ستواصل روسيا خلق حالة من عدم اليقين بشأن شحنات النفط والغاز والسلع الزراعية في الأسواق العالمية، فهي ليس لديها ما تخسره وإنما الكثير لتكسبه.
لذا لا تركنوا إلى التطورات الحديثة التي قد تشير إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين يتراجع عن وقف تدفقات الطاقة والغذاء والأسمدة، فهو لن يتراجع.
في الأسبوعين الماضيين، ألغت محكمة روسية تعليق الشحنات لمدة 30 يوماً عبر خط أنابيب شركة "اتحاد خطوط أنابيب بحر قزوين" الذي ينقل الخام الكازاخستاني على الأغلب إلى محطة تصدير على ساحل البحر الأسود في روسيا.
كان من شأن هذا التعليق، الذي كتبت عنه، أن يمنع ما يصل إلى 45 مليون برميل من الخام من الإمدادات العالمية، بقيمة تزيد عن 4.5 مليار دولار، لكن الغرامة التي فُرضت على الشركة بدلاً من التعليق كانت 200 ألف روبل فقط، أي ما يعادل 3,200 دولار.
الخطر لم يختف
كان الاستئناف الناجح بلا شك انتصاراً لشركة خطوط الأنابيب وأنقذ شركات التكرير الأوروبية، لكن بالنسبة لحكومة كازاخستان وشركات النفط الأجنبية العاملة هناك، لم يختف خطر الاضطرابات في المستقبل.
انقطعت التدفقات عبر نظام "اتحاد خطوط أنابيب بحر قزوين" مرتين منذ غزو القوات الروسية لأوكرانيا في 24 فبراير، المرة الأولى في أواخر مارس عندما أُغلقت المحطة جزئياً لمدة شهر بعد أن قيل إن عاصفة أضرّت باثنتين من عوامات التحميل الثلاث، ثم في منتصف شهر يونيو، عُلّقت عمليات التحميل مرة أخرى من رصيفين لإجراء مسح للمنطقة المائية المحيطة، ما أدّى إلى اكتشاف عدد من ألغام الحرب العالمية الثانية، وأي شخص متشكك قد يتوقع أن إزالة الألغام كان من المفترض أن تكون أولوية عند تركيب العوامات في المقام الأول.
وما يثير القلق الأكبر للدول الأوروبية هو أن يد الكرملين تسيطر بقوة على تدفقات الغاز الروسية، وخلال معظم العام الماضي، كانت عمليات التسليم تصل إلى حوالي 400 مليون متر مكعب في اليوم، لكن انخفضت فجأة بنحو 25% مع اقتراب فصل الشتاء مع تراجع التدفقات على خط أنابيب يامال-أوروبا عبر بولندا، ثم انخفضت مرة أخرى في يناير عندما قُلّصت أيضاً الأحجام المرسلة عبر أوكرانيا بشدة.
الأسواق تستعد لـ"سيناريو الهلاك" حال وقف تدفقات الغاز الروسي
بحلول يونيو، هبطت تدفقات الغاز الإجمالية عبر خطوط الأنابيب من روسيا إلى أوروبا إلى نحو 40% من المستويات العادية، ثم انخفضت إلى أقل من 20% في الأسبوعين الماضيين نتيجة توقف خط أنابيب "نورد ستريم" للصيانة السنوية.
هدأت المخاوف -على الأقل في الوقت الحالي- من أن الخط الذي يربط روسيا مباشرة بألمانيا لن يُعاد تشغيله مباشرة بمجرد الانتهاء من العمل، واستؤنفت الشحنات على طول الطريق في 21 يوليو، لكن الرئيس بوتين سارع إلى التحذير من احتمال هبوطها مرة أخرى في غضون أيام ما لم يُعَدِ التوربين الذي أُرسل إلى كندا للصيانة قبل إخراج أحد التوربينات الأخرى الموجودة على الخط من الخدمة.
تهديد قائم
ويبقى تهديد توقف تدفقات الغاز حقيقياً للغاية.
ثم هناك مسألة السماح بشحن الحبوب من موانئ أوكرانيا على البحر الأسود، وفي حين أن أي اتفاق لاستعادة هذه الصادرات الحيوية هو موضع ترحيب، فلا داعي للتوهم بأنه لا يمكن وقفها مرة أخرى في أي وقت، فسرقة روسيا للحبوب الأوكرانية موثقة جيداً، وكذلك التدمير العشوائي للمحاصيل في الحقول.
ينبغي التعامل بحذر مع الخطوات الروسية الواضحة للتراجع عن حافة الهاوية في جميع هذه المجالات الثلاثة، ولا يعني عدم استخدام الأسلحة هذه المرة أنها لن تظهر لاحقاً.
ومثل الصواريخ النووية التي لا ينفك بوتين وأتباعه التهديد باستخدامها، فإن معظم القوة التي اكتسبتها روسيا من قدرتها على قطع إمدادات الغذاء والطاقة تكمن في عدم اليقين الناتج عن احتمالية استخدامها وليس في استخدامها بالفعل، لأنه بمجرد استخدام هذه القدرة، رغم تأثيراتها المدمرة، فسينتهي التهديد، ولكن عبر الاحتفاظ بها كوسيلة احتياطية يمكن أن يستمر الضغط بها للأبد تقريباً.
توقعوا أن تواصل روسيا تهديد تدفقات النفط والغاز والسلع الزراعية مع اقتراب فصل الشتاء، حتى لو لم تحدّ منها.