حرب أوكرانيا تُعجل بانهيار "يونيبر" الألمانية

time reading iconدقائق القراءة - 15
رهانات \"يونيبر\" على الطاقة الروسية تأتي بنتائج عكسية  - المصدر: بلومبرغ
رهانات "يونيبر" على الطاقة الروسية تأتي بنتائج عكسية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يعتمد أمن الطاقة الألماني على شركة المرافق "يونيبر" (Uniper SE) التي تأتي رهاناتها على الطاقة الروسية بنتائج عكسية في المواجهة الجيوسياسية المتعلقة بحرب الرئيس فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا.

في ظل تقلبات أسواق الغاز، أظهرت "يونيبر" التي أُنشئت قبل ستة أعوام لإدارة أصول الوقود الأحفوري المتقادمة، علامات متزايدة على وجود ضغوط مالية، ما زاد من احتمالات اضطرار حكومة المستشار أولاف شولتس والشركة الأم "فورتيم" (Fortum Oyj) لتزويد الشركة ومقرها دوسلدورف بأموال أكثر.

الضربة الأخيرة

جاءت الضربة الأخيرة في بداية هذا الشهر عندما خفضت وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز غلوبال" تصنيف "يونيبر" إلى أدنى درجة استثمارية، مع نظرة مستقبلية "سلبية". كانت شركة الطاقة قد حذرت بالفعل من أن هذا الإجراء قد يدفع المقرضين لتقييد الوصول إلى الائتمان والأقران لطلب ضمانات إضافية لدعم الصفقات.

قال الرئيس التنفيذي كلاوس ديتر موباتش في الاجتماع العام السنوي للشركة في 18 مايو: "هذه الحرب الناشبة في أوروبا تُعد نقطة تحول بالنسبة ليونيبر أيضاً، لا أحد بإمكانه توقع كيفية تطور الوضع في الأسابيع والأشهر المقبلة".

بدت شركة المرافق، التي يُعد اسمها مزيج من "فريد" و"أداء"، وكأنها أضعف حلقة في الشبكة الكهربائية التي تُشغل أكبر اقتصاد في أوروبا. فإذا أثارت التوترات الناشبة مع موسكو مزيداً من الضغوط على إمدادات الغاز، فإن "يونيبر" ستعاني وستؤثر أصداء الأزمة على الشركات الصناعية والمرافق المحلية التي تمدها بالطاقة.

التخلص من التبعية

تجسد شركة "يونيبر" علاقة ألمانيا الوطيدة بروسيا بشأن الطاقة، وهي قضية فشلت برلين في ملاحظتها لحين توجه الدبابات صوب كييف قبل ثلاثة أشهر. تحاول حكومة شولتس الآن التخلص من عقود من التبعية عبر خطط تستهدف التخلص تدريجياً من واردات الفحم والنفط الروسية بحلول نهاية العام. رغم أن شؤون الغاز أكثر تعقيداً، فإن "يونيبر" تُعد محور هذا الاعتماد.

إمدادات الطاقة.. أكبر مخاطر ألمانيا من الأزمة الأوكرانية

تتعلق مشاكل الشركة بإنشائها في عام 2016، ففي ظل بدء ألمانيا التحول تدريجياً نحو طاقة الرياح والطاقة الشمسية، لم تعد محطات توليد الطاقة الكهربائية بحرق الفحم والغاز رائجة. من هذا المنطلق، فصلت شركة "إي أون" (EON SE) هذه العمليات التقليدية وأسست "يونيبر"، حتى تكرس جهودها في الطاقة المتجددة.

كانت مهمة "يونيبر" تتلخص في استغلال هذه المرافق حتى نهاية عصر الوقود الأحفوري، وبالتالي لم تتحفز لفعل أي شيء آخر خلاف السعي وراء الطاقة الأرخص المتاحة.

ألمانيا قد تمدد استخدام الفحم لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي

واصلت الشركة ترسيخ الروابط مع روسيا من خلال عقود توريد ضخمة والاستثمار في خط الغاز المثير للجدل "نورد ستريم 2" التابع لشركة "غازبروم"، الذي كان سيتخطى أوكرانيا لإرسال الغاز الروسي مباشرة إلى ألمانيا إذا لم يتم إيقاف عملية التصديق على خط الغاز وسط التوترات بشأن أوكرانيا. اشترت "يونيبر" الفحم من موسكو، كما أن مشترياتها من الغاز كانت تزيد 13 مرة عن منافستها الألمانية الأكبر "آر دبليو إي" (RWE AG) قبل الغزو الروسي.

قال باتريسيو ألفاريز، المحلل لدى "بلومبرغ إنتليجنس"، إن "يونيبر تواجه مشكلات حقيقية حالياً.. فهي مُعرَّضة بشدة لتهديدات روسيا بإغلاق الصنابير".

دعم حكومي

ليس بمقدور ألمانيا السماح لشركة "يونيبر" بالتعثر. لقد أرسلت البلاد هذه الإشارة بالفعل في يناير عندما قدم بنك التنمية الحكومي "كيه إف دبليو" (KFW) قروضاً للشركة بقيمة 2 مليار يورو (2.1 مليار دولار) للمساعدة في تغطية الهامش، وسط ارتفاع أسعار الغاز، حتى قبل نشوب حرب أوكرانيا.

منذ ذلك الحين، تراجع بالفعل نقل الغاز عبر أوكرانيا بعد خروج نقطة استقبال مهمة من الخدمة وسط المعركة. كذلك، حدت روسيا، التي أوقفت إمدادات الغاز إلى بولندا وبلغاريا وفنلندا، من تدفقات الغاز المنقول إلى ألمانيا رداً على استيلاء برلين على وحدات محلية تتبع "غازبروم".

رغم أن هذا الانخفاض لم يؤثر كثيراً على الإمدادات المتجهة إلى أوروبا، إلا أنها تزعج أسواق الطاقة، فضلاً عن أن التقلبات تثير توتر نظراء "يونيبر" التجاريين، حيث سيتعين على الشركة سد أي عجز في ظل ارتفاع الأسعار.

قال سام آري، رئيس أبحاث المرافق الأوروبية لدى بنك "يو بي إس": "السوق كانت قلقة من أنه إذا توقف توريد الغاز الروسي إلى غرب أوروبا، لأي سبب كان، فإن يونيبر ستستمر في المعاناة من مأزق لتوصيل هذا الغاز إلى عملائها".

تفاقم الاضطرابات

تفاقمت الاضطرابات في "يونيبر" بسبب وحدتها "يونيبرو" (Unipro)، التي تدير خمس محطات طاقة في روسيا واستحوذت على نحو خُمس أرباح الشركة خلال العام الماضي. كانت العقوبات، التي تحول دون الوصول لتلك الأرباح، والضغوط الدولية سبباً في استئناف الشركة لعملية بيع الوحدة.

قال أندرو مولدر، كبير محللي المرافق الأوروبية بشركة "كريدت سايتس" (CreditSights): "حتى لو وجدت يونيبرو مشترياً لأعمالها الروسية، فليس من الواضح كيف ومتى ستنقل الأموال خارج روسيا، تباين مدفوعات الهامش في تحوطات الطاقة يفرض ضغوطاً أيضاً على سيولة الشركة".

قالت وكالة "ستاندرد آند بورز" إن متطلبات الهامش الصافي لـ"يونيبر" بلغت 4.5 مليار يورو في نهاية مارس، وستظل السيولة تمثل تحدياً بالنسبة للشركة. كذلك، قالت الشركة إن مناقشاتها مع نظرائها بشأن الضمانات الإضافية ستحدد حالة السيولة لديها.

تراجع سهم "يونيبرو" بنسبة 27% منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، وكذلك سهم "فورتيم" بنسبة 15%، وسهم الشركة الأم السابقة "إي أون" بنسبة 19%، بينما ارتفع سهم "آر دبليو إي" بالفعل بنسبة 8%. وخسرت السندات الصادرة عن "فورتيم" والمستحقة في 2029 ما نسبته 12% من قيمتها خلال تلك الفترة وتم تسعيرها بحوالي 89 سنت يورو يوم الجمعة، وهي قيمة تندرج عادةً ضمن منطقة الإجهاد.

حصص رئيسية

تمتلك شركة "فورتيم" حصة قدرها 75% تقريباً في شركة "يونيبر". كما تمتلك الحكومة الفنلندية بدورها 50.8% في "فورتيم" ولا يمكنها خفض حصتها إلى أقل من 50.1% دون موافقة برلمانية، وهذا يعني أنها ستضطر لشراء أسهم عند تداول حقوق الأولوية والاكتتاب في الأسهم الجديدة، لكن قروض الدولة قد تكون أسهل، إذا كانت هناك حاجة لتدفق رؤوس المال.

هذا ليس هو الحال الآن. ففي نهاية مارس، حصلت "فورتيم" -التي قدمت ائتماناً قيمته 8 مليار يورو لشركتها الفرعية في ديسمبر- على تمويل غير مسحوب قيمته 5.9 مليار يورو، بجانب وجود سيولة قدرها 6.4 مليار يورو. رغم أن هذا يشكل دعماً كبيراً، فإن "يونيبر" كان لديها تدفق نقدي سلبي يبلغ نحو 1.9 مليار يورو في الربع الأول وسيولة بنحو 3.8 مليار يورو في نهاية مارس.

بصرف النظر عن "فورتيم"، فإن ألمانيا ستواجه مخاطر كثيرة إذا سمحت بفشل "يونيبر"، التي بجانب قوتها السوقية، تلعب دوراً رئيسياً في مساعدة الحكومة على إنشاء البنية التحتية لاستيراد الغاز الطبيعي المسال لتعويض عمليات التسليم الروسية عبر خطوط الأنابيب.

تواصل مع الحكومة

رداً على أسئلة "بلومبرغ" المتعلقة بما إذا كانت "يونيبر" تسعى لمساعدة مالية إضافية، قال متحدث باسم الشركة إن "هناك تواصل وتوافق جيد وراسخ مع الحكومة الألمانية". وباعتبارها أكبر شركة لاستيراد الغاز وتخزينه في البلاد، فإن "يونيبر" تُعد "ذات أهمية بالغة بالنسبة لإمدادات الطاقة الألمانية المستقبلية".

تقول "يونيبر" إنها أكثر قوة مالياً مما كانت عليه في ديسمبر، ويعود ذلك جزئياً إلى التمويل الإضافي من قروض "كيه إف دبليو" و "فورتيم". يعد التصنيف الائتماني المنخفض مألوفاً حيث بدأت "يونيبر" رحلتها عند المستوى ذاته وحافظت على التصنيف حتى عام 2018.

كذلك، تسنُّ الحكومة الألمانية تشريعات للسماح لشركات الغاز بإعادة ضبط الأسعار للعملاء في حال إمدادات الطوارئ، مما قد يمنح "يونيبر" صمام تحرير الضغط.

قالت تينا توميلا، المديرة المالية في "يونيبر": "سنواصل السعي والالتزام باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة في حدود سلطاتنا لحماية تصنيف الدرجة الاستثمارية الخاص بنا".

تصنيفات

قصص قد تهمك