. يعتقد كريستيان غوليير من مدرسة "تولوز للاقتصاد" أن تقديم المساعدات لذوي الأجور المنخفضة، إلى جانب خفض مساهمات التأمين الوطني، من شأنه أن يزيد من دعم العمل المناخي.

هذا لن يقضي من تلقاء نفسه على النظرة العامة تجاه فرض أسعار أعلى على من هم أقل قدرة على تحمل تكاليفها. كما أنه لن يخفف من آلام أولئك الذين من المقرر أن تصبح وظائفهم من الماضي خلال السنوات المقبلة.

إحدى أدوات السياسة الإضافية التي تجب مراعاتها، هي إعادة تدريب القوى العاملة المستضعفة في أوروبا وإعادة تأهيلها، وهو أمر لم يتلقَ بعد الدعم المالي والموارد اللوجستية التي يستحقها، إذ إن المحاولات السابقة التي قام بها الاتحاد الأوروبي لإعادة تدريب العمال العاطلين عن العمل من خلال "صندوق توافق العولمة"، كانت قد حققت نجاحاً متبايناً، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى صغر حجمه ومعاييره الصارمة. يجب أن تشجع حزمة سياسة المناخ اتخاذ خطوات أكبر وأكثر جرأة، خصوصاً بالنظر إلى طموح الاتحاد الأوروبي الهادف إلى دعم إعادة توطين الوظائف في داخله، وتشجيع الاستثمار في قطاعات مثل بطاريات السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات.

ابتكار واستثمار

أداة أخرى تتمثل في الابتكار والاستثمار، الذي من شأنه تجنب المخاطر المتمثلة في اختيار الحكومات للرابحين خلال العقد المقبل (وهو ما لم ينجح بشكل جيد حتى الآن). سيكون الربح المزدوج بهذا الخصوص، هو خفض سعر ابتعاد المستهلكين عن الأنشطة كثيفة الكربون - "العلاوة الخضراء"، كما وصفها لاري فينك رئيس شركة "بلاك روك" (BlackRock ) مؤخراً - وخلق فرص عمل في هذه العملية.

لن يحدث هذا في فراغ، وسيتطلب أدوات لتحفيز القطاع الخاص. تتمثل إحدى الأفكار المشجعة في "السندات الانتقالية"، وهي نوع جديد من الديون تقدمه الشركات للمساعدة على تمويل الجهود المبذولة للحد من الانبعاثات. اعتباراً من شهر مايو، بدأت عمليات جمع التبرعات هذه بداية بطيئة، وأثار عدم وجود معايير واضحة مخاوف بشأن "التبييض الانتقالي"، ما نظر إليه على أنه مبالغة في الالتزامات بالتصدي لتغير المناخ. ولكن لا يزال هناك الكثير من التفاؤل بأن التمويل الانتقالي، يمكن أن يسهم بما يتراوح بين 1 تريليون دولار إلى 3 تريليونات دولار المطلوبة سنوياً لتحقيق أهداف المناخ بحلول عام 2050. فبعد عامل المنجم في منجمه، وعامل الصلب في مصانع الصلب، والمستهلك، يمكن أن يكون مستثمر السندات مقياساً لمستقبل مناخ الاتحاد الأوروبي.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

باريس

3 دقائق

0°C
رذاذ ثلوج خفيف
العظمى / الصغرى /
22.2 كم/س
97%