الشرق
أعلنت إيران البارحة الأربعاء نيتها رفع الإنتاج النفطي بمقدار 250 ألف برميل يومياً بحلول سبتمبر المقبل، ما يطرح تساؤلات حول نجاعة العقوبات المفروضة عليها، وتأثير هذه الزيادة على جهود "أوبك+" للمحافظة على استقرار السوق.
الإعلان الإيراني جاء على لسان الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية محسن خجسته ونقلته وكالة "تسنيم" الإيرانية. حيث أكد أن بلاده ستزيد الإنتاج بمعدل 150 ألف برميل يومياً خلال أسبوع، تليها 100 ألف إضافية بحلول نهاية سبتمبر.
المسؤول الإيراني كشف أن إنتاج بلاده سيصل إلى حوالي 3.5 مليون برميل يومياً بعد هذه الزيادات، ما يعني أنه اليوم عند حدود 3.25 مليون برميل يومياً، وهو رقم لم يكن معلناً بشكلٍ رسمي.
ما آثار الزيادة على السوق؟
يرى محلل أسواق النفط لدى "الشرق للأخبار" وائل مهدي أن الزيادة في الإنتاج الإيراني لن تؤثر بشكل كبير على السوق، كونها تواجه نقصاً شديداً في النفط المتوسط والثقيل الذي تنتجه إيران، معتبراً أن الكمية التي تتحدث عنها إيران "قليلة".
يتفق سبينسر ويلش، رئيس استشارات التكرير والتسويق بأسواق النفط في "ستاندرد آند بورز غلوبال"، مع مهدي حول محدودية تأثير هذه الزيادة.
وتوقّع في تصريح عبر البريد الإلكتروني لـ"اقتصاد الشرق"، أن رفع إيران لإنتاجها بـ250 ألف برميل يومياً، "يمثل نحو 0.25% من الطلب العالمي، بالتالي لن يكون له تأثير كبير على السوق، لكنه سيضع بعض الضغط على تحالف "أوبك+" لتمديد خفض النفط أو زيادة نسبته"، في إطار سعيه لتحقيق الاستقرار.
اتفق "أوبك+"، في يونيو الماضي، على تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط من ديسمبر 2023 إلى نهاية 2024.
وكان التحالف بدأ في نوفمبر 2022 تنفيذ خفض الإنتاج بواقع مليوني برميل يومياً، قبل أن يفاجئ الأسواق بخفض طوعي من كبار المنتجين اعتباراً من أول مايو الماضي، بواقع 1.66 مليون برميل يومياً.
رغم ذلك، فإن إيران المعفية من اتفاق "أوبك+" بسبب الحظر النفطي عليها؛ "تنتج منذ وقت طويل معدلات أقل من قدرتها الإنتاجية، ما يعني أن من حقها إنتاج المزيد من النفط، إذا استطاعت إيجاد مشترٍ"، وفقاً لما قاله ويلش.
من جهته، شدّد فيكتور كاتونا، محلل الخام الرئيسي في شركة "كبلر" (Kpler) المتخصصة باستشارات السلع، في تصريح عبر البريد الإلكتروني لـ"اقتصاد الشرق"، على أن الإمدادات الإيرانية الإضافية "ستعمل على تخفيف الضغط في سوق النفط، وتساهم بخفض الأسعار؛ حتى لو استلزمت السوق شهراً أو أكثر لاستيعاب أن صادرات إيران زادت بالفعل".
ولفت إلى أن هذه الزيادة يمكن أن تساهم بتخفيف أثر الخفض الطوعي للنفط الذي قامت به دول "أوبك+".
شكوك حول حجم الإنتاج
بحسب تصريحات خجسته، فإن إنتاج طهران من الخام حالياً بحدود 3.25 مليون برميل يومياً، في حين أن أرقام وكالة الطاقة الدولية، في مايو الماضي، قدّرت إنتاج إيران عند 2.87 مليون برميل يومياً.
انسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عام 2018 من الاتفاق النووي، وأعاد فرض عقوبات على الاقتصاد الإيراني وخصوصاً قطاع النفط. هذه العقوبات قلّصت صادرات إيران النفطية إلى مستويات قياسية منخفضة وصلت في بعض الأحيان إلى 300 ألف برميل يومياً.
وائل مهدي شكك بصحة أرقام الإنتاج المعلنة على لسان رئيس شركة النفط الوطنية، قائلاً إن التقديرات تشير إلى أن إنتاج إيران اليوم عند 2.9 مليون برميل "على الأكثر".
تقديرات "ستاندرد آند بورز غلوبال" لم تكن بعيدة عن هذه الأرقام أيضاً، إذ يقدّر ويلش معدل إنتاج طهران هذا العام بنحو 2.6 مليون برميل يومياً. لكنه يتوقع أن يرتفع هذا الرقم، وإن كانت نسبة الزيادة "مرتبطة بشكل مباشر مع مفاوضات رفع العقوبات" مع الأطراف التي كانت مشاركة في الاتفاق النووي، على حدّ قوله.
أجرت إيران جولات عدّة من المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة، لمحاولة إعادة إحياء الاتفاق النووي. غير أن هذه المحادثات توقفت في أغسطس الماضي.
في السياق نفسه، أشار كاتونا من "كبلر" إلى أن "لجنة الطاقة البرلمانية زعمت قبل أسبوعين أن إنتاج النفط يبلغ 3.1 مليون برميل يومياً"، لذلك "لا أعتقد أن زيادة الإنتاج إلى 3.5 مليون برميل في اليوم بحلول نهاية أغسطس أو سبتمبر أمر ممكن حقاً".
تقديرات "كبلر" بالنسبة للإنتاج النفطي الإيراني تتراوح ما بين 3 ملايين إلى 3.1 مليون برميل يومياً في الوقت الحالي، بحسب المحلل في الشركة الاستشارية، منوّهاً بأنها الأعلى في فترة ما بعد جائحة كورونا، وتتجاوز 3 ملايين برميل في اليوم على أساس مستدام للمرة الأولى منذ أكتوبر 2018.
إشارة إلى السوق والصينيين
حول الأسباب التي يمكن أن تدفع الإيرانيين إلى التصريح عن هذا الرقم رغم تناقضه مع غالبية التحليلات، اعتبر كاتونا أن طهران "تريد إرسال إشارة" إلى السوق أنها تعتزم البناء على النجاحات الأخيرة التي حققتها في زيادة الصادرات، مشيراً إلى ارتفاع متوسط الصادرات الشهرية من 900 ألف برميل يومياً عام 2022 إلى 1.2 مليون برميل يومياً في 2023 حتى الآن.
كما يرى أن طهران "ترسل إشارة إلى المشترين الصينيين بأن لديها المزيد من الكميات المتاحة، في حالة وجود طلب كافٍ عليها".
كاتونا لفت إلى أنه باستثناء تدفق 75 ألف برميل يومياً من النفط الخام إلى سوريا، وهي حليف سياسي قديم، وشحنات المكثفات المتجهة إلى فنزويلا (نحو 30 ألف برميل)، فقد ذهبت كل الصادرات الإيرانية إلى المشترين الصينيين.
من جهته، اعتبر وائل مهدي من "الشرق للأخبار" أن عودة الإنتاج إلى طاقته القصوى عند 3.8 مليون برميل، "بخلاف ما يقوله المسؤولون في إيران، قد تأخذ وقتاً أطول من المتوقع". ولفت إلى أن إيران قد تتمكن من إضافة 250 ألف برميل خلال 3 إلى 6 أشهر، لكنها تحتاج إلى عام تقريباً من تاريخ رفع الحظر عليها، في حال تمّ ذلك، للعودة مستوى الطاقة القصوى.
مهدي ردّ السبب إلى توقف عمل الحقول ونقص المعدّات بسبب الحظر، فضلاً عن غياب شركات خدمات الحقول العالمية، وطبيعة النفط الإيراني؛ "التي تصعّب جميعها من رفع الإنتاج الى الطاقة القصوى في فترة قصيرة".