وسط كل تلك الفضائح والجدل، تحمّس مراقبو "فيسبوك" للدخول في تفاصيل تقرير الشركة ربع السنوي والأكثر ترقباً منذ سنوات. في النهاية، خالفت نتائج أعمال الربع التوقعات قليلاً، ورغم توقع الكثيرين لما هو أسوأ بمراحل، إلا أن تجنّب الكارثة في بعض الأحيان يعد أمراً جيداً بما فيه الكفاية.
في وقت متأخر من يوم الاثنين، نشرت شركة التواصل الاجتماعي أرقام إيرادات الربع الثالث والتي جاءت مخالفة قليلاً لتوقعات "وول ستريت"، فصعدت الإيرادات في الفترة المنتهية في سبتمبر بـ 35% عن نفس الفترة من العام السابق لتصل إلى 29 مليار دولار، أي أقل من متوسط تقديرات المحللين البالغ 29.5 مليار دولار، والذين استطلعت بلومبرغ تحليلاتهم.
قدمت "فيسبوك" كذلك نطاقاً استرشادياً لإيرادات الربع الحالي من 31.5 إلى 34 مليار دولار، وهو أيضاً أقل من متوسط التوقعات البالغة 34.8 مليار دولار. كما كشفت الشركة أنها ستبدأ الإعلان عن البيانات المالية لـ"فيسبوك رياليتي لابز" المتخصصة في منتجات الواقع المُعزّز والافتراضي بدءاً من الربع الرابع. إلا أن أسهم "فيسبوك" ارتفعت بعد التقرير بأكثر من 3% في تعاملات ما بعد الإغلاق.
مارك زوكربيرغ يرسم صورة وردية لـ"فيسبوك" لجذب الشباب
خصوصية "أبل"
قبل تلك الأرقام، انشغل المستثمرون بأمرين؛ تأثير اختناقات سلاسل التوريد العالمية، والتغيير الأخير في سياسة "أبل" لتتبّع الخصوصية. ومثل شركة "سناب" الأسبوع الماضي، قالت "فيسبوك" إن اضطرابات سلسلة التوريد ونقص العمالة تضر بأعمالها. يبدو الأمر معقولاً إذ لن ترغب الشركات في استثمار الأموال في الإعلان عن منتجاتها إذا كان لديها مخزون محدود للبيع. رغم أن هذا التحدي قد يتسبب في فترة إجازة صعبة، فمن المحتمل أن تكون هذه الظاهرة قصيرة المدة نظراً لقيام الشركات المُصنّعة وشركات التوصيل بزيادة السعة في العام المقبل.
تعد ميزة خصوصية "أبل" قضية شائكة، فقد طرحت عملاقة الهواتف الذكية خلال الصيف طلباً للمطورين لتوجيه المستخدمين للتوقيع على تتبّع أنشطتهم الإلكترونية. مع قيام العديد من المستهلكين بإلغاء الاشتراك في التتبّع، يواجه المسوّقون، بما في ذلك عملاء "فيسبوك، مشكلة في استهداف إعلاناتهم دون الوصول إلى البيانات السلوكية.
لكن يتعين على "فيسبوك" في النهاية اكتشاف طريقة للتعامل مع تغيير السياسة، وقال الرئيس التنفيذي مارك زوكيربرغ في وقت سابق من هذا العام إن خطوة "أبل" قد تفيد الشركة إذا كانت ستدفع المزيد من الشركات للبيع مباشرة على منصاتها. سيسمح ذلك لـ "فيسبوك" بجمع المزيد من بيانات الطرف الأول القيّمة، بما في ذلك جمع سلوك المستخدمين والمعاملات التي تتم داخل تطبيقاته.
لهذا الغرض، تحركت "فيسبوك" بقوة لتطوير الأدوات، والخدمات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية للتجار على مدار العامين الماضيين، بدءاً من شراكتها مع "سبوتيفاي" التي تُمكّن الشركات الصغيرة من إنشاء متاجر إلكترونية بسهولة، إلى إضافة ميزات المراسلة للشركات داخل "واتس أب". سيستغرق الأمر وقتاً لكن يجب أن تكون "فيسبوك" قادرة على تحقيق الدخل بنجاح من الخدمات المتعلقة بالتجارة.
تدقيق تنظيمي
إلى جانب المخاوف بشأن تراجع استخدام المراهقين، تهيمن "فيسبوك" على مشهد وسائل التواصل الاجتماعي. وإن نظرت إلى الفئات العمرية الأكبر سناً، تكشف وثائق الواشية فرانسيس هوغن أن 127 مليون أمريكي فوق سن الثلاثين يتصفحون منصة "فيسبوك" الرئيسية يومياً، ولن تختفي مثل هذه المشاركة بين عشية وضحاها. مع ما يقرب من ثلاثة مليارات مستهلك يستخدمون خدماتها شهرياً، تظل "فيسبوك" واحدة من المنصات القليلة التي يمكنها تزويد المسوّقين بإعلانات تستهدف الاهتمامات على نطاق واسع.
واشية "فيسبوك" تتهمها بجعل الأرباح أولوية فوق المستخدمين
من المحتمل ألا تكون أرباح الشركة اليوم هي الخبر الكبير الوحيد من "فيسبوك" هذا الأسبوع، إذ من المقرر أن تعقد الشركة يوم الخميس مؤتمرها السنوي للواقع المُعزّز والواقع الافتراضي "فيسبوك كونيكت" الذي قد تعلن فيه عن تغيير الاسم.
في نفس الوقت، لا تزال "فيسبوك" تواجه تدقيقاً تنظيمياً مكثفاً لمكافحة الاحتكار، في ظل إقرار المشرعين لقانون يجبرها على تغيير الخوارزمية الخاصة بها إلى موجز زمني أقل جاذبية. سيؤدي هذا الخيار، وهو أحد الخيارات التي تم طرحها، إلى الضغط على نموذج أعمالها بشكل جدي. لكن بالنظر إلى سجل الكونجرس، فإن احتمالية تنفيذ إصلاحات جادة في الوقت المناسب تتضاءل.
هذا يعني أن لجنة التجارة الفيدرالية تعتبر الجهة التنظيمية الأساسية المٌهددة لـ"فيسبوك" على المدى القصير، جنباً إلى جنب مع دعوى مكافحة الاحتكار التي رفعتها الوكالة، والتي أعادت رفعها قبل شهرين لتفكيك الشركة، يمكن للوكالة التحقيق فيما إذا كان نموذج أعمال "فيسبوك"، المستند إلى الإعلانات والمنخرط في جمع بيانات المستخدم، ينتهك قوانين الخصوصية. على أقل تقدير، من المرجح أن ترفع "فيسبوك" بشكل كبير إنفاقها على تعديل المحتوى بسبب الضغط العام. بينما قالت الشركة مراراً وتكراراً إنها أنفقت أكثر من 13 مليار دولار على السلامة والأمن على مدى السنوات الخمس الماضية، إلا أن هذا الرقم يمثل 4% فقط من مبيعاتها. يجب أن تفعل المزيد.
البيت الأبيض يطالب "فيسبوك" بإصلاحات لحماية خصوصية المستخدمين
ولكن حتى لو أنفقت "فيسبوك" مليارات الدولارات أكثر على الوسطاء أو مواجهة بعض العلاجات السلوكية من لجنة التجارة الفيدرالية، قد ينعكس الكثير من الجانب السلبي على تسعير أسهمها. بعد الانخفاض في الشهور الأخيرة، تتداول أسهم الشركة الآن بمكرر ربحية 20 مرة لمجمع أرباح 2022. لا يزال المحللون يتوقعون أن تزيد مبيعات الشركة بمعدلات تفوق 10%. وإذا كانت تلك المعدلات دقيقة، فسيصبح تقييمها الحالي جذاباً مقارنة بشركات التكنولوجيا الكبيرة الأخرى. على سبيل المثال، تقدر قيمة "أبل" بمكرر ربحية 26 مرة لأرباح 2022، لكن من المتوقع أن تزيد إيراداتها بنسبة 3% العام المقبل.
لذلك، سيكون صعباً على المستثمرين الجدال بشأن ضرورة التخلي عن "فيسبوك" في الوقت الحالي.