شهدت أسواق سندات الولايات المتحدة اضطرابات طفيفة منذ أن أظهرت توقعات الأسواق تقدم الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي فاز بولاية ثانية الثلاثاء الماضي، ما أسفر عن زيادة الضغوط على الرهون العقارية وتكاليف الاقتراض للأسر. إذا استمرت هذه التحركات، فقد تكون مصدر خيبة أمل كبيرة للناخبين الذين وضعوا ثقتهم في ترمب لتحسين القدرة على تحمل تكاليف السكن وتخفيض تكاليف المعيشة.
لحسن الحظ، هناك مسار واضح يمكنه اتباعه للتخفيف من هذا الضرر وبدء فترته الجديدة بشكل إيجابي مع أسواق السندات إذ ينبغي عليه إعلان ثقته الكاملة برئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول -مستمر في منصبه حتى مايو 2026- والتعهد بعدم التدخل في أمور السياسة النقدية.
أعلم أن هذا أمر بعيد الاحتمال، لكن امنحني فرصة الاستماع إلى فكرتي.
أجندة ترمب الاقتصادية
على خلفية أسوأ موجة من التضخم في الولايات المتحدة منذ أربعة عقود، فإن أجندة ترمب التي تشمل رسوماً جمركية جديدة وعجوزات ميزانية مرتفعة أثارت قلق المستثمرين في السندات. يفاقم من سوء الأوضاع وجود سجل لترمب على صعيد العداء تجاه البنك المركزي المستقل في البلاد، والذي يُعد حاجز حماية رئيسي ضد ارتفاع الأسعار.
خلال ولايته الرئاسية الأولى، تعرض باول لانتقاد علني على منصة "X" من ترمب بسبب إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة. أعلن الرئيس الأميركي السابق أنه لن يعيد تعيين باول في 2026. في الوقت ذاته، ظهرت نظريات حول الطرق التي قد يستخدمها ترمب لمحاولة إقصاء باول أو إضعاف دوره قبل بلوغه ذلك التاريخ. خلال مقابلة مع مجلة "بلومبرغ بيزنس ويك"، نفى ترمب نيته إقالة رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، لكنه أضاف وضع قيد بقوله: "سأتركه يكمل فترته لا سيما إذا رأيت أنه يؤدي عمله على النحو الصحيح".
عادت هذه المسألة للبروز أمس خلال المؤتمر الصحفي لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بعد خفض سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية لتصل إلى نطاق بين 4.5% و4.75%. شهد المؤتمر نقاشاً حاداً بين باول وفيكتوريا جويدا، مراسلة مجلة "بوليتيكو":
جويدا: بعض مستشاري الرئيس المنتخب يشيرون إلى أنك ينبغي أن تستقيل. إذا طلبت منك المغادرة، هل سترحل؟
باول: لا
جويدا: هل يمكنك أن توضح أكثر؟ هل تعتقد أنك قانونياً غير ملزم بالمغادرة؟
باول: لا.
كان رد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جاداً. تراجعت عوائد السندات لأجل 10 سنوات بنحو أربع نقاط أساس مباشرة بعد تصريحاته، لتختتم اليوم بانخفاض إجمالي بلغ 11 نقطة أساس.
من يكبح اندفاعات ترمب؟
من المؤسف أنني أدرك تماماً أن خطتي للوصول للتعايش السلمي قد لا تلقى قبولاً واسعاً. سجل دونالد ترمب السابق لا يعكس براغماتية كبيرة، كما أنه ليس معروفاً بمد جسور التواصل مع من يختلف معهم. شهدت ولايته الأولى وتيرة استثنائية من التغييرات في أعضاء حكومته، وكانت عمليات الإقالة في كثير من الأحيان مليئة بالأحداث الدرامية. كان يعبر عن آرائه بحرية، أحياناً على حساب زيادات مفاجئة في العوائد وتقلبات سوق الأسهم.
في هذه الفترة، تحيط بترمب شخصيات لا تبدو مهتمة بكبح اندفاعاته. على سبيل المثال، مدير صندوق تحوط سكوت بيسنت، -مستشار لترمب وقد يكون مرشحاً لمنصب وزير الخزانة- طرح فكرة تعيين رئيس "ظل" لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. يمكن لهذا الرئيس التواصل مع الأسواق بشأن توجه جديد للسياسة النقدية حتى قبل انتهاء فترة باول، ما يعد انحرافاً خطيراً ربما يضر بمصداقية سياسات البنك المركزي الأميركي.
مع تجارب التضخم الأخيرة وتفاقم العجز المالي، قد يجد ترمب نفسه في مواجهة سوق أكثر حساسية تجاه تقلباته مقارنة بفترته السابقة. يبدو أن باول سيستمر في عمله مع الرئيس المنتخب لمدة عام ونصف على الأقل، وربما أكثر، لأن فترة باول في حال التمديد في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي تنتهي في 2028.
ترمب يمكنه جعل هذا الأمر سهلاً، كما يمكنه جعله صعباً.
محاولة إضعاف دور رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يعد فرصة ضائعة. باول يتمتع بخبرة راسخة، ورغم بعض الأخطاء التي ارتكبها عندما أبقى على أسعار الفائدة منخفضة في أواخر 2021، إلا أنه نجح في تخفيض التضخم في الولايات المتحدة دون زيادة كبيرة في البطالة في الولايات المتحدة.
استمرار باول في صالح ترمب
يمكن لهذا الإنجاز أن يساعد في حماية انتعاش قطاع الإسكان من الأثر السلبي لتكاليف الاقتراض المرتفعة، ومنع تباطؤ النمو الاقتصادي. دعم باول سيساعد ترمب أيضاً في بناء توافق حول أهدافه الخاصة بالسياسات الاقتصادية مثل الرسوم الجمركية وتخفيض الضرائب. الإبقاء على باول في منصبه هو الخيار الصحيح لأميركا، وربما لترمب أيضاً، الذي سيحتاج إلى اقتصاد قوي قبل انتخابات التجديد النصفي في 2026.
لا يوجد أي مكسب لترمب في استمرار خلافه مع رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي. لو كان إدراكه لهذه الحقيقة وحده كافياً لردعه.
خلاصة
يشير المقال إلى اضطرابات في أسواق السندات الأميركية بعد فوز ترمب بولاية ثانية، مما زاد من تكاليف الاقتراض، وقد يخيب آمال الناخبين الذين يأملون في تحسين القدرة على تحمل تكاليف السكن.
قد يظهر ترمب دعمه لرئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول ويتعهد بعدم التدخل في السياسة النقدية. تاريخياً، انتقد ترمب باول بسبب أسعار الفائدة المرتفعة، وهناك تكهنات بمحاولات مستقبلية لإضعاف دوره.
يرى المقال أن استمرار باول قد يفيد ترمب في استقرار الاقتصاد، مما يدعم موقفه في الانتخابات النصفية القادمة، خصوصاً إذا تجنب التدخلات التي قد تزعزع الأسواق.