شوهت سمعة خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" الذي يربط روسيا بألمانيا تحت بحر البلطيق في الولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا، باعتباره مؤامرة روسية لإيقاع مشتري الغاز الأوروبيين، لكنه ليس كذلك، بل هو الرابط الأخير في مشروع مدته 30 عاماً لتحويل صادرات النفط والغاز الروسية بعيداً عن طرق العبور عبر الجيران في الاتحاد السوفيتي سابقاً، من منظور روسي، هذا هدف منطقي تماماً، وإذا كنت لا تعتقد ذلك، ما عليك سوى سؤال الكنديين عن خط أنابيب "كيستون إكس إل".
اقرأ أيضاً: روسيا ترهن ضخ الغاز إلى أوروبا بالموافقة على تشغيل "نورد ستريم 2"
منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، واجهت روسيا مشكلة الاعتماد على خطوط الأنابيب التي تمر عبر البلدان التي أصبحت فجأة مستقلة، وليست صديقة بالضرورة، لنقل كل نفطها وغازها تقريباً إلى الأسواق الدولية.
نقل النفط
لم تتمكن الدولة حتى من نقل النفط الخام إلى ميناء نوفوروسيسك الرئيسي على البحر الأسود دون أن يمر عبر زاوية من أوكرانيا، بينما كان منفذها الرئيسي على بحر البلطيق في لاتفيا، وكان على شحنات الغاز المتجهة إلى أوروبا الغربية أن تعبر واحدة أو أكثر من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق مثل بيلاروسيا وأوكرانيا ومولدوفا، ثم كان عليها المرور عبر واحدة على الأقل من الدول التابعة السابقة، وهي بولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا ورومانيا وبلغاريا.
كانت علاقات موسكو بكل هذه الدول تتغير، وليس للأفضل من وجهة نظر روسيا.
طالع المزيد: "نورد ستريم 2" قد لا يكون جاهزاً لشتاء الاتحاد الأوروبي
بدأت موسكو سلسلة من المشاريع لخفض اعتمادها على دول الاتحاد السوفيتي السابق لعبور صادرات النفط والغاز، وبنت محطات جديدة لتصدير النفط على ساحل بحر البلطيق، وبمجرد انتهاء محطة منها - في بريمورسك - تضاءلت تدفقات الصادرات عبر الموانئ في لاتفيا وليتوانيا وبولندا إلى لا شيء، وأصبحت جميع شحنات النفط الروسية المتزايدة إلى الخارج تُرسل في نهاية المطاف عبر الموانئ الروسية.
حدث الشيء نفسه في الجنوب، إذ توقفت تدفقات النفط الخام عبر المحطات الأوكرانية في أوديسا وبيفدين المجاورة في نهاية عام 2010.
نهج مماثل
اتبعت روسيا نهجاً مماثلاً مع الغاز، وبنت خطوط أنابيب تصدير كبيرة جديدة لربط روسيا مباشرة بالعملاء الرئيسيين - تركيا أولاً ثم ألمانيا - وقلل خط أنابيب "بلو ستريم" الواقع تحت البحر الأسود من اعتماد روسيا على العبور عبر أوكرانيا لتوصيل الغاز إلى تركيا، بينما قلل "نورد ستريم" دور بيلاروسيا وبولندا في توصيل الغاز الروسي إلى ألمانيا والمشترين الآخرين في أوروبا الغربية.
تلى هذه الطرق لاحقاً خط "ترك ستريم"، والآن "نورد ستريم 2". سياسة روسيا ليست مفاجئة وليست فريدة من نوعها.
تاريخ خطوط أنابيب النقل ليس سعيداً، وتشمل قائمة تلك الخطوط التي لم تعد صالحة للاستخدام خط الأنابيب العراقي السعودي "IPSA"، الذي يربط حقول النفط في جنوب العراق بخط أنابيب شرق/غرب السعودية، وكذلك خط أنابيب التابلاين الخاص بالمملكة، والذي كان ينقل نفطها الخام إلى محطة تصدير على الساحل اللبناني.
كومة من الخردة
تم اقتراح البعض الآخر وتخطيطه وحتى بنائه جزئياً، فقط لينتهي به الأمر بمثابة كومة من الخردة، واستمرت مناقشات إنشاء خط أنابيب "تابي" (TAPI)، الذي يهدف إلى نقل الغاز من تركمانستان عبر أفغانستان وباكستان إلى الهند، لمدة 25 عاماً على الأقل، ولكن يبدو أن بناءه الآن أقل ترجيحاً مما كان عليه في 1996.
يقدم مصير خط أنابيب "كيستون إكس إل"، الذي كان يهدف إلى توصيل الخام الكندي إلى المصافي ومحطات التصدير في الولايات المتحدة، تحذيراً لكل من يفكر في الاعتماد على دولة مجاورة لنقل الهيدروكربونات الخاصة به إلى السوق.
حتى أن خطوط أنابيب النقل التي صمدت وازدهرت لم تخدم في كثير من الأحيان أصحابها الأصليين كما كان مخططاً.
استخدمت روسيا نفوذها كدولة عبور لتغيير الهياكل الإدارية والضريبية لخط الأنابيب الكازاخستاني "سي بي سي" (CPC) لصالحها، وقامت تركيا بالمثل باعتبارها مستضيفة لأنابيب النفط والغاز من العراق وأذربيجان، إذ فرضت رسوم عبور أعلى وسيطرة أكبر.
لا عجب إذن في أن روسيا سعت لإنهاء اعتمادها على خطوط نقل مشابهة.
غازبروم
لدى الشركة الروسية محتكرة تصدير الغاز، "غازبروم"، صفقة لمواصلة شحن غازها عبر أوكرانيا، لكنها تستمر فقط حتى عام 2024، وسيحل "نورد ستريم 2" قريباً، ولن يكون مكملاً، لخطوط تدفق الغاز الحالية عبر بيلاروسيا وبولندا وأوكرانيا، واضعاً أخيراً حداً لاعتماد روسيا على دول الاتحاد السوفياتي السابق والدول التابعة لنقل النفط والغاز إلى أسواق التصدير الغربية.