لماذا تثير العلاقات الدافئة بين روسيا والصين مخاوف الديمقراطيين؟

time reading iconدقائق القراءة - 13
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يسار) ونظيره الصيني شي جين بينغ - المصدر: بلومبرغ
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يسار) ونظيره الصيني شي جين بينغ - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في مستهل فبراير الماضي قال الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين إن التنافس الذي استمر لقرون بين روسيا والصين تحول الآن إلى شراكة "لا حدود لها". فما بين الطاقة.. التعاون العسكري وحتى الروابط السياسية أثارت العلاقات التي ازدادت دفئاً خلال العقد الماضي بين أقوى دولتين استبداديتين في العالم –ممن تستهدفان قلب أجزاء على الأقل من نظام ما بعد الحرب الباردة الذي سيطرت عليه الولايات المتحدة - قلقاً متزايداً بين القادة الديمقراطيين من واشنطن إلى طوكيو. وبعد بضعة أسابيع فقط من هذا البيان المشترك، عندما اندلع الغزو الروسي على أوكرانيا، رفضت الصين إدانة هذه الخطوة. لكن مع ذلك، فإن الدعم الذي أظهرته بكين لحليفتها منذ ذلك الحين لم يرق إلى أن يكون بلا حدود.

1) لماذا تقاربت روسيا والصين؟

كان هذا التقارب مدفوعاً بنفور الدولتين المشترك من أميركا، والذي تعمق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق في 2003، وأصبح علنياً بشكل متزايد بعد الأزمة المالية 2008، التي نشأت داخل الولايات المتحدة. خلصت كلا الدولتين إلى أن ذلك الانهيار المالي سيقوض الثقة العالمية بالنموذج الاقتصادي والسياسي الأميركي. وعززا علاقاتهما بحذر حتى 2014، عندما أدى ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى فرض عقوبات، وقطيعة تامة بين روسيا والغرب الأوسع نطاقاً.

أجبر ذلك موسكو على البحث عن شركاء جدد، لا سيما أسواق جديدة لصادراتها من الطاقة. كانت الصين مناسبة تماماً لهذا الدور، حيث أثبتت أنها مشتر ضخم وسريع النمو للسلع الرئيسية والأسلحة الروسية. تشترك الدولتان أيضاً في عداء عميق تجاه التحالفات الأميركية داخل ما يعتبرانه مناطق نفوذهما الشرعية. بالنسبة لروسيا، فهذه المنطقة هي منظمة حلف شمال الأطلسي في أوروبا؛ أما الصين، فتركز على شبكة معاهدات الدفاع الثنائية لواشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ورغم عدم توقيع معاهدات كثيرة قائمة على التحالف الرسمي بين روسيا والصين، إلا أن الشراكة بين الدولتين تعززت بالاعتماد على الروابط الشخصية القوية بين بوتين وشي.

2) ما أسباب الصداقة الوطيدة بين الزعيمين؟

بعد مرورهما بتجارب قاسية في طفولتهما عقد الرجلان العزم على سحق المعارضة، وقيادة بلادهما إلى العظمة مجدداً، مع إنهاء الإذلال المتصور من قبل الولايات المتحدة وأوروبا. التقى شي وبوتين أكثر من 30 مرة، وصنعا زلابية معاً في تيانجين، وفطائر محلاة في فلاديفوستوك. خلال 2019، وصف شي بوتين بأنه "أفضل صديق" له. وفي بيان مشترك بفبراير الماضي، كشفا عن ازدرائهما المشترك للأفكار الغربية عن الديمقراطية.

عرف الرئيسان الديمقراطية دون التطرق إلى الانتخابات، أو المحاكم المستقلة، أو وسائل الإعلام الحرة، وقالا إنها تتعلق بالتنمية الاقتصادية، مع النظر إلى جميع نماذج المشاركة السياسية العامة على قدم المساواة.

3) ما تاريخ العلاقات بين الدولتين؟

في القرن الـ19 كانت روسيا بين القوى الأوروبية التي فرضت ما يسمى بـ"المعاهدات غير المتكافئة" على أسرة تشينغ الصينية، بما في ذلك معاهدة تنازلت عن المنطقة التي تقع بها مدينة فلاديفوستوك الروسية اليوم. تحسنت العلاقات بشكل مثير لفترة وجيزة بعدما قاد ماو تسي تونغ الحزب الشيوعي الصيني إلى السلطة في 1949، ووجد أن جوزيف ستالين، قائد الاتحاد السوفيتي آنذاك، يمكن أن يتحول إلى حليف وثيق له. لكن ماو عارض الإصلاحات السياسية المعروفة باسم "اجتثاث الستالينية" التي أعقبت وفاة الزعيم السوفيتي في 1953، وخلال 1961 انفصل ماو عن سياسة موسكو. في 1969، خاضت الدولتان حرباً حدودية قصيرة حول الأراضي المتنازع عليها، وفي 1972، فعلت الصين شيئاً لا يمكن تصوره، حيث حولت بوصلتها للتقارب من الولايات المتحدة. لم تبدأ العلاقات بين روسيا والصين في التحسن مجدداً حتى منتصف الثمانينيات، عندما تولى ميخائيل غورباتشوف زمام الكريملين.

4) ماذا يمكن للدولتين أن تقدما لبعضهما بعضاً الآن؟

منذ 2014، باعت روسيا للصين بعض أنظمة الأسلحة الأكثر تقدماً لديها، بما في ذلك أنظمة صواريخ "إس -400" المضادة للطائرات بقيمة 5 مليارات دولار، وطائرات هجومية من طراز "إس يو- 35". وفي غضون شهرين من ضم شبه جزيرة القرم، وقعت شركة "غازبروم" الروسية صفقة قالت إن قيمتها تناهز 400 مليار دولار لتزويد الصين بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب يسمى "باور أوف سيبيريا". وبعدها بفترة أُبرمت صفقة خط أنابيب ثانية. إلى جانب هذا، نسقت الدولتان مواقفهما بشكل متزايد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي تتمتعان فيه بحق النقض (فيتو).

5) لماذا تشعر القوى الديمقراطية بالقلق؟

دفع التعاون المتزايد بين روسيا والصين بعض واضعي السياسات في الولايات المتحدة إلى التخوف من أن الدولة ربما تُضطر إلى خوض حربين على جبهتين، على سبيل المثال، ربما تهدد روسيا أحد حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا لتشتيت واشنطن أثناء مواجهتها مع الصين حول تايوان.

قال السناتور الأميركي جيم إينهوف العام الماضي إنه وفقاً للبيانات المعدلة حسب تكافؤ القوى الشرائية، فإن الدولتين مجتمعتين تنفقان على ميزانية الدفاع أكثر مما تفعل الولايات المتحدة. هناك قلق أوسع نطاقاً من أن الجمع بين القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية، التي يمكن أن تحشدها الاثنتان، يشجع زعماء العالم الآخرين ذوي الميول الاستبدادية، ويقوض الثقة في الديمقراطية كنظام سياسي، ويهدد النظام الدولي القائم على القواعد الذي تروج له الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ نهاية الحرب الباردة.

6) كيف أثرت حرب أوكرانيا على علاقة الدولتين؟

تجنبت الصين انتقاد الغزو، وألقت باللوم على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) في الصراع، كما اشترت النفط الروسي الذي تجنبته بعض الدول الأخرى، مما يمول بشكل غير مباشر آلة الحرب الروسية. لكن مما ظهر يبدو أن شي متردد في دعم الحرب بشكل قاطع، أو مساعدة روسيا على التحصن من التداعيات المالية الناجمة عن العقوبات الأميركية والأوروبية.

خلال سبتمبر الجاري، بعد الاجتماع الشخصي الأول بين الزعيمين منذ الغزو، ذهب بوتين إلى حد الاعتراف بأن الصين لديها "أسئلة ومخاوف" بشأن الغزو. وفي ظل تمتعها بناتج محلي إجمالي يناهز 8 أضعاف نظيره في روسيا، أصبحت الصين مهددة بشكل أكبر في الاقتصاد العالمي الذي ما تزال الولايات المتحدة والدول المتقدمة الديمقراطية الأخرى تهيمن عليه.

تصنيفات

قصص قد تهمك