تكثيف إنتاج النفط الصخري يتربص باستراتيجية التسعير في "أوبك"

التقديرات الجديدة لإنتاج الشركات في الولايات المتحدة تعادل إضافة "فنزويلا جديدة" إلى الإمدادات العالمية

time reading iconدقائق القراءة - 10
منصة حفر في تكوين \"باكين\" بنورث داكوتا، أميركا - المصدر: بلومبرغ
منصة حفر في تكوين "باكين" بنورث داكوتا، أميركا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بدأ الخصم التقليدي السابق لـ"أوبك" المتمثل في النفط الصخري الأميركي، يطل برأسه من جديد بعد أشهر قليلة من تجاهل هذا القطاع كتهديد لسيطرة المنظمة على أسواق النفط العالمية.

كثفت شركات الحفر، من حوض بيرميان في غرب تكساس إلى منطقة باكين شيل في نورث داكوتا، إنتاج النفط بما يتجاوز توقعات المحللين، مما دفع الإنتاج إلى مستوى قياسي، في الوقت الذي تُقلّص فيه "أوبك" وحلفاؤها الإمدادات في محاولة لكبح انخفاض الأسعار.

في مثل هذا الوقت من العام الماضي، أشارت توقعات الحكومة الأميركية إلى أن متوسط الإنتاج المحلي سيبلغ 12.5 مليون برميل يومياً خلال الربع الحالي. وفي الأيام الأخيرة، ارتفع هذا التقدير إلى 13.3 مليون برميل. وهذا الفرق في التقديرات يعادل إضافة "فنزويلا جديدة" إلى الإمدادات العالمية.

يتردد صدى هذه الزيادة في كل أنحاء العالم، مما يثير الشكوك حول استراتيجية تحالف "أوبك+" المتمثلة في خفض الإمدادات لمنع التأثيرات الكارثية المحتملة لتخمة المعروض على الأسعار. كما تلقي الزيادة بالضوء على أن الشركات العملاقة التي تضخ الإنتاج من حقول النفط الصخري في الولايات المتحدة، لا تزال تمارس ما يكفي من القوة لتعطيل جهود التحالف.

قال رايان دومان، المحلل في شركة "وود ماكنزي" خلال مقابلة: "من الواضح أن الولايات المتحدة لعبت دوراً كبيراً في السوق العالمية خلال عام 2023، بما في ذلك الضغط على (أوبك+) لتقليص إنتاجه".

منتجو النفط الصخري يواجهون شيخوخة الحقول بضخ الأموال

تحريض روسي

سعت منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، بتحريض من حليفتها روسيا، علانية إلى متابعة تأثير النفط الصخري في أميركا الشمالية في وقت مبكر من عام 2014، عندما غمرت المنظمة الأسواق العالمية بالنفط الخام في محاولة لاستعادة حصة السوق من قطاع النفط الأميركي الصاعد. أدت هذه الخطوة إلى تفاقم وفرة المعروض حينها، ودفعت أسعار النفط الخام إلى الانخفاض بنسبة 65%. وقد امتد التأثير السلبي 14 شهراً قبل أن تعاود الأسعار الصعود من أدنى مستوياتها.

أدى هذا الانهيار إلى هزة في اقتصاديات النفط الصخري بالولايات المتحدة، انتهت معها سنوات من النمو السريع في الإنتاج. وعلى الرغم من استئناف التوسع في نهاية المطاف، فإن جائحة كورونا قلبت الموازين في أوائل عام 2020. خرجت صناعة النفط الصخري من تلك الانتكاسة بتصميم على إعطاء الأولوية لإعادة الأموال النقدية إلى المستثمرين، بدلاً من السعي الحثيث نحو تكثيف الإنتاج.

بالتزامن مع ذلك، وفي السنوات التي تلت عمليات البيع في 2014-2016، عمل تحالف "أوبك+"، الذي صار معروفاً بهذا المسمى، على فرض حصص العرض بين الدول الأعضاء كجزء من استراتيجية أوسع لتحقيق التوازن بين العرض والطلب في الأسواق العالمية للمحافظة على أسعار قوية.

أسهم هذا الانضباط الذاتي في استقرار السوق خلال عام 2020، واستقرارها مجدداً خلال العام الجاري في مواجهة تباطؤ الطلب ووفرة المعروض من النفط. لكن التخفيضات الأخيرة التي أعلنها "أوبك+" في نهاية نوفمبر الماضي، لم تحل دون حدوث مزيد من الانخفاض في أسعار النفط. وفي الوقت ذاته، ارتفع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الإنتاج في أماكن أخرى مثل البرازيل وغيانا. قد تكون هناك حاجة إلى مزيد من الإجراءات من قبل "أوبك+" لدعم السوق، حيث كان وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان قد صرح لـ"بلومبرغ" في وقت سابق من الشهر الجاري بأن التحالف يمكنه "بالتأكيد" الإبقاء على التخفيضات لما بعد الربع الأول من عام 2024 إذا دعت الحاجة.

شركات النفط الصخري الأميركية ملتزمة زيادة الإنتاج بشكل طفيف

الخفض الطوعي لإنتاج "أوبك+" بمقدار مليون برميل يومياً لن يبعث على الكثير من الثقة، لأن الأعضاء من أصحاب الإنتاج الأقل ليس لديهم حافز كبير للالتزام بشروطه، وقد لا يخفض الأعضاء الأكثر إنتاجاً الصادرات بسبب العوامل الموسمية. زيادة النفط الصخري في الولايات المتحدة، وانتعاش الإنتاج الإيراني والفنزويلي يمكن أن يعوضا بشكل فعال كل التخفيضات الإضافية المقترحة خلال الربع الأول. — فرناندو فالي وصالح يلمز، المحللان في "بلومبرغ إنتليجنس"

رأي "بلومبرغ إنتليجنس"

زيادة الإنتاج رغم انخفاض عدد منصات الحفر

تمكنت الشركات من زيادة الإنتاج حتى في ظل انخفاض عدد منصات الحفر العاملة بنسبة 20% تقريباً خلال العام الجاري، وهو الوضع المسؤول جزئياً عن جعل ارتفاع أسعار النفط الخام الأميركي مفاجئاً. أربكت هذه الزيادة العديد من المحللين والباحثين الذين اعتمدوا لفترة طويلة على ما يسمى بعدد منصات الحفر كمؤشر على إنتاج النفط الخام في المستقبل.

تقوم شركات الاستكشاف باستخراج النفط الخام من الآبار الجديدة بكفاءة أكبر بسبب الابتكارات في كل شيء، بدءاً من تكنولوجيا المضخات الكهربائية ووصولاً إلى الاستراتيجيات الجديدة لتوزيع العمال أثناء عمليات حفر الآبار لتقليص وقت التوقف عن العمل. من الأمثلة الرئيسية على ذلك استبدال المضخة الشهيرة التي يعود تاريخها إلى عقود من الزمن بمعدات تعمل في الأعماق عالية التقنية والتي يعادل ارتفاعها مبنى مكوناً من ثلاثة طوابق، وتتمركز داخل بئر لدفع المزيد من النفط الخام إلى السطح.

في صباح أحد الأيام التي اجتاحت فيها الرياح مؤخراً حوض بيرميان في غرب ولاية تكساس، كان يونغ تشو، وهو رئيس أعمال الحفر في شركة "دياموند باك إنرجي" (.Diamondback Energy Inc)، يشرف على العمل في غرفة التحكم على ارتفاع جزئي في منصة يبلغ طولها 180 قدماً (55 متراً)، بينما كان الطاقم يتجه للعمل على بئر جديدة. خفضت الشركة الوقت الذي يستغرقه حفر بئر متوسطة بنحو 40% على مدى السنوات الثلاث الماضية. ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى التنقيب في حفر أصغر قليلاً، وتعديل الحل الذي يتم ضخه أسفل الأعمدة إلى مثاقب الطاقة، وإلى التحسينات الدقيقة في الأدوات الصغيرة ذات الرؤوس المصنوعة من الفولاذ والبلورات والألماس.

قال تشو خلال مقابلة بعد ذلك: "في عام 2019، استغرق حفر بئر متوسطة 19.5 يوم. والآن يستغرق ذلك 11.5 يوم".

السيولة تتدفق على شركات النفط الصخري الأميركية بفضل "أوبك+"

التكسير الهيدروليكي

لكن بئر النفط الصخري لا يتم الانتهاء منها عندما يُستكمل الحفر. يتم استدعاء مجموعة منفصلة من العمال والمعدات لتكسيرها، بحيث يمكن أن يبدأ النفط الخام في التدفق. يشكّل هذا الجزء المرحلة الأخيرة والأكثر تكلفة في إنتاج النفط، وقد حققت شركات التكسير الهيدروليكي مكاسب مماثلة في الكفاءة، مما أدى إلى اختصار زمن العملية بمقدار ثلاثة أيام إلى ما يزيد قليلاً على أسبوع لكل بئر، وفقاً لشركة "كمبرلايت إنترناشونال أويل فيلد ريسيرش" (Kimberlite International Oilfield Research).

قال مايك ويرث، الرئيس التنفيذي لشركة "شيفرون"، خلال تصريحات له مؤخراً ضمن مجلس العلاقات الخارجية: "نشهد طيلة العام المزيد من الكفاءة. وكما ترون من خلال عدد عمليات الاستحواذ والدمج، أن الشركات لديها الحجم اللازم لتحقيق هذه القدرات بطريقة تؤدي فقط إلى مزيد من الكفاءة، وقدر من التقدم الصناعي هناك".

كان المحللون يتوقعون أن تزيد الشركات الأميركية إنتاجها بشكل متواضع خلال العام الجاري. يرجع ذلك جزئياً إلى أنه بعد سنوات من الاستثمار بكثافة في الإنتاج والتعرض للانكماش بسبب الركود، تعهدت الشركات بترشيد الإنفاق، والتركيز على جني عائدات نقدية للمساهمين.

دور منتجي القطاع الخاص

ربما يكون دور منتجي القطاع الخاص قد دفع التوقعات إلى تقليص تقدير إنتاج النفط لأنه يتعذر عليهم زيادة نشاطهم عن نظرائهم من الشركات المدرجة في أسواق المال التي تعلن عن أرباحها كل ثلاثة أشهر.

من بين شركات الإنتاج العشر الأسرع نمواً من حيث الحجم منذ الجائحة، سبع منها كانت شركات خاصة، وفقاً لـ"إس آند بي غلوبال". قادت شركتا "ميوبورن أويل" (Mewbourne Oil Co) و"إنديفور إنرجي ريسورسز" (Endeavour Energy Resources LP) هذه المهمة، حيث أضافت الشركتان المزيد من براميل النفط إلى السوق، مقارنة بشركة "إكسون موبيل" منذ عام 2019.

هناك دلائل تشير إلى أن شركات الحفر الأميركية قد تمارس مرة أخرى المزيد من الترشيد عندما يتعلق الأمر بتوسيع الميزانيات. من المتوقع أن يبلغ النمو السنوي في الإنفاق الصناعي 2% فقط في عام 2024، بانخفاض عن معدل النمو هذا العام البالغ 19%، وهو جزء محدود من الزيادة القياسية البالغة 44% المسجلة قبل عامين، وفقاً لشركة "إيفركور" (Evercore ISI).

قالت أنجي غيلديا، رئيسة وحدة ممارسات الطاقة في شركة "كيه بي إم جي" (KPMG) في الولايات المتحدة، في مقابلة: "الأمر لا يتعلق بمسألة الحفر، يا عزيزي، كما كان الحال خلال طفرة النفط الصخري. فالأمر يتعلق بتحقيق نمو مهم، ولكن يمكن قياسه".

تصنيفات

قصص قد تهمك