بلومبرغ
يحقق قطاع خدمات الشحن العالمية أعلى مستوى من الإيرادات اليومية منذ عام 2008، إذ تستمر أسعار النولون في الارتفاع نتيجة تواكب الازدهار في الطلب على السلع مع انهيار سلاسل التوريد العالمية تحت ضغوط وباء كوفيد-19.
تحلق الأرباح التي تحققها السفن على اختلاف أنواعها، سواء سفن الحاويات العملاقة التي تعبأ فوقها صناديق من الصلب حجم الواحدة منها 40 قدماً مكعبة، أو ناقلات سلع التعبئة الجافة التي تحتوي عنابرها المجوفة على آلاف الأطنان من الفحم، أو البوارج المتخصصة التي صممت لنقل السيارات واللواري.
جنون في تكاليف الشحن.. الأسعار تقفز 333% ومخاوف من "غول التضخم"
تتخلل موجة الصعود كل ركن من أركان الاقتصاد مع نقل الأسطول التجاري نحو 80% من إجمالي التجارة العالمية. في عام 2008، نتج عن انتعاش الاقتصاد موجة هائلة من زيادة الطلب على السفن، لكن ما لبثت أن انحسرت هذه الموجة بعد انهيار الطلب عندما أطلقت الأزمة المالية أعنف ركود تعرض له الاقتصاد منذ عقود.
يدفع الازدهار الحالي في الطلب على السفن أسباب مركبة – عملية إعادة فتح الاقتصاد بعد وباء كوفيد-19 التي حفزت ارتفاع الطلب على السلع والمواد الخام. وبالإضافة إليها، يستمر الفيروس في إفساد سلاسل التوريد العالمية، بما يؤدي إلى اختناق الموانئ وتأخير حركة السفن، ويترتب على كل ذلك نقص عدد السفن المتاحة لنقل البضائع عبر المحيطات. لتحقق غالبية الشركات العاملة في قطاع الشحن أرباحاً وفيرة خلال الأشهر الأخيرة.
يتمحور هذا الازدهار حول نشاط نقل الحاويات – حيث ترتفع الأسعار باستمرار مسجلة أرقاماً قياسية جديدة، غير أنه لا يقتصر على هذا النشاط وحده بأي حال من الأحوال. يحقق قطاع الشحن أعلى معدلات ربحية يومية منذ عام 2008، حسب شركة "كلاركسون لخدمات البحوث"، التابعة لمجموعة "كلاركسون"، أكبر شركة لخدمات الشحن المتكاملة في العالم. لم يتخلف عن هذا الركب إلا أنشطة نقل النفط والغاز، حيث تتعرض لتأثير أكبر من القوى السلبية.
ارتفاع تكاليف الشحن البحري الجاف في مسار متصاعد يتجه للاستمرار
يقول بيتر ساند، محلل أول نشاط الشحن لدى شركة "بيمكو" (Bimco): "لست متأكداً من أن المأساة الكاملة تشمله –مجرد موقف مشهدي باهر. امتداد لتأثير سوق متوهجة النشاط في نقل الحاويات إلى بعض القطاعات الأخرى".
يظل نشاط نقل الحاويات هو نجم المشهد. وصلت تكلفة نقل حاوية حجمها 60 قدماً من الصين إلى أوروبا إلى 14,287 دولارا حالياً، مرتفعة بما يزيد على 500% مقارنة بنفس الفترة في العام الماضي، ويدفع ذلك تكاليف النقل في أي شيء من ألعاب الأطفال إلى الدراجات والبن لأعلى.
تظهر هذه المكاسب فعلاً في أرباح شركة "إيه بي مولار-ميرسك" (A.P. Moller-Maersk)، أكبر شركات نقل الحاويات في العالم، التي رفعت تقديرات الأرباح لهذا العام بمقدار 5 مليارات دولار تقريباً خلال الشهر الماضي. وفي إشارة إلى مدى ما بلغته ربحية هذا القطاع، قالت شركة "سي إم أيه سي جي إم إس أيه" (CMA CGM SA) – وهي ثالث أكبر شركة للشحن في العالم – إنها سوف تجمد أسعارها الفورية من أجل الحفاظ على علاقاتها طويلة الأجل مع العملاء. بمعنى آخر، تقوم الشركة فعلاً بالتخلي عن كمية من أرباحها.
اقرأ المزيد: "ميرسك" ترفع توقعاتها للأرباح بعد صعود أسعار الشحن
قطاعات أخرى
في حين يرفع الطلب على سلع التجزئة أسواق النقل بالحاويات، يستهلك انتعاش الاقتصاد العالمي كذلك المزيد من المواد الخام – ما يؤدي إلى زيادة إيرادات سفن النقل الجاف التي تحمل سلعاً صناعية. في هذا القطاع، بلغت الأرباح مؤخراً أعلى مستوى لها في 11 عاماً، ولا تبدو هناك دلائل على تراجعها مع توقعات استمرار قوة الاستهلاك خلال ما تبقى من العام الحالي.
"ميرسك" عملاقة الشحن البحري تراهن بـ 1.4 مليار دولار على السفن الخضراء
تتلقى أسعار النولون البحري الفورية والآجلة دعماً من "قوة الطلب على الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى الاضطرابات والمشاكل اللوجستية التي يتسبب فيها كوفيد"، حسب تصريحات أدلى بها نائب رئيس شركة "نافيوس ماريتايم هولدينغز" (Navios Maritime Holdings)، التي تمتلك أسطولاً من ناقلات البضائع الجافة، خلال مؤتمر هاتفي حول نتائج الأعمال خلال الأسبوع الماضي. وأضاف أن: "تظل أساسيات العرض والطلب إيجابية للغاية في الفترة القادمة".
دفع بلوغ نقل الحاويات حداً من القوة القصوى في قطاع الشحن عموماً، ناقلات بضائع التعبئة الجافة إلى التحول إلى نقل الحاويات. ومن بين الشركات التي أعلنت أنها تدرس هذه الفكرة شركة "غولدن أوشين غروب" (Golden Ocean Group Ltd). ورغم أنها قد تدر مزيدا من الأرباح لمالكيها في سنة من المكاسب الوفيرة غير المتوقعة، فلن يكون ذلك دون مخاطرة إذ إن ناقلات بضائع التعبئة ليست مصممة لنقل الحاويات العملاقة.
في وقت سابق من الشهر الحالي، قال أولريك أندرسون، الرئيس التنفيذي لشركة "غولدن أوشين": "إن هذه الظاهرة تروي لنا شيئا عن الموقف الاستثنائي الذي نمر به في سوق نقل الحاويات".
كساد ناقلات السلع السائلة
في حين تسبب كوفيد في ازدهار كثير من قطاعات نشاط النقل البحري، فقد أدى إلى خسائر كبيرة بالنسبة لناقلات النفط على مدى فترة طويلة من عام 2021، ويقوم ملاكها فعلاً بخفض تكاليف شحن النفط الخام.
مع استمرار حجب تحالف "أوبك بلس" جانباً من عرض النفط عن الأسواق، باتت أعداد السفن أكثر مما ينبغي وعدد الشحنات أقل مما ينبغي، ما أدى إلى انخفاض شديد في الإيرادات. ترتب على ذلك حرق واحدة من أكثر القطاعات نشاطاً في هذا القطاع عند بداية العام – وتبني ناقلات النفط المتفائلة آمالها على ارتفاع الطلب على الخام خلال فصل الصيف.
ومع ذلك، يستمر المحللون في توقع الانتعاش مع تدهور مخزون النفط على البر. وقد تبدأ الأسعار في حركة صاعدة في شهر أكتوبر مع انخفاض المخزون وارتفاع الطلب على الناقلات، حسب ما كتب محللو شركة "بايريتو سيكيوريتيز" (Pareto Securities)، ومنهم إيريك هافالدسن في مذكرة إلى العملاء.
تفاقم انتظار سفن الشحن بأكبر ثلاثة موانئ في أمريكا
غير أنه في الوقت الحالي، يظل نشاط ناقلات السلع السائلة البقعة الوحيدة التي تعكر صفو صناعة تزداد الضغوط على طاقة النقل لديها بشكل متواصل. وسجل مؤشر "كلارك سي"، الذي يتتبع الإيرادات اليومية في مجموعة متنوعة من أنشطة الشحن البحري، أطول فترة مكاسب شهرية له في تاريخه.
تشهد هذه الأرباح الكبيرة وغير المتوقعة قطاعات أكثر توارياً أو أقل شيوعاً، فأعلى تكلفة للنقل جاءت من نصيب ناقلات السيارات منذ عام 2008. كما ترتفع أيضاً أسعار سفن البضائع العامة التي تحمل المعدات الثقيلة، معززة الازدهار الذي تقوده سفن الحاويات ونقل البضائع الجافة.
تقول أليكساندرا ألاتاري، محللة قطاع الشحن لدى شركة "أرو شيبروكينغ" (Arrow Shipbroking Group): "ارتفعت أسعار تأجير السفن في قطاع الحاويات بشكل جنوني، وحدث نفس الشيء في قطاع النقل الجاف. وتعتبر أساسيات العرض والطلب من القوة بحيث أنها تدعم أسعاراً سوف تمثل ذروة بالنسبة لأي سنة أخرى".