بلومبرغ
عندما تحل الأزمات بمصرف كان يوماً ما يفاخر بنجاحاته، فإن الأمر يستدعي البدء في تسليط الضوء على أعز ما لديه وأثمن ما يملك.
بينما يتجمع المسؤولون الحكوميون والهيئات التنظيمية والمديرون التنفيذيون لإيجاد طرق لجلب الاستقرار إلى بنك "كريدي سويس"، يستمر الاهتمام بالتحول إلى أكثر أصول البنك قيمة، ممثلاً في "سويس يونيفرسال بنك" (Swiss Universal Bank).
كان البنك المحلي في السنوات القليلة الماضية ركيزة مربحة، بينما تخبطت بقية إدارات البنك ووحداته من أزمة إلى أخرى. وتبلغ قيمة الوحدة 10 مليارات فرنك سويسري على الأقل (10.8 مليار دولار)، مثلما يقول محللو "جيه بي مورغان تشيس آند كو"، وهي حالياً أكثر من القيمة السوقية الإجمالية للمجموعة. وكانت الوحيدة من بين الوحدات الأربع الرئيسية في "كريدي سويس" التي حققت أرباحاً العام الماضي.
لكن الآن، ربما يلوح في الأفق مستقبل مستقل لـــ"سويس يونيفرسال بنك"، سواء ارتبط الأمر بسيناريو يستحوذ فيه منافس مثل "يو بي إس" على المجموعة، أو في حال أصبحت تصفية أجزاء منه أمراً لا مفر منه.
فيما مضى كان من الممكن أن تضيق السلطات التنظيمية ذرعا بدمج البنوك في السوق السويسرية الصغيرة بسبب ضخامة حجمها. أما الآن، فتجد هذه السلطات نفسها ملزمة بحماية الأصول المحلية والمودعين أثناء تقييمها لبقية أنشطة البنك.
نسخة مصغرة
قال فينسينت كوفمان، الرئيس التنفيذي لمؤسسة "إيثوس فاونديشن" (Ethos Foundation)، وهي أيضاً مساهم في كريدي سويس: "سويس يونيفرسال بنك هو شريك رئيسي للاقتصاد السويسري.. من شأن انفصاله أن يسهم في استعادة الثقة بالتأكيد، لكن كلما زاد انتظارهم، قلت القيمة التي سيحصلون عليها".
كانت "بلومبرغ" ذكرت في وقت سابق أنه مع دخول سعر سهم "كريدي سويس" مرحلة انخفاض حاد الأسبوع الماضي، أصبح فصل الوحدة السويسرية أحد الخيارات التي نوقشت في المحادثات بين المديرين التنفيذيين والمسؤولين الحكوميين.
إذا لم تكن هناك شهية تذكر لدى "يو بي إس" أو "كريدي سويس" على اندماج إجباري أو عملية إنقاذ، فإن قيمة الوحدة المصرفية السويسرية يُنظر إليها على أنها أصل يمكن التعويل عليه في دعم المجموعة.
تعد الوحدة المحلية من عدة جوانب نسخة مصغرة من المجموعة نفسها، إذ إن لديها خدمات التجزئة المصرفية والخدمات المصرفية الخاصة، كما تعمل كشركة وبنك استثماري.
ولا تعد فكرة فصلها وليدة اللحظة، بل إنَّ لها تاريخاً وأصلاً. ففي 2017، تخلى "كريدي سويس" في عهد رئيسه التنفيذي السابق تيجان ثيام عن خطة كانت مطروحة منذ فترة طويلة لطرح عام أولي لأجزاء من وحدته السويسرية من أجل زيادة رأس المال على نطاق واسع.
كان القصد الأساسي في ذلك الوقت هو الاستعانة بقيمة الوحدة المحلية في تمويل إعادة الهيكلة عبر المجموعة، لكن المساهمين ثاروا ضد بيع الوحدة التي تعد المُولّد الرئيسي للربح.
ربع الإيرادات
حققت الوحدة السويسرية أكثر من ربع إيرادات "كريدي سويس" في 2022 وحافظت على أرباحها حتى مع تعرض وحدتي إدارة الثروات والخدمات المصرفية الاستثمارية لخسائر. كما ظلت معزولة نسبياً عن سيل المغادرين من المسؤولين التنفيذيين على مستوى المجموعة.
خلال تخارج الودائع غير المسبوق الذي بدأ خلال الربع الرابع، أظهر عملاء البنك السويسري الأثرياء صبراً أكبر. فلم يسحبوا سوى 8.3 مليار فرنك سويسري من الأصول، أو قرابة 1.5% من مجمل ودائع الوحدة، مقابل نحو17% من أصول وحدة الثروة العالمية الخاضعة للإدارة التي تخارجت من البنك.
كان "كريدي سويس" صاحب الريادة واليد العليا في النشاط المصرفي الاستثماري المحلي في سويسرا من حيث قيمة الصفقات لمدة عقد على الأقل. يشير ذلك إلى دور مشابه لما قام به البنك التاريخي، حينما كان يحمل اسم "شفايتسريشيه كريديت أنشالت" (Schweizerische Kreditanstalt ) والذي أسسه رجل الصناعة ورائد السكك الحديدية ألفريد إيشر في 1856 لتمويل التوسع الصناعي في ألمانيا.
في العام الماضي، قادت الوحدة السويسرية الصفقات الرئيسية في عمليات الاندماج والاستحواذ وكذلك أسواق الدين ورأس المال، مما ساعد في جمع أموال لشركات مثل "نستله" المتعددة الجنسيات للأغذية و"روش هولدينغز" (Roche Holdings) العملاقة للأدوية.
ثقة الجمهور
من الواضح أن البنك السويسري يحتل المرتبة الأولى في أولويات الهيئات التنظيمية في البلاد، وكذلك الجمهور بقدر ما يمكن فهمه. تُلزم قاعدة "أكبر من أن تفشل" المتبعة منذ الأزمة المالية لعام 2008- عندما أنقذت الحكومة المصرف المنافس "يو بي إس" –نظراً لأهمية وتداعيات فشله الخطيرة، السطات الحاكمة باتخاذ موقف "سويسرا أولاً". وفي حالة وجود إفلاس وشيك، ستُعاد رسملة تلك الأجزاء من المجموعة ذات الصلة بالاستقرار المالي السويسري، بينما ستُصفى الأخرى.
هذا الأسبوع، وفي العاصمة السويسرية برن، أظهر أفراد من الجمهور على ما يبدو ثقتهم في السلطات، بما في ذلك البنك الوطني السويسري (المركزي)، للحفاظ على المقرض المحلي. وعلى غرار الترتيبات في الاتحاد الأوروبي، تضمن الدولة ودائع حدها الأقصى 100 فرنك سويسري.
قال ألكسندر شفاينغروبر، 22 عاماً ، لدى مروره بالبرلمان في برن: "لن ينهار بنك كريدي سويس، لأن البنك الوطني السويسري يدعمه. وحتى لو حدث ذلك، فإن الوحدة السويسرية ستنجو، وهذا هو المهم بالنسبة لي".
قال البنك المركزي السويسري، يوم الأربعاء الماضي، إنه سيقدم دعماً للسيولة لـ"كريدي سويس"، وسط تراجع قياسي في سعر سهمه، عبر خط ائتماني تبين لاحقاً أنه يبلغ نحو 50 مليار فرنك سويسري في المجمل. وأكدت هيئة الإشراف على السوق المالية السويسرية أن البنك لا يزال لديه ما يتجاوز مستويات رأس المال الصارمة التي تتطلبها من أكبر البنوك.
لكن الوحدة المحلية ليست معزولة تماماً عن التدفقات الخارجة لأصول العملاء التي شوهدت في المجموعة الأوسع، والتي بلغ مجموعها أكثر من 110 مليارات فرنك في الربع الرابع وما زالت مستمرة.
قال كيان أبو حسين، المحلل في "جيه بي مورغان": "من الواضح أن الوحدة السويسرية تتأثر بما يحدث في بنك كريدي سويس. إنها ليست نشاط تجزئة محضاً، لذا لا يمكن مقارنتها بشكل واضح ببنك تجزئة متكامل في إسبانيا أو إيطاليا على سبيل المثال. لذا فإن هذه الودائع تشمل عملاء إدارة الثروات، وهذا تمييز مهم يجب القيام به، نظراً لأنهم عموماً أسرع في نقل أموالهم من عملاء التجزئة المصرفية".
مصدر الرؤساء التنفيذيين
أكثر أندريه هلفنشتاين، الرئيس التنفيذي للوحدة السويسرية، من الحديث إلى وسائل الإعلام المحلية في الأيام القليلة الماضية، في محاولة لتعزيز الثقة، وسط تقلبات أسعار أسهم البنك ومناشدة البنك المركزي السويسري لتقديم يد العون. وكان منصب رئيس البنك المحلي، في الماضي، مصدراً للرئيس التنفيذي المستقبلي في أوقات الشدة.
ففي أعقاب فضيحة التجسس المحيطة بتيدجان ثيام، أصبح رئيس الوحدة السويسرية آنذاك توماس جوتشتاين رئيساً مأموناً للبنك الأم حتى غرق أيضاً في اضطراباته وحل محله أولريش كورنر العام الماضي.
يؤكد تدخل البنك المركزي السويسري على أهمية البنك المحلي، وفقاً لأرتورو بريس، أستاذ المالية في كلية إدارة الأعمال بالمعهد الدولي للتطوير الإداري بجامعة لوزان. ولا يمكن للهيئات التنظيمية المخاطرة بهروب المودعين من مؤسسة مركزية على هذا النحو.
وقال إن الوحدة المحلية "درة التاج لبنك كريدي سويس وينبغي لها أن تبقى قطعاً. لا يزال بنك التجزئة في سويسرا في وضع جيد. كان المودعون الأفراد هذا الأسبوع يسألون أنفسهم عمَّا إذا كانوا سيسحبون أموالهم من كريدي سويس. هذا لم يحدث قط".