إذا كنت تبحث عن جانب إيجابي للسحابة الدخانية التي غطت نيويورك الأسبوع الجاري مع انتشار حرائق الغابات في كندا، فانظر إلى تأثير كارثة طبيعية مشابهة في 2019 و2020 على سياسات المناخ في الجانب الآخر من العالم.
لطالما اشتهرت أستراليا بتقدمها البطيء في مجال مواجهة تغير المناخ، إذ تنافس إندونيسيا وقطر على مكانة أكبر مُصدر للفحم والغاز الطبيعي المسال، وأمضى زعماؤها عقوداً في تعطيل العمل البيئي. فقد رفض رئيس الوزراء السابق، جون هوارد، التصديق على بروتوكول طوكيو لعام 1997، وأنكر خلفه، توني أبوت، ذات مرة التفسير العلمي لتغير المناخ ووصفه بأنه عبث تام. أما سكوت موريسون، الذي وقعت حرائق 2019 خلال توليه المنصب، فقد لوّح بقطعة فحم داخل البرلمان تهكماً على المعارضة من حزب العمال.
تراجع الثقة في الحكومة بعد الحرائق
قبل أشهر قليلة من بداية موسم حرائق الغابات، اعتُبرت نتائج الانتخابات العامة في مايو 2019 بمثابة ضربة قاضية للسياسات الخضراء. ففكرة أن حزب العمال لا يدعم قطاع استخراج الفحم، نظراً لموقف الحزب المبهم من مشروع الملياردير الهندي غوتام أداني لتطوير منجم "كارمايكل" للفحم، كلفه أصوات الناخبين في المناطق المعتمدة على استخراج الفحم، وفقاً لتقرير الحزب بعد الانتخابات، والذي صدر في نوفمبر بينما وصلت الحرائق لمستويات كارثية. وخوفاً من اعتباره يثير القضايا المتعلقة بالمناخ، التزم حزب العمال والإعلام السياسي الأوسع نطاقاً الصمت بشكل كبير في البداية، حتى عندما غطى الدخان الأحمر والرماد مدينة سيدني.
ألمانيا تخصص 50 مليار يورو لمساعدة الصناعات الثقيلة على التحول إلى "الأخضر"
لكن الدمار الواضح الذي خلفه موسم الحرائق التالي، والصور المخيفة لمدن قضاء العطلات تحاصرها الحرائق من كل الاتجاهات، وما نجم عنه من مشكلات صحية ضارة، غيّر كل ذلك، وكشف استطلاع رأي أجرته جامعة أستراليا الوطنية في مطلع 2020 أن الثقة في الحكومة الاتحادية تراجعت 10.9% عن مستواها قبل فترة حرائق الغابات، بينما ارتفع عدد من يعتبرون البيئة قضية حاسمة 8.2%. وكشف 77.8% من السكان عن أن صديقاً لهم أو فرد من عائلاتهم تعرض مباشرة للكارثة.
الانتخابات تأتي بحكومة خضراء
أصبحت صور موريسون وهو يقضي عطلته في هاواي بينما تنتشر الحرائق، وصوره وهو يتعرض لانتقادات ساكني مدينة كوبراغو التي احترقت، وتقع في الظهير الساحلي جنوب شرق العاصمة كنبرا، رمزاً لانهيار رئاسته للوزراء.
أتت انتخابات 2022 بالبرلمان الأشد تأييداً للسياسات الخضراء في التاريخ، حيث يضم البرلمان 3 أعضاء جدد من حزب الخُضر، و6 أعضاء مستقلين جدد يركزون على قضايا المناخ، إضافة إلى 151 عضواً بمجلس النواب. أقرّت الحكومة الجديدة في مارس مشروع قانون يفرض خفض الانبعاثات 43% بحلول 2030 عن مستوياتها في 2005، وهو أهم تشريع بيئي يصدر في عقد.
علماء: البشر تجاوزوا الحدود الأساسية لاستقرار الأرض
يبدو ذلك على أنه دليل واضح على أن الكارثة التي تضرب الولايات المتحدة حالياً يجب أن تعزز الإرادة الشعبية لاتخاذ إجراءات لمواجهة الاحترار العالمي، فحتى لو حققت الانتخابات اللاحقة وأحكام القضاء انتصارات للمستفيدين من الوقود الأحفوري، فلا داعي للمبالغة في الحماس.
تأثير الكوارث الطبيعية على الناخبين
من جهة، قد يكون للكوارث الطبيعية تأثير خالٍ من الأحكام التقديرية على سلوك الناخبين بشكل غريب. فلا تؤدي تلك الحوادث إلى تغير كبير في موقف الأشخاص وميلهم لوجهات نظر بعينها، مثل معاقبة الحزب الذي يتولى السلطة أياً كان.
في إحدى الدراسات الشهيرة، فقد أضرت موجة من هجمات أسماك القرش في نيوجيرزي في 1916 بحملة الرئيس الأميركي وودرو ويلسون لإعادة انتخابه، رغم الغياب الواضح للتداعيات السياسية.
كان لذلك أثر سيئ على الحكومة التي أنكرت تغير المناخ في أستراليا في 2019، لكن قد يكون لها أثراً سيئاً أيضاً على الحكومة التي تركز على قضايا المناخ في الولايات المتحدة في 2023. فالأرجح أن سوء الاستجابة سيضر بإدارة بايدن أكثر مما سيضر بمعارضيها، كما اكتشف الرئيس جورج بوش بعد إعصار كاترينا في 2005.
ترقب عالمي لمسودة معاهدة الأمم المتحدة بشأن التخلص من البلاستيك
كما يمكن الحد من أثار الكوارث، فرغم تراجع الدعم لمناجم الفحم الجديدة في أستراليا من 45.3% إلى 37% بعد حرائق الغابات، فمن أيدوا القطاع سابقاً، وتضرروا لاحقاً بشكل مباشر من الدخان والحرائق، كان احتمال تأييدهم له أكبر. فقد شهدت دائرة غيلمور الانتخابية التي يسيطر عليها حزب العمال -حيث انتشر المقطع المصور لموريسون وهو يتعرض للانتقادات- تأييداً غير متوقع لحزبه، وأصبحت المنافسة على مقعدها بالبرلمان هي الأشد في البلد.
هدسون الأكثر تضرراً
بمقارنة خرائط سحب الدخان في شمال شرق الولايات المتحدة ونتائج الانتخابات، سيتضح أن أكثر المناطق تضرراً في البلد تقع في أنحاء نيويورك ونيوإنجلند، حيث يسيطر الديمقراطيون. وتضررت أيضاً مناطق يهيمن عليها الجمهوريون بشكل أكبر، مثل بنسلفانيا، وأوهايو، وميشيغان، لكن ليس بمستويات التلوث الفتاك ذاتها التي غطت نهر هدسون.
أُجري تحليل في 2019 لثلاث وسبعين دراسة مختلفة عن الرأي العام وخبرات تغير المناخ، وقد كشف التحليل عن أن أحوال الطقس القاسية لم يكن لها إلا تأثير ضعيف على آراء الناس، أقل بكثير عن العوامل التقليدية، مثل الانتماء الحزبي الأساسي. وبالقدر الضئيل الذي تشكّل به الكوارث الطبيعية الآراء البيئية للناخبين الأميركيين، فيبدو أنها تقع بوتيرة أكبر للمتشككين، والذين يتضررون بشكل مباشر. مع ذلك، فالناخبون في الولايات التي يتأرجح تأييدها ما بين الحزبين، ليسوا من يخنقهم الدخان حالياً.