تحديد هدف للتضخم في الصين على غرار أماكن أخرى قد يكون صعباً لكن جوهر الفكرة لا يجب أن يكون كذلك

الصين بحاجة للتفكير بجدية في تحديد هدف التضخم عند 2%

صورة باندا تظهر على شاشة عرض كبيرة أثناء تجمع الناس خارج مركز تسوق جديد في بكين، الصين - المصدر: بلومبرغ
صورة باندا تظهر على شاشة عرض كبيرة أثناء تجمع الناس خارج مركز تسوق جديد في بكين، الصين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

أدى التباطؤ المقلق في وتيرة ارتفاع أسعار المستهلك في الصين إلى تزايد الدعوات المطالبة بتحفيز الاقتصاد، وبالتالي اتخذت بكين بعض الخطوات المتواضعة في الاتجاه الصحيح. لكن ظهرت مؤخراً فكرة دراماتيكية، وهي إحياء سياسات اقتصادية من تسعينيات القرن الماضي.

الأمر لا يتعلق بالتوسع السريع الذي شهده الاقتصاد الصيني آنذاك عندما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير، بل باقتراح قدمه أحد المستشارين المؤثرين للبنك المركزي، والذي يعتمد على تبني هدف تضخم إلزامي يتراوح بين 2% و3%. انتشرت فكرة هذا الهدف سريعاً في العقد الأخير من القرن العشرين، حيث كانت نيوزيلندا من أوائل من طبق الفكرة، وسرعان ما لحقت بها المملكة المتحدة وأستراليا.

عندما بدأت عملة اليورو في الظهور بعد بضعة أعوام، كُلف البنك المركزي الأوروبي بمهمة تحقيق هدف تضخم موحد قدره 2%. وتبنت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية هذا الهدف أيضاً، لكنها أرجأت الإعلان عنه رسمياً حتى 2012.

تحديات استهداف التضخم

ألم يعاني معظم صُناع السياسات الذين التزموا بأهداف التضخم من ارتفاع معدلاته كثيراً مؤخراً؟

نعم، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن السلطات لم تستجب سريعاً بما يكفي؛ لأن الزيادات في الأسعار كانت باستمرار أقل من هدفها في الأعوام السابقة للجائحة.

وكان لدى البنوك المركزية رغبة في التأكد من أن ارتفاع التضخم في أواخر 2021 حقيقي. والفكرة هنا هي أن استهداف رقم معين، سواء كان مرتفعاً أو منخفضاً، يقود السياسات الاقتصادية بشكل فعال.

يقول المؤيدون إن هذا النهج يضيف عنصر التنبؤ على المدى الطويل، فإذا علمت الأسر والشركات أن الهدف هو 2% مثلاً، فإنهم سيعدلون سلوكهم وفقاً لذلك.

لكن هذا النهج ليس خالياً من العيوب كما هي الحال مع غيره، لكنه أفضل من معاقبة المستثمرين على توقعات متشائمة مبررة بشأن الاقتصاد. فالصين تنظر بقلق إلى ارتفاع سوق السندات، وتهدد بالتدخل لمنع انخفاض العوائد إلى مستويات منخفضة للغاية. ويتم حث الاقتصاديين على الامتناع عن استخدام مصطلحات مثل "الانكماش"، كما أن الأوصاف المبالغ فيها لضعف السوق من المحتمل أن تؤدي أيضاً إلى فرض عقوبات.

مخاطر انكماش الصين

مشكلة الصين ليست التضخم المفرط، بل العكس تماماً، فقد أشارت البيانات الصادرة هذا الشهر إلى أن أسعار المستهلك ارتفعت قليلاً خلال يوليو. وبالرغم من أن أي زيادة تُعد خبراً جيداً في هذه المرحلة، لا تزال القوى الانكماشية واسعة النطاق تهيمن على الاقتصاد.

كما واصلت أسعار السلع في المصانع التراجع الذي بدأ في 2022. وهذا بعيد تماماً عن ما أطلق عليه رئيس بنك الشعب الصيني السابق "حلم محافظي البنوك المركزية"، والذي يتمثل في تحقيق تضخم قدره 2%. من الواضح أن المسؤولين في الصين تروق لهم، نظرياً، بعض الأفكار التي تكمن وراء هدف التضخم، فقد استهدفوا نسبة 3% في الماضي، لكن كحد أقصى، وليس بالضرورة كهدف يجب تحقيقه.

يتلقى الرئيس الصيني شي جين بينغ كثيراً من النصائح الاقتصادية. ويتم حث بكين، أو تحذيرها، من أجل تعزيز الإنفاق الاستهلاكي، وتقليل الصادرات، والحد من الطاقة الفائضة، والتعامل مع ديون الحكومات المحلية.

كما يُطلب منها معالجة مخاطر الانكماش وعدم التردد في خفض أسعار الفائدة. تحولت الصين من الأداء الاقتصادي الممتاز بشكل مضمون إلى مواجهة نتائج ضعيفة. وعادةً ما يشعر القادة بالغضب من الانتقادات الغربية التي يرون أنها تستهدف إعاقة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وبعضها يصدق عليه هذا الوصف.

ما يجعل تعليقات هوانغ يبينغ، عميد كلية التنمية الوطنية بجامعة بكين وعضو لجنة السياسة النقدية في بنك الشعب الصيني، مثيرة للاهتمام، هو أنه بالرغم من حرصه على عدم ذكر كلمة "انكماش"، فإنه يدرك بوضوح مخاطر تباطؤ الطلب، لذا اقترح هدفاً تضخمياً بين 2% و3%. وقال إنه "من السهل الآن تباطؤ الاقتصاد، لكن من الصعب إعادة إنعاشه. وإذا وقع الاقتصاد في فخ التضخم المنخفض، ستكون العواقب خطيرة".

استقلالية البنك المركزي

تعتبر السياسة أحد العقبات المحتملة أمام تبني هدف التضخم في الصين، واستقلالية البنك المركزي عادةً ما تكون مرتبطة بأهداف تضخمية محددة. وإذا كان المسؤولون يوجهون نحو تحقيق أهداف معينة، فمن الأفضل أن يتمتعوا بحرية فعل ذلك دون القلق بشأن الاعتبارات السياسية التي تزعج وزراء المالية والهيئات التشريعية.

وهناك ميزة إضافية لاستقلالية البنك المركزي وهي تحمله اللوم وحده إذا فشلت السياسات. ومع ذلك، فإن استقلالية أي شيء في بكين تعتبر من الأمور الإشكالية، فقد عزز شي سلطته بطريقة لم يسبق لها مثيل منذ ولاية الرئيس السابق ماو تسي تونغ.

لكن لا ينبغي أن يقلل ذلك من قيمة الفكرة، خاصة أن هناك أيضاً مجالاً للتفاصيل الدقيقة. فعلى سبيل المثال، كُلف بنك إنجلترا بهدف تضخم في عام 1992، قبل خمسة أعوام من منح حكومة توني بلير الاستقلالية للبنك. وهذا يعني أن السياسة لم تكن بعيدة عن تأثير تكاليف الاقتراض حتى في العصر الحديث.

وفي أستراليا، يشغل أعلى مسؤول في وزارة الخزانة منصباً في مجلس إدارة البنك الاحتياطي الأسترالي، قد جادل اثنان من رؤساء البنك الاحتياطي السابقين والمحترمين ضد التغييرات التي قد تجرد الحكومة من القدرة على نقض القرارات.

يتوخى صناع السياسات في "الاحتياطي الفيدرالي" الأميركي الحذر من إغضاب الكونغرس. فقد استشار رئيس البنك المركزي السابق بن برنانكي المسؤولين حول هدف التضخم في 2009، لكنه واجه مقاومة شديدة، وفق ما كتبته سارة بيندر ومارك سبيندل في كتابهما "أسطورة الاستقلالية: كيف يحكم الكونغرس الاحتياطي الفيدرالي". وكان على برنانكي الانتظار حتى تتوفر ظروف أكثر ملاءمة.

ربما يكون تحديد هدف للتضخم في الصين على غرار ما يُمارس في أماكن أخرى أمراً صعباً، لكن جوهر الفكرة لا يجب أن يكون كذلك. وتكمن الفكرة هنا في أن الأسعار الضعيفة ليست مفيدة للصين، وتؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك