بلومبرغ
عادة ما تعج منطقة شيني الراقية في تايبيه حاضرة تايوان، بمتسوقين يجولون في متاجر يفتح أحدها على الآخر كما المتاهة، وصفوف انتظار طويلة أمام المطاعم الشهيرة، وأسر تشتري الفشار قبل مشاهدة فيلم.
والآن أصبحت المنطقة التي تعرف محليا باسم "المنطقة الذهبية" للعاصمة خاوية بقدر كبير حتى في نهايات الأسبوع المشمسة، وهو تناقض جليّ مع المدن الرئيسية حول العالم التي بدأت تعيد الفتح، كما أنها صفعة لقطاعي التجزئة والمطاعم اللذين يوظفان 20% من قوة العمل في الاقتصاد التايواني.
وأغلق مطعم كانغ يوان (Kang Yuan)، وهو مطعم كانتوني تقليدي يتردد عليه النواب التايوانيون، أبوابه في وقت سابق من الشهر الجاري بعد عقدين من النشاط.
قال تساي تسونغ لونغ، المدير العام لشركة "هونغ تشانغ" (Hong Chang)، التي تمتلك عديداً من المطاعم بما فيها "كانغ يوان": "لقد فقدت المطاعم الصينية من أمثالنا 90% من الإيرادات بسبب الوباء. وتغلق المطاعم أبوابها لأنها يئست، فلو كان الوضع يبدو أنه قد يتغير، لصمد المالكون شهرين أو ثلاثة، لكنهم لا يرون أي أمل".
تلقت المطاعم والفنادق وقطاع التجزئة الضربة الأكبر من تفشي فيروس كوفيد في تايوان، وقال ليو تشينغ يو، اقتصادي لدى "فيرست كابيتال ماندجمنت" (First Capital Management)، في مقابلة عبر الهاتف، إن المطاعم التي تقدم وجبات في صالاتها خسرت حوالي 70% من إيراداتها، بينما شهدت المتاجر الكبرى انخفاضا في المبيعات بنحو 60%. كما لن ترى معظم المطاعم والمتاجر مبيعاتها تتعافى إلى حوالي نصف مستويات ما قبل الوباء حتى ترفع الحكومة قيودها بالكامل، ومن المقرر حاليا سريان ما يسمى بإنذار من المستوى 3 حتى 26 يوليو وقد يُمدد.
اقتصاد ذو سرعتين
لم ينعكس هذا الركود في الأرقام الاقتصادية الرئيسية في تايوان، حيث يُتوقع أن يشهد الاقتصاد عاماً قوياً آخر نتيجة دفع الطلب الدولي القوي على أشباه الموصلات والمكونات الإلكترونية للصادرات لتصل إلى أعلى مستوى شهدته في شهرين على الإطلاق وذلك في مايو ويونيو، ويشير مؤشر حكومي للبيانات المستقبلية إلى أن الاقتصاد يزدهر كما لم يحدث منذ الثمانينيات.
نجت تايوان من أسوأ فترة لوباء كوفيد 19 طيلة 2020 وخلال الأشهر القليلة الأولى من العام الجاري إذ تمكنت من الإبقاء على الفيروس بعيداً عن أراضيها، ما سمح للحياة بالاستمرار كالمعتاد إلى حد كبير، لكن تغير كل ذلك أواخر أبريل عندما غافل الفيروس ضوابط الحجر الصحي على الحدود لينتشر سريعاً، ومنذ بداية مايو، أبلغت مراكز مكافحة الأمراض عن حوالي 13 ألف إصابة وأكثر من 700 وفاة.
استجابة لذلك، طبق وزير الصحة، تشين شيه تشونغ، إغلاقا مرناً أقفل المدارس والحانات وأماكن الترفيه، مثل الصالات الرياضية ودور السينما ودور الكاريوكي، وسمح للمطاعم فقط بخدمة عملاء الطلبات الخارجية. كما حظر التجمعات التي تضم أكثر من خمسة أشخاص في الأماكن المغلقة.
تقدم الحكومة في الشطر الأخر من برنامج الإغاثة من كوفيد، إعانة لمرة واحدة بقيمة 40 ألف دولار تايواني (1430 دولارا أمريكيا) لكل موظف في الشركات التي فقدت أكثر من نصف إيراداتها، كما يقدم البنك المركزي قروضاً منخفضة الفائدة للشركات المتوسطة والصغيرة لمساعدتها على كبح خسائرها.
تغلق المطاعم أبوابها لأنها يئست، فلو كان الوضع يبدو أنه قد يتغير، لصمد المالكون شهرين أو ثلاثة، لكنهم لا يرون أي أمل
سوء تقدير
يقول جيري تشيو، المدير التنفيذي لشركة "كاجوال ريستورانتس" (Casual Restaurants)، التي تدير امتيازات "تي جي آي فرايدايز" و"تكساس رودهاوس" في تايوان وهونغ كونغ، إن الحكومة قللت من تقدير التأثير المالي على الشركات ولا تقدم سوى القليل جدا من الدعم.
وقال في مكالمة فيديو: "الأعمال التجارية في تايوان تعاني بالفعل، ويبدو أن تشين شيه تشونغ لا يعرف شيئا عن ذلك. كنت غاضباً جداً لدى مشاهدة موجز مركز مكافحة الأمراض منذ بضعة أيام. لا يصل دعم الحكومة إلى المطاعم، وهذا هو السبب في أنها يائسة وتقرر إغلاق أبوابها".
وللصعوبات التي تواجهها الشركات تأثير غير مباشر على الأشخاص الذين تشغلهم، حيث فقد حوالي 50 ألف شخص وظائفهم في مايو مع ارتفاع معدل البطالة إلى أعلى مستوى له منذ 2013، وفق بيانات رسمية. في تايوان، واحدٌ من كل خمسة موظفين يتعاطى مباشرة مع الزبائن في قطاعي الخدمات والتجزئة. هذا دفع الأسر الى خفض نفقاتها والبحث عن وظائف جزئية لتخفيف وطأة انخفاض الدخل غير المتوقعة.
يعد وانج تاي مينج، الذي كان يملك مطعم "بكين داك" (Peking duck) في مدينة تايبيه الجديدة ويطبخ فيه، واحداً من كثير من عمال المطاعم الذين أصبحوا بلا عمل. قال وانج: "بعد رحيل جميع العملاء، لا يمكنني دفع إيجار مطعمي"، ويعمل وانغ الآن كسائق لشركة "أوبر" لإعالة عائلته.
لا متنفس قريباً
قال توني فو، كبير الاقتصاديين في بنك "ستاندرد تشارترد"، في مقابلة عبر الهاتف: "ساهمت صناعة الخدمات بنحو نصف نمو الناتج المحلي الإجمالي لتايوان في النصف الأول من عام 2021. لكن الضرر الذي ألحقه الوباء بالاستهلاك الخاص سيؤدي إلى انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي من ما بين 7% و8% إلى 3% في النصف الثاني من العام".
على ما يبدو فإن الأمل في متنفس قريباً ضئيل. رفع مركز مكافحة الأمراض الحظر المفروض على تناول الطعام في المطاعم الأسبوع الماضي في محاولة لتخفيف معاناة القطاع، لكن جميع الحكومات المحلية التايوانية الا واحدة تخطته ومددت الحظر. وحتى عند رفع الحظر في نهاية المطاف، فإن عدم اليقين المستمر بشأن مدى أمان العودة إلى المطاعم، سيعني على الأرجح أن الناس لن يعودوا الى عاداتهم الغذائية القديمة سريعاً.
تقول دوريس هوانغ، التي كانت تتناول العشاء بانتظام مع أسرتها في المطاعم الى أن تفشى الوباء وباتت تطهو جميع الوجبات في منزلها ببلدة تامسوي الساحلية الشمالية: "لن آخذ عائلتي لتناول الطعام بالخارج حتى لو تم رفع القيود. لا أشعر بالأمان بعد، وأود الانتظار حتى يحصل جميع أفراد عائلتي على جرعة واحدة على الأقل من اللقاح".