بلومبرغ
فيما يسعى صُنّاع السيارات جاهدين لصنع مركبات كهربائية مداها أطول وشحنها أسرع، أتاهم ردّ من صناعة الرقائق بأن محاولاتهم تعتريها الأخطاء.
تحث شركات أشباه الموصلات صُنّاع السيارات الكهربائية على ترك رقائق السيليكون التقليدية، وتبني مواداً تزيد كفاءة السيارات، ما يساعد في تخفيف "القلق حول المدى" بين المستهلكين، وجعل عملية إعادة الشحن سريعة بما قد يضاهي زيارة محطة وقود يوماً ما. لكن لا يوجد توافق حتى الآن حول المقاربة التي ستعتمد، حيث إن كربيد السيليكون هو المرشح الأبرز، يليه نيتريد الغاليوم كمنافس رئيسي.
إذاً ما هي هذه المواد الجديدة؟ يتكون كربيد السيليكون كما يوحي اسمه من السيليكون والكربون، وهو مزيج أفضل أداءً كمحول كهربائي، بمعنى أن الرقائق التي تستخدم هذه المادة يمكنها تمرير الطاقة مع تقليل الفاقد منها خلال العملية. ينطبق الأمر نفسه على نيتريد الغاليوم، المكون من الغاليوم والنيتروجين الذي يتميز على السيليكون التقليدي حاله حال كربيد السيليكون، حيث يقول مؤيدوه إن بإمكانه تخفيض أمد الشحن للنصف.
موستانغ كهربائية
ومن المؤكد أن اختيار التقنية المناسبة ينطوي على مراهنات كبيرة بشكل خاص مع مرور صناعة السيارات بأكبر تحولاتها منذ أكثر من قرن. تتسابق الشركات المصنعة حول العالم للتخلص من محركات الاحتراق الداخلي، حتى أن أيقونات عصر البنزين مثل "موستانغ" التي تنتجها شركة "فورد موتور" و "جي إم سي هامر" تتحولان نحو طرازات تعمل بالبطاريات.
أصبحت الرقائق حيوية أكثر مما مضى بالنسبة لطريقة عمل السيارة خلال هذا التحوّل، فهي تدخل في صناعة كل شيء، بدءاً بمجموعة نقل الحركة حتى الوسائد الهوائية. اتضح هذا بشكل مؤلم هذا العام، حين اضطر صُناع السيارات لكبح الإنتاج، تاركين معارض كثير من التجار فارغة، نتيجة صعوبة الحصول على ما يكفي من رقائق السيليكون، لكن إشراكهم في استخدام التقنيات الأحدث يُعد عاملاً حاسماً لدفع المركبات الكهربائية إلى المستوى التالي.
يرى جان كريستوف إيلوي، رئيس "يوليه ديفيلوبمون" (Yole Développement) المختصة بتحليلات صناعة أشباه الموصلات في فرنسا: "أنه منحنى تعليمي كبير بالنسبة لشركات صناعة السيارات... البطارية الجيدة والمحول الجيد والمحرك الكهربائي الجيد لا يشكلون لك سيارة كهربائية جيدة".
مساعدة "تسلا"
قال إيلوي إن الخبر السار هو أن شركة "تسلا"، التي دفعت الصناعة على تبني المركبات الكهربائية في المقام الأول، يمكنها أن تساعد في تحفيز هذا التحوّل أيضاً.
أوضح أن "تسلا" هي إحدى أوائل الشركات الرئيسية التي تبنت رقائق كربيد السيليكون، التي توفرها شركة "إس تي ميكرو إلكترونكس" (STMicroelectronics)، حيث روج رئيسها التنفيذي إيلون ماسك لهذه التقنية كميزة رئيسية لسياراته.
يساعد استخدام كربيد السيليكون، حيث يمكنه حشر المزيد من الكهرباء في البطارية بشكل أسرع مخفضاً أمد الشحن كما يطيل مدى السيارة عبر خفض الفاقد، بينما تسحب المركبة الكهرباء اللازمة لدفع المحركات. تتوقع "إنفينيون تكنولوجيز" (Infineon Technologies)، وهي أكبر صانع لرقائق السيارات، أن يتجاوز كربيد السيليكون حاجز 30% من سوق رقائق المركبات الكهربائية بحلول 2025.
قال ستيفان زيزالا، رئيس مجموعة الحلول عالية القدرة لدى "إنفينيون تكنولوجيز": "كربيد السيليكون يمكن أن يحقق ميزة كبيرة، حرفياً تحسين بنسبة تتراوح بين 5% إلى 10% في مدى السيارة".
شركات كبرى
لقد تبنت بعض الشركات المصنعة هذا المفهوم. حيث تستخدم شركة "جنرال موتورز" على سبيل المثال رقائق كربيد السيليكون في منصة بطاريات سيارة "ألتيوم" (Ultium)، وهي أساس جميع مركباتها الكهربائية المستقبلية. كما أن شركة "تويوتا موتور"، الرائدة في مجال السيارات الهجينة من خلال سيارتها "بريوس"، تستخدم كربيد السيليكون في سيارة "تويوتا ميراي" العاملة بوقود الهيدروجين، فضلاً عن أن موردها شركة "دنسو" (Denso) أدخلت الرقائق في خطوط سيارات أخرى.
أوضحت شركة "ستيلانتس"، التي تشكلت من اندماج "فيات كرايسلر أوتوموبيل" والمجموعة الفرنسية المنافسة "بي أس إيه غروب" بداية العام، أنها قد تستخدم كربيد السيليكون في محولات الكهرباء التي ستكون محورية لتصنيع واسع لجيل جديد من المركبات الكهربائية على مستوى العالم. لكن بعض الشركات، مثل "جنرال موتورز"، تتحوط في رهاناتها، حيث تنظر أيضاً إلى نيتريد الغاليوم (GaN) للاستخدام المستقبلي.
يعتبر نيتريد الغاليوم وافداً جديداً في الصناعة لم يتضح بعد الدور الذي سيلعبه. تتوقع "إنفينيون" أن يكّمل التقنيات الأخرى، فيما يعتبره آخرون عنصراً منافساً لكربيد السيليكون. وقعت شركة "بي إم دبليو" مطلع سبتمبر صفقة لتأمين ما يصل إلى 250 مليون دولار من هذه الرقائق من شركة "جي إيه إن سيستمز" (GaN Systems).
زمن الشحن
تخفض رقائق نيتريد الغاليوم زمن شحن السيارة من 11.3 ساعة إلى 4.7 ساعة، كما توفر 70% من الطاقة المستهلكة في العملية. كما يمكنها تعزيز المدى الذي تقطعه السيارة بنسبة 5% تقليل عدد البطاريات المستخدمة. ذلك حسب الشركة الناشئة "نافيتاس سيميكوندكترس" (Navitas Semiconductor) التي تخبر المستثمرين بأن رقائق نيتريد الغاليوم ستشكل 16% من سوق أشباه الموصلات بحلول 2026 مقارنة مع أقل من 1% العام الماضي.
استغرق صُنّاع السيارات أعواماً للانفتاح على التقنيات الحديثة. لدى عرض كربيد السيليكون لأول مرة على شركات صناعة السيارات منذ أكثر من عقد، تجنبوه باعتباره "باهظ الثمن بشكل كبير"، حسبما قال مايكل دوهيم، نائب رئيس (JJE North America)، وهي شركة يملكها صينيون تصنع مجموعات محركات كهربائية في تروي بولاية ميشيغان.
أوضح دوهيم أن ردّ الفعل المعتاد آنذاك كان: "لماذا أفعل ذلك؟ إنه جنون". أصبحت الآن هذه التقنيات تشق طريقها إلى السيارات المتميزة، حيث تغلبت أهمية الأداء على التكلفة.
التكاليف والأداء
ما تزال هناك بعض المقايضات المؤلمة، حيث تُصنع رقائق السيليكون التقليدية بالمليارات سنوياً، وقد أدت هيمنة هذه التقنية على مدى 50 عاماً إلى إنشاء بنية تحتية عالمية ضخمة لإنتاجها، وبالتالي خفض التكاليف. في حين أن رقائق كربيد السيليكون، المادة الأساسية التي تستند إليها الرقائق الجديدة، ينتجها عدد قليل فقط من الشركات، مثل شركة "كري" (Cree)، في عملية لا تزال صعبة ومكلفة.
تشكل المادة بحد ذاتها أحد العوائق، فيجب إنتاجها من بلورات كبذور في عملية كيميائية، لكن ليس هناك سوى عدد قليل نسبياً من البلورات متاح لإنتاج مستوى النقاء المطلوب، كما أن أي شوائب قد تجعل الرقائق أقل كفاءة.
اتفقت شركة "أون سيميكوندوكتور" (On Semiconductor)، وهي الشركة المنافسة لـ"كري"، في أغسطس على دفع 415 مليون دولار مقابل الاستحواذ على مورد كربيد السيليكون "جي تي أدفانسد تكنولوجيز" (GT Advanced Technologies)، في دلالة على مدى ندرة المواد. تتيح هذه الصفقة للشركة إمكانية الوصول إلى المواد الخام.
قد يزيد كربيد السيليكون تكلفة السيارة بمقدار 200 دولار، وفقاً لتقديرات شركة "كري"، لكن مؤيدي التقنية الحديثة يقولون إن التكلفة يمكن تعويضها سريعاً، لأن هذه السيارات لن تحتاج لكثير من البطاريات.
يشير هذا إلى أن شركات صناعة السيارات يجب أن تفكر بشكل أعمق بالرقائق التي تستخدمها، حسب رأي إيلوي، الذي أوضح بقوله: "إذا كنت تريد التوفير في التكلفة أو ترغب بزيادة المدى، أو كنت ترغب في إجراء كل التحسينات، فأنت بحاجة للانخراط في مجال أشباه الموصلات".