بلومبرغ
عندما وقف سوروجيت تشاتيرجي على خشبة المسرح في مؤتمر "كوين بيس غلوبال" (Coinbase Global) في مدينة بنغالور في الهند، يوم السابع من أبريل، لم يكن لديه سبب كي يتوقع التداعيات التي ستحدث قريباً.
وقتها قال تشاتيرجي، وهو كبير مسؤولي المنتجات في الشركة، للجمهور الحاضر، إن مستثمري العملات المشفرة سيكونون الآن قادرين على استخدام نظام مدفوعات التجزئة عبر الإنترنت في البلاد لتحويل الأموال إلى البورصة المحلية.
بعد ساعات من إعلان تشاتيرجي، قال الكيان المدعوم من البنك المركزي، والذي يدير منظومة التحويلات، والمُسمّى "يوناتيد بايمنت إنترفايس" (United Payments Interface) إنه "ليس على علم" بأي تبادل للعملات المشفرة باستخدام الشبكة. في غضون ثلاثة أيام من ذلك الحدث، أوقفت "كوين بيس" تحويلات الروبية إلى تطبيق التداول الخاص بها عبر نظام "يوناتيد بايمنت إنترفايس" (UPI).
ترك هذا الانعكاس المفاجئ عملاء "كوين بيس" دون أي وسيلة لتمويل حساباتهم بالروبية، ما وجّه ضربة لخطط التوسع في الهند. وقال متحدث باسم "كوين بيس" في بيان إلى "بلومبرغ" في 11 أبريل، وفي إشارة إلى شركة المدفوعات الوطنية الهندية (NPCI) التي تُشغّل نظام "يوناتيد بيمنت إنترفايس" (UPI): "نحن ملتزمون بالعمل مع شركة المدفوعات الوطنية الهندية والسلطات الأخرى ذات الصلة لضمان توافقنا مع التوقعات المحلية ومعايير الصناعة".
لم تكن "كوين بيس" المتضررة الوحيدة. فمنذ إعلانها وقف التحويلات، قامت أربع شركات أخرى على الأقل تقدم خدمات تداول مرتبطة بالعملات المشفرة، إما بتعليق الودائع بالروبية، أو شهدت سحب البنوك وبوابات الدفع لدعم تحويلات الأموال إلى منصاتها، وفقاً للمسؤولين التنفيذيين في الشركات وتقارير وسائل الإعلام المحلية. وفقدت بورصتان أخريان دعم الودائع بالروبية من مزود خدمة الدفع قبل تلك الخطوة.
ركود الصناعة
قال مسؤولون تنفيذيون في البورصة، إن هذه الإجراءات وضعت ضغوطاً إضافية على أحجام التداول المتراجعة بالفعل، بينما تستعد الصناعة أيضاً لضريبة جديدة على جميع معاملات العملات المشفرة التي تزيد عن حجم معين، وهي الضريبة التي ستدخل حيز التنفيذ في الأول من يوليو. وفرضت الحكومة هذا الشهر ضريبة بنسبة 30% على الدخل من استثمارات الأصول الرقمية.
أظهرت بيانات من موقع "كوين جيكو" (CoinGecko) أن أحجام التداول اليومية في بورصات العملات المشفرة الهندية، والتي تلبي مجتمعة احتياجات حوالي 15 مليون شخص، تراجعت بنسبة تتراوح بين 88% و96% منذ أن بلغت ذروتها العام الماضي. وشهدت "وازيرإكس" (WazirX)، وهي أكبر بورصة عملات رقمية في الهند، انخفاضاً في أحجام التداول بنسبة 93% من أعلى مستوى لها في أكتوبر، حسب البيانات.
لا يزال بإمكان المستثمرين الذين سحبوا أموالهم من صفقات العملات المشفرة في البورصة سحب قيمتها بالعملة الورقية. وعرضت "كوين بيس" بالفعل التداول بأزواج العملات المشفرة في الهند، والتي لا تتطلب من العملاء إيداع روبية في حساباتهم.
قال فيكرام سوبراج، الرئيس التنفيذي لبورصة العملات المشفرة "جيوتوس" (Giottus)، في مقابلة في 12 أبريل: "بعد إعلان "كوين بيس"، قام كل من كان يقدم الدعم للصناعة بسحب دعمه". وأوضح أن بوابة الدفع الخاصة بـ"جيوتوس" توقفت عن العمل، رافضاً تسمية الشركة التي يعنيها. وأشار سوبراج إلى أن حجم التداول على المنصة انخفض بنحو 70% نتيجة لذلك.
أفاد الشريك المؤسس لـ"جيوتوس" أتوليا بهات، بأن المنافس المحلي "باي يو كوين" (BuyUcoin) أوقفت المدفوعات عبر "يوناتيد بيمنت إنترفايس" (UPI) بعد إشعار من شركة المدفوعات الوطنية الهندية (NPCI).
علاقة صعبة
تُعدّ شركة المدفوعات الوطنية الهندية (NPCI) عبارة عن مبادرة من البنك المركزي وجمعية البنوك الهندية، وهي منظمة شاملة لمدفوعات التجزئة والتسويات في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة. ولم ترد الشركة على طلبات التعليق.
أوقفت "كوين سويتش كوبر" (CoinSwitch Kuber)، وهي بورصة عملات مشفرة مقرها بنغالور، مؤقتاً قبول الودائع بالروبية عبر "يوناتيد بيمنت إنترفايس " (UPI)، والقنوات المصرفية الأخرى، وفقاً لما أفادت به صحيفة "إيكونوميك تايمز" في 12 أبريل. لم ترد "كوين بيس سويتش" على طلب للتعليق أُرسِل عبر البريد الإلكتروني.
لدى شركات تداول العملات المشفرة في الهند علاقة مضطربة مع البنوك ومقدمي خدمات الدفع منذ عام 2018، عندما أصدر البنك المركزي توجيهاً للبنوك بالتوقف عن العمل مع شركات الأصول الرقمية. ورغم أن المحكمة العليا في عام 2020 عكست هذا التوجيه، لكن لا تزال بعض البنوك مترددة في العمل مع قطاع العملات المشفرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن كبار المسؤولين في بنك الاحتياطي الهندي استمروا في المطالبة علناً بحظر العملات المشفرة.
نتيجة لحذر القطاع المصرفي التقليدي، أصبحت بوابات الدفع مثل "موبيكويك" (MobiKwik) رابطاً مهماً بين بورصات العملات المشفرة والعملاء الذين يسعون إلى إيداع العملات الورقية. ودون تعاون تلك البوابات، سيكون المستثمرون محدودين باستخدام طرق مثل تحويل الأموال إلى حسابات البورصات الجارية، وهي عملية يدوية تستغرق وقتاً طويلاً، كما أنها عرضة للأخطاء. ولا توفّر "كوين بيس" هذا الخيار في الهند.
نظام جديد
يمكن للمستثمرين أيضاً الانخراط في تداول عبر نظام "نظير مقابل نظير"، حيث يتم التعامل مع تحويلات العملات الورقية مباشرة بين الأطراف المقابلة، رغم أن ذلك لا يمثل إلا حصة صغيرة من السوق في الهند.
قال الرئيس التنفيذي لواحدة من شركات مزوّدي خدمة الدفع، إنه توقف عن العمل مع بورصات العملات المشفرة العام الماضي بعد أن طلبت منه البنوك ذلك، طالباً عدم ذكر اسمه وشركته بسبب حساسية الأمر.
توقفت "موبيكويك" وهي شركة خدمة دفع محلي، عن العمل مع بورصات العملات المشفرة الهندية في الأول من أبريل، وفقاً لتقرير صادر عن المنفذ الإخباري "موني كونترول (Moneycontrol). ورفضت "موبيلكويك" التعليق. أعلنت كل من "وازيرإكس" (WazirX) و"كوين دي سي إكس" (CoinDCX)، وهي بورصة عملات مشفرة هندية أخرى، أن ودائع الروبية عبر "موبيكويك" معلقة مؤقتاً.
غياب العدالة
قال جايديب ريدي، المحامي في "نيشيث ديساي أسويشيتس" (Nishith Desai Associates) والمتخصص في التكنولوجيا، إن تقييد الوصول إلى المدفوعات دون أسس قانونية للقيام بذلك يضيف إلى التمييز غير العادل في صناعة الأصول الرقمية.
أضاف ريدي: "إذا رفض أحد البنوك تقديم خدمة لشركة عملات مشفرة، فيجب أن يكون هناك سبب وجيه بخلاف مجرد حقيقة أنه عمل تجاري بالعملات المشفرة. يجب أن تكون البنوك شفافة، لأن أصحاب الحسابات لديهم أيضاً ميثاق حقوق يتضمن الشفافية من مزود الخدمة".
وفقاً لإيدول باتيل، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "مودركس" (Mudrex) للتداول الخوارزمي للعملات المشفرة، فإن بوابات الدفع في الهند بدأت في سحب الدعم بعد ما فعلته "كوين بيس". وقال باتيل إن هذا حدث مع شركة "مودركس" أيضاً.
ذكر أن التحركات لم تؤثر على التداول فقط، بل إن التدفقات انخفضت إلى مجموعة العملات، وهي عبارة عن منتج عملات مشفرة شبيه بالصناديق المشتركة تقدمه الشركة الناشئة المدعومة من "واي كومبيناتر" (Y Combinator)، بمقدار النصف تقريباً في اليومين أو الثلاثة السابقة.
واختتم سوبوراج من "جيوتوس" قائلاً إنه: "بينما تبتكر البورصات حول العالم على "ويب 3.0"، تنشغل البورصات الهندية في العثور على مزوّد الدفع التالي".