بلومبرغ
يؤرق قلق متزايد مضجع أوروبا، بسبب الخوف من نفاد الديزل لديها عقب غزو روسيا لأوكرانيا، ولا عجب في ذلك نظراً لاستيراد القارة تقليدياً لـ20% تقريباً من احتياجاتها من موسكو.
تتحاشى شركات النفط الأوروبية الإمدادات الروسية مع دخول القتال شهره الثاني، وبدلاً من ذلك؛ تسعى لتأمين شحنات من مناطق أبعد بكثير مثل: الشرق الأوسط، وآسيا، والولايات المتحدة.
كما تحد شركات النفط الكبرى بما فيها: "شل"، و"بريتش بتروليوم"، و"توتال إنرجيز" من شحنات الوقود في ألمانيا بالفعل.
بسبب حذرهم مما سيحدث في المستقبل المنظور؛ يدفع المتداولون علاوات كبيرة لاقتناص الإمدادات الموجودة الآن بدلاً من الانتظار.
وحذّرت بعض الشركات، بما فيها مجموعة "ترافيغورا" (Trafigura)، من أنَّ بعض المواقع قد تجف لديها التدفقات.
ويعكس ذلك أصداء التكهنات الوخيمة الصادرة عن بعض السياسيين في موسكو بأنَّ أوروبا قد تواجه أزمات نقص حادة. لدرجة أنَّ هناك بعض الحديث عن إمكانية فرض حظر تام على الشراء.
للتعرف على مدى احتدام المشكلة حقاً، ومدى سرعة نفاد المخزون؛ نُلقي نظرة
في الآتي على بعض الأرقام الكامنة وراء ذلك.
وتيرة نفاد المخزونات
كان هناك 247.4 مليون برميل من النواتج المقطرة الوسيطة –وهي فئة الوقود التي يعتبر الديزل إلى حد بعيد أكبر مكوّن فيها- مُخزنة في الدول الأوروبية نهاية يناير المنصرم، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة.
يكفي هذا لتلبية 40 يوماً تقريباً من الطلب، حتى لو لم تنتج القارة أو تستورد برميلاً إضافياً واحداً من الوقود.
ستواصل الدول الأوروبية إنتاج واستيراد الديزل من الوجهات التقليدية الأخرى للقارة بمنأى عن روسيا. وستعتمد سرعة وتيرة نفاد مخزون منطقة أو دولة بعينها على نجاحها في استبدال المخزونات التي تأتي حالياً من روسيا.
توزيع غير متكافئ
مع ذلك؛ فهذه المخزونات غير موزعة بالتساوي، وستظهر الضغوط بصورة أقرب في بعض المناطق مقارنة بما سواها. ففي حين تحظى فنلندا والدنمارك بمخزونات كافية لدى الجهات الخاصة، وتلك التي تسيطر عليها الحكومة، مما يسمح لها باستمرار عمل القطاع الصناعي لأكثر من 6 أشهر؛ إلا أنَّ مخزونات المملكة المتحدة والنرويج لا تكفي لأكثر من 30 يوماً.
قبل الجائحة، اعتمدت المملكة المتحدة على الواردات لتلبية نصف الطلب لديها تقريباً من النواتج المقطرة الوسيطة، وثلث تلك الإمدادات كان يأتي من روسيا، وفقاً لبيانات "يوروستات".
وإذا أرادت الدولة تجنّب تآكل المخزونات، ستضطر للعثور على مصادر بديلة تؤمن لها 100 ألف برميل تقريباً من الديزل يومياً، بالإضافة إلى ناقلة متوسطة الحجم تسبح في المحيط أسبوعياً.
لكنَّ المملكة المتحدة قد يكون وضعها أفضل نسبياً بطرق أخرى، إذ تعتمد الدولة تقليدياً في وارداتها على مجموعة متنوعة من المورّدين، سواء كان ذلك للنفط الخام أو الديزل.
الروابط مع موسكو
ستكون الدول، أو حتى المناطق داخل الدول، التي تعتمد تقليدياً على مورّدين آخرين بخلاف روسيا –سواء كان ذلك للنفط الخام، أو للنواتج المقطرة، أو لوقود الديزل- في وضع أفضل بكثير ممن يحظون بروابط وثيقة مع موسكو.
أبرز مثال على ذلك ألمانيا، وهي أكبر دولة مستهلكة للديزل في أوروبا، إذ يرتبط الجزء الجنوبي من البلاد مع البحر المتوسط عبر خطوط أنابيب النفط الممتدة من مرسيليا في فرنسا وتريستا في إيطاليا، وتوفر الإمدادات للمصافي في مدينة كارلسروه، وبلدة فوبورغ القريبة من إنغولشتات، وبورغهاوزن. نتيجة لذلك؛ يزداد اعتمادها نسبياً على التدفقات الروسية.
على المنوال نفسه، يرتبط الجزء الغربي من الدولة مع الموانئ في روتردام وفيلهلمسهافن، مما يؤمنه من تأثير أي عقوبات دولية أو "ذاتية" فُرضت على موسكو خلال الأسابيع القليلة الماضية. مع ذلك؛ فالاعتماد على الديزل الروسي يجعله في موقف ضعف.
لكن على العكس من ذلك، فالجزء الشرقي من البلاد، حيث تعالج المصافي النفط الخام الروسي غالباً، سيواجه أكبر ضغط إذا توقف تدفق هذا النفط.
تضاؤل الموارد
تُوزع مخزونات الطوارئ في ألمانيا على أراضي الجمهورية الاتحادية بطريقة تتيح 15 يوماً على الأقل من التدفقات التي يمكن الوصول إليها فوراً في كل منطقة من مناطق الإمداد الخمس المحددة، وفقاً للرابطة الألمانية لمخزون البترول، المعروفة اختصاراً باسم "إي في بي" (EBV).
قالت الرابطة في تقريرها السنوي الأخير، إنَّ المناطق الخمس "تتوافق بشكل أساسي مع البيئة اللوجستية لمراكز التكرير".
هذه المخزونات قد تتضاءل بوتيرة أسرع بكثير في شرق ألمانيا مما هو عليه الحال في الجنوب، كما ستعتمد قدرة المنطقة على التكيف إلى حد كبير وفقاً لمدى سهولة نقل مخزونات الدولة عبر جميع أنحاء البلاء.
الأمر نفسه ينطبق على مناطق أخرى من القارة؛ فالاعتماد الكبير على النفط الخام الروسي سيجعل المصافي في جمهورية التشيك، وبولندا، وسلوفاكيا، والمجر ضعيفة نسبياً أمام أي انقطاعات في الإمدادات، أو قيود على المشتريات. وقد يتسبّب ذلك في رد فعل تسلسلي سريع على تدفقات الديزل.
ضربة قاصمة
يوجد بالفعل اضطرابات في الإمدادات لدى تجار الجملة ببعض أجزاء ألمانيا. وسيتعاقب المزيد منها إذا تعذر نقل المنتجات إلى الأماكن التي تحتاجها. كما ستعتمد حركة نقل هذه المنتجات -بقدر الإمكان- على الشاحنات والقطارات والبوارج.
يمكن للأسعار أيضاً أن تلعب دوراً كبيراً قبل فترة طويلة من حدوث نقص في المواد الخام، وترتفع إلى مستويات تدمّر الطلب.
لكنَّ أي نقص ملحوظ في الوقود بمحطات التعبئة سيكون بمثابة ضربة قاصمة ليس للسائقين فقط؛ وإنما سيدمّر اقتصادياً أيضاً عدة قطاعات، مثل: اللوجستيات، والبناء، والزراعة، والتي تعتمد بشكل كبير على الديزل.