بعد عقدين من حملات مكافحة التمرد في الشرق الأوسط، يحوّل الجيش الأمريكي تركيزه لمنافسة القوى العظمى كالصين وروسيا.
فمواجهة مثل هؤلاء المنافسين ستتطلّب من البنتاغون تحرير الموارد لضمان "إنفاق كل دولار دفاعي على البرامج والمعدات التي ستكون ذات صلة في المعركة المقبلة"، وذلك حسب تصريح الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة أمام الكونغرس.
لكن لسوء الحظّ، لا يزال جزء كبير من ميزانية الدفاع موجهاً لاتباع استراتيجيات لم تعُد نافعة.
تراجع الإنفاق على البحث والتطوير
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تنفق على الدفاع ثلاثة أضعاف ما تنفقه أي دولة أخرى، فإن تفوقها التكنولوجي آخذ في التآكل، ويرجع ذلك جزئياً إلى تكلفة الحفاظ على برامج الأسلحة القديمة.
فحصة الإنفاق العسكري المكرَّس للعمليات والصيانة -مصدر ربح رئيسي لصناعة الدفاع– هي الآن 42%، مقارنة بـ28% في ذروة الحرب الباردة، فيما انخفضت مشتريات الأسلحة من 30% إلى 19%،
وبالقيمة الاسمية فإن استثمارات الولايات المتحدة في البحث والتطوير الدفاعي تقلّ 40% تقريباً عما كانت عليه قبل عقد من الزمن.
الإنفاق أكثر على البرامج الحالية
إن الإنفاق غير المتناسب على الأنظمة القديمة مدفوع بالوقت الذي يستغرقه تطويرها واختبارها ونشرها.
يمكن أن تمتدّ "دورات حياة" عقود البرامج الرئيسية، مثل"إف-35 لايتنيغ الثانية" لعشرات السنين، مما يجبر الجيش على إنفاق أموال طائلة للحفاظ على البرامج الحالية التي هي قيد التشغيل، بدلاً من الاستثمار في برامج جديدة.
وتبلغ تكلفة برامج الاستحواذ الدفاعية الرئيسية (MDAPs) الـ93 التابعة للبنتاغون 1.8 تريليون دولار، وهو ما يزيد بمقدار 628 مليار دولار عما كان متوقعاً عند بدء هذه البرامج.
الأسلحة القديمة
نتيجة لذلك تنفق الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى على عددٍ متضائل من أنظمة الأسلحة القديمة.
فعلى سبيل المثال، نحو 75% من أسطول سلاح الجو تبلغ من العمر 20 عاماً على الأقلّ.
ووفقاً لتقرير أصدرته عام 2020 مجموعة عمل مستقبل الدفاع بالكونغرس، ستشكّل البرامج القديمة 70% من قدرات الجيش بحلول عام 2030، على الرغم من أن عديداً من هذه الأنظمة "يفتقر إلى القوة الفتاكة والقدرة على البقاء لتكون فعالة في المستقبل".
تطوُّر الجيش الصيني
من المؤكَّد أن بعض الأصول العسكرية القديمة يظلّ مفيداً لردع الخصوم المحتمَلين.
ومع ذلك فإن تأخير تبنّي تقنيات الجيل التالي ينطوي على مخاطر، فالصين نجحت في الحصول على مجموعة من المعدات العسكرية المتقدمة، بما في ذلك الغواصات الهجومية والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والأسلحة الإلكترونية، وأنظمة الدفاع الجوي المتطورة.
تتوقع وزارة الدفاع أنه "بحلول منتصف القرن، من المحتمل أن تسعى بكين لتطوير جيش يساوي الجيش الأمريكي، أو في بعض الحالات يتفوق عليه".
وخلال شهادته أمام الكونغرس اعترف ميلي، الضابط الأعلى رتبة في البلاد، بأن "الاستمرار في شراء المعدات القديمة وصيانتها يستحوذ على دولارات من ميزانية الدفاع المطلوبة لاقتناء أنظمة التطوير اللازمة".
وأضاف أن "معالجة المشكلة تتطلب التزاماً من القادة المدنيين والعسكريين على حد سواء".
سفن جديدة لسلاح المشاة
من جهته قدّم الجنرال ديفيد بيرغر، قائد سلاح مشاة البحرية، مثالاً واعداً من خلال دعوته إلى سحب الدبابات وبطاريات المدفعية التي استخدمها مشاة البحرية في الحروب الأخيرة، لصالح سفن جديدة، وطائرات استطلاع بلا طيار ملائمة أكثر لمواجهة الصين.
على الجيش إجراء مراجعات شاملة لبرامج أسلحته الأكثر تكلفة، على غرار عملية الجيش الأمريكي التي أطلق عليها اسم "محكمة الليل"، والتي أُطلِقَت في عام 2018.
وقد وفّر هذا الإجراء للميزانية 33 مليار دولار للاستثمار في التقنيات الناشئة، من خلال إلغاء الإنفاق على معدات الجيش التي يزيد عمرها على فائدتها.
لجنة لتقييم الإنفاق
أخيراً، على وزير الدفاع لويد أوستن تسريع عملية الاستحواذ التي ينفّذها البنتاغون لمساعدة الشركات على عبور "وادي الموت" التنموي، وإدخال نماذج تكنولوجية واعدة على نطاق واسع.
وعلى الكونغرس في غضون ذلك تحديد منصات الأسلحة التي يمكن وقفها بلا إضرار بالاستعداد العسكري، والتوقف عن الطلب من رؤساء أفرع الخدمة تقديم "قوائم الرغبات" للأولويات غير الممولة.
إذا فشل الكونغرس في اتخاذ الإجراء، فعلى إدارة بايدن إنشاء لجنة مستقلة لتقييم الإنفاق الأمريكي على البرامج القديمة، والتوصية بما إذا كانت ستُستبدل أو تُحال إلى التقاعد.
يمكن تشكيل اللجنة على غرار لجنة "الإنهاء وإعادة ترتيب القاعدة"، التي أجرت خمس مراجعات للمنشآت العسكرية الأمريكية بين عامَي 1988 و2005، والتي حقّقَت 12 مليار دولار من المدخرات السنوية.
إن زيادة الاستثمار في التكنولوجيا والمعدات العسكرية أمر بالغ الأهمية، وكذلك موازنة الإنفاق الدفاعي مع الأولويات الوطنية الأخرى.
يُعَدّ تقليص برامج الأسلحة باهظة الثمن -أو القضاء عليها كلّياً- خطوة ضرورية للفوز بحروب المستقبل.