الحزب الحاكم الذي يتمتع بأغلبية لا يمكن التغلب عليها يبدو اليوم غير قادر على حكم البلاد

بعد إقالة كوارتنغ.. حزب المحافظين يتجه لفترة ما بعد ترَس

ليز ترس ، رئيسة وزراء المملكة المتحدة ، تلقي خطابها الرئيسي خلال مؤتمر الخريف السنوي لحزب المحافظين في برمنغهام ، المملكة المتحدة ، يوم الأربعاء 5 أكتوبر 2022. - المصدر: بلومبرغ
ليز ترس ، رئيسة وزراء المملكة المتحدة ، تلقي خطابها الرئيسي خلال مؤتمر الخريف السنوي لحزب المحافظين في برمنغهام ، المملكة المتحدة ، يوم الأربعاء 5 أكتوبر 2022. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

قبل خمسة أسابيع، تابع العالم برهبةٍ بريطانيا وهي تودّع إليزابيث الثانية وتستقبل تشارلز الثالث بأبهة لا تشوبها شائبة. أما اليوم؛ فإنَّ العالم يراقب بريطانيا وهو في حالة من الذهول، حيث تتشظى الحكومة، ويدخل الاقتصاد البريطاني في اضطرابات. "يا عزيزتي ، يا عزيزتي".. هذا ما سُمع من كلام الملك وهو يتمتم أثناء لقائه برئيسة الوزراء ليز ترَس في أول اجتماعاتهما الأسبوعية العادية.

الوضع السياسي كئيب وسريالي في الوقت ذاته. عاد وزير الخزانة كواسي كوارتنغ مسرعاً من اجتماعات الصندوق والبنك الدوليين لإقالته من منصبه، بعدما شغله 38 يوماً.

صرح وزير الخارجية، جيمس كليفرلي، بشكل غير متسرع خلال مقابلة إذاعية، بأنَّ "تغيير القيادة سيكون فكرة سيئة وكارثية، ليس على الصعيد السياسي فقط، ولكن على الصعيد الاقتصادي أيضاً".

هناك موجة من الغضب في أوساط نواب حزب المحافظين، إذ تُظهر استطلاعات الرأي أنَّ النواب بأغلبية 20 ألفاً يخسرون أمام حزب العمال.

قال أحد المطلعين في حزب المحافظين، إنَّ هذه هي أسوأ أزمة شهدها في حياته، ولا يمكن مقارنتها سوى مع المواجهة مع مصر حول قناة السويس في عام 1956، أو حتى أزمة مايو 1940 خلال الحرب العالمية الثانية. وأضاف: "تحاول الحكومة البقاء على قيد الحياة بسياستها المحددة وهي في حالة يرثى لها.. على الأقل في عام 1940، كان لدينا تشرشل".

إليكم عينة مما قاله النواب للصحف في الأيام القليلة الماضية: كان الجو العام في اجتماع لجنة 1922 يوم الأربعاء، والذي حاولت ترَس خلاله تبرير سياساتها لنواب حزب المحافظين، "جنائزياً" و"كئيباً بشكل لا يوصف". إنَّ توقُّع قيام ترَس وكوارتنغ (قبل مغادرته منصبه) بإصلاح الموقف، "يشبه إلى حد ما مطالبة مهندس الغاز الذي نسف منزلك للتو، بالعودة إليه والقيام بمهمة أخرى .. لا أرى أي طريقة للعودة إلى ذلك". "لقد انهارت سياستها الاقتصادية برمتها ". "كلنا نعاني من الاكتئاب والقلق.. نحن نحاول تحديد ما يجب القيام به ".

لماذا لا تغادر؟

إنَّ قرار ترَس بالتضحية بوزير ماليتها والتراجع عن جزء كبير من ميزانيته المصغرة، قد يكسبها القليل من الوقت - ويعيد بعض الاستقرار إلى السوق - لكنَّه يثير سؤالاً آخر: إذا كان بإمكان كوارتنغ الرحيل، ، فلماذا لا تغادر ترَس؟ النقطة الوحيدة التي تملكها ترَس باعتبارها سياسية، هي أنَّها مُصلِحة راديكالية تريد إحداث صدمة في النظام المتصلّب وتحويله إلى مسار النمو. إذا استبعدنا هذه النقطة، فلن تكون أكثر من وعاء فارغ في المنصب، بغض النظر عن امتلاكها للسلطة.

لا أحد يحتاج إلى ترَس إذا كانوا يبحثون عن خطاب ذكي، أو تعاطف، أو مهارات تنظيمية، أو إذا كانوا يبحثون عن الشعبية.

أظهر استطلاع جديد للرأي أجرته شركة "ريد فيلد آند ويلتون استراتيجيز" (Redfield & Wilton Strategies)، أنَّ معدل شعبيتها يصل إلى 48 تحت الصفر، وهو أدنى معدل قبول على الإطلاق لرئيس وزراء.

من الواضح أنَّ التخلص من رئيسة وزراء في منصبها بعد أسابيع فقط من تعيينها، يبدو أمراً سخيفاً. ستبدو إيطاليا مستقرة عندها لدى مقارنتها مع بريطانيا.

قد يعني تغيير القائد أيضاً، تغيير قواعد الاختيار، لأنَّ أحداً ليست لديه الرغبة في انتخابات جديدة أخرى طويلة الأمد يشارك فيها أعضاء حزب المحافظين. يزداد اقتناع المحافظين بأنَّ العبثية أفضل من النسيان، مع مناقشة العديد من الخيارات علانية في حانات وأروقة وستمنستر.

اقتراحات باستبدال ترّس

أحد الاقتراحات هو استبدال ترَس بإحدى الشخصيات السياسية المحايدة، تماماً كما استبدل الحزب سيئ الحظ إيان دنكان بالسياسي مايكل هوارد في عام 2003. ومن الأسماء المتداولة، ساجد جاويد وكيت مالتوس. ويشار إلى أنَّ قليلين من خارج دائرة المحافظين سمعوا عن مالتوس، وسيصاب الرأي العام بالذهول عندما يجد الناس فجأة أنَّه مفروض عليهم في منصب رئيس حكومة لتصريف الأعمال.

الاقتراح الثاني، هو استبدال ترَس بوزير المالية السابق ريشي سوناك، الذي تغلّب عليها بين أعضاء البرلمان، وكان من الواضح أنَّه كان محقاً في تحذير أعضاء الحزب من أنَّ السياسات الاقتصادية التي تنتهجها ترَس ستؤدي إلى كارثة. لكن قد يُنظر إلى هذه الخطوة على أنَّها تحرك حزبي، في وقت يحتاج فيه الحزب إلى الوحدة.

الخيار الثالث الذي يكتسب زخماً؛ هو إقامة تحالف بين سوناك وبيني موردونت اللذين حصلا فيما بينهما على ثلاثة أرباع أصوات نواب حزب المحافظين. موردونت، وهي شخصية مشهورة بين أعضاء الحزب، لديها موهبة الوصول إلى أعضاء حزب المحافظين من ذوي الياقات الزرقاء (أبناء الطبقة العاملة)، الذين تم استبعادهم بشكل خاص بسبب حماسة ترَس لخفض الضرائب وتقليص دور الدولة في الاقتصاد.

اختيار القادة

المزاج محموم لدرجة أنَّه من المستحيل التنبؤ بما سيحدث. لكن هناك ثلاثة أمور واضحة من الاضطرابات والصدمات التي حدثت الأسبوع الماضي.

الأول، يتعين على حزب المحافظين إصلاح الطريقة التي يختار بها القادة. فقد صوّت أغلب النواب لصالح سوناك وزير الخزانة السابق صاحب الخبرة، والذي كان يعلم أن ترَس تخوض مغامرة غير محسوبة العواقب.

لم تحصل ترَس على منصبها، لكنَّها ناشدت أعضاء حزب المحافظين الذين بلغ عددهم 172 ألفاً، والذين ليست لديهم الأرقام لإضفاء الشرعية الديمقراطية على قرارهم أو المعرفة لاتخاذ قرار مستنير.

إنَّ طريقة منح سلطة اتخاذ القرار لأعضاء الحزب في وقت أصبحت فيه العضوية هواية للمتطرفين وغريبي الأطوار، أدت إلى فرض جيريمي كوربين على حزب العمال في عام 2015. وقد أسفرت هذه الطريقة حالياً عن رئاسة ترَس لحزب المحافظين في عام 2022. لكن، يجب أن يقتصر اختيار القادة على النواب.

الثاني؛ يتمثل في أنَّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، بغض النظر عن تأثيره على الاقتصاد البريطاني، كان كارثة على السياسة البريطانية. فقد سلب المواهب من حزب المحافظين، فيما جرى تجميد الباقين من الحزب، أو تركهم له في حالة من الاشمئزاز.

هذا في وقت لا يكاد يكون فيه النظام السياسي حافلاً بالموهوبين. وقد شجع هذا الأمر على التمسك بالموقف المتهور والمستبد في أوساط مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وشجع على تبني موقف متهور ومستبد بين مؤيدي "بريكست"، وقدّم تعليمات مشوشة للحزب.

انقسم مؤيدو "بريكست" إلى معسكرين توحدهما فقط كراهيتهما لبروكسل؛ وهما التقليديون الذين أرادوا العودة إلى الأيام الخوالي من خلال "استعادة السيطرة" من البيروقراطيين الأجانب والأسواق العالمية، وأنصار السوق الحرة من الراديكاليين الذين أرادوا إطلاق العنان لقوة التدمير الخلاق.

مهما كانت أخطاؤه، حاول بوريس جونسون على الأقل التوفيق بين المواقف المتعارضة. حتى لو لم تختر ترَس "التدمير الإبداعي"بلا فن، لدرجة أنَّها عزلت الأسواق، لكنَّها أثارت عداء الجزء الكبير من حزبها الذي اعتقد أنَّ "بريكست" يعني شيئاً مختلفاً تماماً عما تراه هي.

الثالث؛ يتمثل في أنَّ حزب العمال هو الآن حكومة منتظرة وليس معارضة مناضلة. يتلقى زعيم حزب العمال، كير ستارمر، ووزيرة خزانة الظل في الحزب، راشيل ريفز، الكثير من العروض والدعوات لتناول كوكتيل الروبيان في لندن.

يحتفي الناخبون العاديون أو الذين لم يحسموا قرارهم بالحياة الطبيعية والهادئة التي يمكن أن يوفرها ستارمر، وما تعد به من كفاءة واستقرار. لقد قيل كثيراً إنَّ الحكومات تخسر الانتخابات، بدلاً من القول إنَّ المعارضة تفوز بها.

لكن لم يتوقَّع أي شخص في القيادة العليا لحزب العمال أن يخسر حزب المحافظين – الحزب الذي اشتهر بأنَّه الأكثر جدارة في العالم الغربي - الانتخابات المقبلة، والتي يجب الإعلان عنها في غضون العامين المقبلين، بطريقة مذهلة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة