بلومبرغ
تشهد المملكة المتحدة ارتفاع أعداد المصابين المدرجة أسمائهم على قوائم الانتظار في المستشفيات، كما تعاني معظم الصيدليات في البلاد نقصاً في الأدوية، بينما يعتزم قطاع التمريض تنظيم إضراب وطني لأول مرة في تاريخه، لينضم إليه سائقو سيارات الإسعاف خلال الأسبوع المقبل – مع التخطيط للإضرابات يوم الأربعاء.
تبدو هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة أكثر ضعفاً وهشاشةً من بعض المرضى، حيث تجد الهيئة أن عواقب تفشي جائحة كورونا أكثر صعوبة.
وحتى قبل أن يعتزم قطاع التمريض الإضراب، يوم الخميس، بعد أن باء الاتفاق حول إقرار أجور جديدة بالفشل، خضع نظام الرعاية الصحية الممولة من القطاع العام في بريطانيا لضغط حاد، حيث ينتظر أكثر من 7 ملايين شخص الخضوع لعمليات روتينية، بينما يشهد القطاع استقالة الموظفين بمعدلات قياسية.
أزمة حادة
تواجه حكومة ريشي سوناك تصعيد الممرضين لإجراءاتهم خلال العام الجديد في حال عدم انضمام الوزراء إلى المحادثات المقرر عقدها مع النقابات هذا الأسبوع. من جهته، أكّد وزير مكتب مجلس الوزراء الحالي أوليفر دودن لـ"بي بي سي"، يوم الأحد، على "عزم الحكومة وتصميمها"، معتبراً أنه "من عدم المسؤولية السماح لأجور القطاع العام والتضخم بالخروج عن السيطرة". كما اتهم وزير الصحة ستيف باركلي النقابات التي تمثل عمال الإسعاف بأنها "أقل تعاوناً في المفاوضات" وفقاً لما كتبه في مقال صارم لصحيفة "ميل أون صنداي" (Mail on Sunday).
"تشهد هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة أكبر أزمة في تاريخها"، بحسب ويس ستريتينج، النائب العمالي المعارض ووكيل وزير الصحة. مُضيفاً: "يصعب على المواطنين أخذ موعد لرؤية طبيب عام أو إجراء عملية عندما يحتاجون إليها. وفي حالات الطوارئ، ليس هناك ما يضمن وصول سيارة إسعاف في الوقت المحدد، هذا إذا وصلت".
تعتبر هيئة الخدمات الصحية الوطنية أكبر صاحب عمل في بريطانيا، حيث تبلغ القوة العاملة فيها 1.4 مليون وتبلغ ميزانيتها السنوية 180 مليار جنيه إسترليني. غالباً ما تُعتبر نموذجاً، حيث تقدم هذه الهيئة رعاية شاملة مع ضمان نتائج جيدة بتكلفة أقل مقارنةً بالأنظمة الصحية الأخرى في جميع أنحاء العالم.
مع ذلك، بعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات على تفشي الوباء، يعاني موظفو هذه الهيئة من الإرهاق، كما امتلأت أقسام الحوادث والطوارئ في المستشفيات لدرجة أن بعض المرضى ينتظرون لأكثر من 12 ساعة لرؤية الطبيب. في الوقت نفسه، استقال أكثر من 40 ألف موظف في الهيئة من الخدمة في إنجلترا خلال الأشهر الـ 12 السابقة حتى نهاية يونيو من هذا العام.
"من الصعب التفكير في وقت تخضع فيه الهيئة لهذا القدر من الضغط المستمر"، وفقاً لما قالته سالي وارين، مديرة السياسة في "كينغز فند" (King's Fund)، وهي مؤسسة فكرية مستقلة تقدم المشورة بشأن سياسة الرعاية الصحية. مُضيفةً: "من الطبيعي أن نشهد زيادات حادة في مرض معين يتوجب على الهيئة مواجهته، لكن هذا الارتفاع الحاد في أعداد الإصابات جاء على قمة مجموعة طويلة من السلالات التي عانى منها هذا النظام".
انتشار العدوى
كان مسؤولو الصحة حذروا من زيادة محتملة في حالات الإصابة بالإنفلونزا هذا الشتاء، لكن الارتفاع الأخير في حوادث عدوى "بكتيريا المكورات العنقودية أ"، خاصة بين الأطفال، هو الذي أثار مشكلة أكثر إلحاحاً لهيئة الخدمات الصحية الوطنية وحكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك.
كشفت البروفيسورة سوزان هوبكنز، كبيرة المستشارين الطبيين لوكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة، المسؤولة عن الصحة العامة، يوم الأربعاء، أن استخدام دواء "البنسلين"، المستخدم لعلاج "بكتيريا المكورات العنقودية أ" ارتفع بحوالي خمسة أضعاف، مقارنةً بالأسابيع الثلاثة الماضية. وأثارت تعليقاتها قلق المرضى بشأن النقص الحاد في الأدوية.
في غضون 24 ساعة اضطرت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات للسماح للصيادلة بتوفير أدوية بديلة عن "البنسلين"، حيث أودت هذه البكتيريا بحياة 74 شخصاً في المملكة المتحدة حتى الآن هذا العام، من بينهم 19 طفلاً، كما أبلغ الآباء عن اضطرارهم إلى اللجوء لعدد من الصيدليات سعياً للحصول على الأدوية اللازمة لعلاج أطفالهم المصابين.
يجادل النقاد بأن سنوات مستمرة من نقص التمويل، التي تفاقمت بسبب تفشي الوباء، تسببت بهذه الأزمة الصحية. ففي بيانه الخريفي، التزم جيريمي هانت، مستشار الخزانة، بتخصيص مبلغ إضافي قدره 3.3 مليار جنيه إسترليني لدعم ميزانية الهيئة في كل من العامين المقبلين. وأضاف أن نقص القوى العاملة كان أحد أكبر التحديات التي تواجه الهيئة.
يعتقد عدد من الممرضين والممرضات أنه لم يكن أمامهن خيار سوى الإضراب، حيث يتقاضى العاملون في الهيئة، والمؤهلون حديثاً حوالي 27,055 جنيهاً إسترلينياً (أي ما يعادل 32,866 دولاراً) مع دفع 32,466 جنيهاً إسترلينياً لمن يعيشون في وسط لندن، ما يجعل الكثير منهم غير قادر على دفع فواتيره حتى قبل تأثير مستويات التضخم المتزايد هذا العام.
توصلت دراسة استقصائية أجرتها "لندن إيكونوميكس" (London Economics) لقادة الهيئة للكلية الملكية للتمريض، أن 99% منهم عبروا عن قلقهم بشأن تأثير تكلفة المعيشة على الصحة العقلية للموظفين، حيث أبلغ أكثر من 40% منهم عن تأثير كبير أو شديد على الموظفين الذين كانوا يناضلون من أجل تحمل تكاليف تناول وجبات الطعام أثناء المناوبة.
وقالت ماري سميث، وهي ممرضة ستنضم إلى الاضراب خارج مستشفى سانت توماس في لندن يوم الخميس: "لم أفكر يوماً أنني سأكون غنية، لكنني لم أعتقد أبداً أنني سأضطر إلى الإضراب عن العمل لمجرد الحصول على أجر عادل يكفيني".
وأضافت الشابة البالغة من العمر 26 عاماً أن أزمة التوظيف جعلت الأمر غير آمن للمرضى "على مدار السنة".
ضرورة اتخاذ إجراءات
تطالب الكلية الملكية للتمريض باتخاذ إجراءات بشأن سلامة المرضى وزيادة رواتب أعضائها بنسبة 19% أعلى من معدلات التضخم.
من جهته، أشار مارك فارمر، المدير الإقليمي للكلية، إلى أن تكلفة النقل والإقامة التي يصعب تكبدها هي أكبر مشكلة تواجه قطاع التمريض في لندن. وقال: "نشهد أعداداً متزايدة من الموظفين الذين يتركون مهنهم ويغادرون لندن لأن الراتب لم يعد يكفيهم".
ومن المقرر تنظيم إضرابات جديدة لنقابات التمريض، الثلاثاء، حيث سيبدأ عمال الإسعاف بالإضراب في اليوم التالي، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى زيادة مدة الانتظار للعلاج في المستشفى.
حذرت الهيئة من أن الإضرابات لتسعة من أصل 10 سيارات إسعاف ستؤدي إلى "اضطراب واسع النطاق"، حسبما ذكرت صحيفة "ديلي ميل" (Daily Mail). وطلبت من المستشفيات إفراغ الأسرّة وضمان قيام سيارات الإسعاف بتسليم المرضى في غضون 15 دقيقة سعياً للوصول إلى المزيد من مكالمات الطوارئ، وفقاً للتقرير، كما طُلب من المستشفيات إعطاء الأولوية لتشخيص السرطان وعلاجه.
قوبل إضراب الممرضات بموجة من الدعم الشعبي، كما كتب لاعب كرة القدم غاري لينيكر على تويتر "لقد اهتموا بنا في وقت الحاجة. نأمل أن نهتم بهم عند حاجتهم ". يجادل البعض بأن الهيئة تحتاج الآن إلى نفس المستوى من الرعاية.