بلومبرغ
بوفاة الملكة إليزابيث الثانية عن عمر يناهز 96 عاماً، تبدأ المملكة المتحدة عشرة أيام صاخبة، حيث ستشهد دفن ملكة، وحداد الأمة لوفاة أطول ملوكها حكماً، وإعلان ملك جديد للبلاد.
في غضون ساعات سيُعلن تشارلز، أكبر أبناء إليزابيث الأربعة، ملكاً رسمياً في حفل مراسمي يعود تاريخه إلى مئات السنين. يُعدّ تشارلز، 73 عاماً، أكبر من اعتلى العرش سناً على مر التاريخ البريطاني.
نُكِّست الأعلام بالفعل بمقدار نصف الصاري فيما تشرع البلاد في فترة حداد وطني. كما ستُعلّق أعمال السياسة العادية مع تدفق التعازي من جميع أنحاء العالم. في لندن، سيوضع نعش الملكة في قاعة وستمنستر قبل إقامة جنازتها الرسمية، والتي سيجري إعلانها عطلة رسمية.
سيشكّل الأسبوعان المقبلان صدمة بالنسبة لبلد اعتاد أن يحكمه نفس الملك لأكثر من 70 عاماً، ما يتجاوز أعمار 85% من السكان الحاليين. سيتعيّن على تشارلز الآن قيادة المؤسسة الملكية شبه الثابتة في بلد تغير منذ تولي والدته مقاليد الحكم لدرجة يصعب معها تمييزه. غير أن مملكته تواجه تفككاً محتملاً مع ضغط أسكتلندا من أجل الاستقلال من جهة، وحاجة البلاد لترسيخ مكانتها على الصعيد العالمي بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.
فيما يلي دليل يوضح كيف ستكون الأيام الأولى من عهد تشارلز، لكن لا تزال التفاصيل عرضة للتغيير:
يوم صفر (الخميس) | وفاة الملكة إليزابيث الثانية، وتشارلز يصبح ملكا بشكل تلقائي. |
اليوم الأول (الجمعة) | تدخل المملكة المتحدة في حداد لمدة 10 أيام، لا يصدر خلالها أي إعلان من جانب الحكومة، مع تعليق نشاط البرلمان بينما يقدم أعضاء البرلمان واجب العزاء وعبارات التكريم والمديح للملك الجديد، ويُعلن تشارلز ملكاً رسمياً على البلاد ويُنتظر أن يوجه خطاباً إلى الأمة في وقت متأخر من المساء ويُحتمل أن تُعلن التفاصيل الرسمية حول جنازة الملكة. |
اليوم الثاني (السبت) | يعقد أعضاء البرلمان اجتماعاً نادراً في عطلة الأسبوع، مع استمرارهم في الإعراب عن التكريم والمديح وتقديم العزاء وفقاً لتصريحات رئيس البرلمان، ثم يقومون بعد ذلك بأداء قسم الولاء للملك الجديد. |
بعد ذلك | نعش الملكة سوف يُعاد إلى لندن. |
اليوم الخامس | يُنتظر أن يصل نعش الملكة إلى وستمنستر هول حيث يُسجّى الجثمان رسمياً في نعش مكشوف. |
اليوم العاشر | جنازة رسمية في كنيسة "وستمنستر ". وعطلة رسمية وطنية. وإغلاق الأسواق، مع صمت لمدة دقيقتين حداداً. |
كيف يُنصَّب الملك الجديد؟
بموجب القانون، أصبح تشارلز ملكاً تلقائياً بمجرد وفاة والدته. لكن سيأتي الاعتراف الرسمي مما يُسمّى بمجلس الانضمام، والذي ينعقد عادة في غضون 24 ساعة من وفاة ملك البلاد.
تضم المجموعة أعضاء من مجلس الملكة الخاص، وهم تاريخياً أكثر المستشارين الموثوقين بالنسبة للحاكم. من المحتمل أيضاً أن تحضر رئيسة الوزراء الاجتماع في قصر سانت جيمس إذا كانت في لندن أو بالقرب منها. كما سيحضر مسؤولون من مدينة لندن والحي المالي الرئيسي في العاصمة والكومنولث، وهي مجموعة من الدول التي تتألف أساساً من أعضاء سابقين في الإمبراطورية البريطانية.
في العصر الحديث، درج اختيار رتب مجلس الملكة الخاص من السياسيين والأرستقراطيين ورجال الدين، لكن أصوله تعود إلى مجلس "ويتان" الأنغلوساكسوني في القرن السابع الميلادي، أو مجموعة الحكماء الذين يقدّمون المشورة للملك ويشرفون على الخلافة.
بعد الاجتماع، سيُعلن الملك الجديد من قبل رئيس المجلس، المعروف باسم غارتر ملك الأسلحة (Garter King of Arms)، والذي سيلقي خطاباً من شرفة التنصيب في قصر سانت جيمس المطلة على ساحة "فرياري". ثم يتكرر هذا الخطاب عبر البلدات والمدن في جميع أنحاء البلاد في تقليد يسبق الاتصالات الحديثة. توقّع أن تسمع: "ماتت الملكة. يعيش الملك".
جرت العادة أيضاً أن يقول الحاكم الجديد شيئاً لا يُنسى، حيث يُنشر لاحقاً في سجل الوقائع الرسمي للحكومة، ألا وهو صحيفة "ذا لندن غازيت".
هل سيُدعى الملك تشارلز؟
نعم، ومن المقرر أن يُعرف العاهل المُعلن حديثاً باسم الملك تشارلز الثالث، وفقاً لبيان صادر عن مكتبه.
يحق للملوك البريطانيين اختيار اسم جديد عند توليهم العرش. على سبيل المثال، اختار الملك إدوارد الثامن إدوارد لقباً ملكياً له، على الرغم من أنه كان معروفاً لعائلته وأصدقائه باسم ديفيد. كانت هناك تكهنات بأن تشارلز سيختار اسماً مختلفاً، حيث قُطعت رأس أحد الملوك الذين حملوا اسم تشارلز في عام 1649 إبان تحوّل إنجلترا إلى جمهورية تحت قيادة أوليفر كرومويل لفترة وجيزة.
هل ستصبح زوجته ملكة؟
زادت شعبية كاميلا، زوجة تشارلز الثانية و دوقة كورنوال، مع مُضي بريطانيا قُدماً بعد الوفاة المبكرة لديانا، أميرة ويلز، في حادث سير عام 1997.
في 2022، أصدرت الملكة إليزابيث تعليمات بأن تُلقّب زوجة ابنها بالملكة كاميلا كمكافأة على دعمها لتشارلز ودورها كفرد عامل في العائلة المالكة.
ماذا يحدث خلال الحداد الوطني؟
ستُنكّس الأعلام على المباني العامة بمقدار منتصف الصاري -باستثناء يوم إعلان تشارلز ملكاً- وسيتم فتح سجلات التعازي في السفارات البريطانية في جميع أنحاء العالم. لكن لا يزال من المتوقع أن يذهب أفراد الشعب إلى العمل والإبقاء على المتاجر مفتوحة.
سترقد الملكة ليلقي عليها البريطانيون نظرة الوداع بقاعة وستمنستر، التي تُعدّ بمثابة قلب مجلسي البرلمان في القرن الحادي عشر، كما سيُحمل نعشها على منصة تابوت ويخضع لحراسة أفراد القوات المسلحة. يُتوقع أن يشارك أفراد العائلة المالكة، بما في ذلك الابن الأكبر لتشارلز ووريث العرش الأمير وليام، في وقفة رمزية حول التابوت، تماماً كما فعلوا عندما وضع جثمان والدة الملكة إليزابيث لتوديعها في المكان ذاته عام 2002. أيضاً، سيتمكن العامة من الاصطفاف والمرور بجانب الجثمان لتقديم التعازي.
من سيحضر الجنازة الرسمية؟
من المحتمل أن يحضر الرؤساء وأصحاب السمو من العائلات الملكية من جميع أنحاء العالم الخدمة في كنيسة وستمنستر، على بعد أمتار قليلة من المكان الذي سيرقد فيه جثمان الملكة.
إذا حدث ذلك في أحد أيام العمل، فسيُعلن عطلة رسمية وستُغلق بورصة لندن.
متى سيُتوَّج تشارلز ملكاً؟
لن يحدث ذلك على الفور، إذ لن يبدأ التخطيط بشكل جدي لمراسم تتويجه إلا بعد انتهاء فترة الحداد الوطني. يُذكر أن ما يقرب من 16 شهراً فصلت بين اعتلاء والدته للعرش وتتويجها في عام 1953. لكن من غير المرجح أن ينتظر تشارلز تلك المدة نظراً لسنّه وتراجع المراعاة العامة للمؤسسة.
ستكون مراسم التتويج في كنيسة وستمنستر عبارة عن حدث احتفالي ضخم يحضره القادة من جميع أنحاء العالم. يذكر أن احتفالية تتويج والدته كانت من أوائل الأحداث الوطنية التي نقلها التلفزيون، وإن كانت بالأبيض والأسود المحببين، حيث اجتذبت جمهوراً يُقدّر بالملايين.
صُمِّم الطقس الديني لتقديم الحاكم لشعبه والتأكيد على كيفية اشتقاق سلطة الملك من الرب. خلال القُدّاس، سيمسح رئيس أساقفة كانتربري تشارلز بالزيت على جبينه ويديه، وسيقسم قسم التتويج، وهو الوعد بالحكم وفقاً للقانون وممارسة العدالة والتمسك بالبروتستانتية.
سيكون تشارلز رئيساً لكنيسة إنجلترا تلقائياً، ولكن على عكس ما حدث في الماضي، من المرجح أن يشمل القداس الطوائف المسيحية والديانات الأخرى.
في خروج آخر عن التقاليد، لا تتوقع أن يزدحم القداس بأعضاء مجلس اللوردات، حيث تعين بناء منصات متدرجة لاستيعاب أكبر عدد ممكن من النبلاء في المبنى القديم خلال تتويج والدته، وهي عادة من الماضي عندما كان الأرستقراطيون يجلون الملك و يدينون له بالولاء. غير أن جميع أقرانهم الأرستقراطيين بالوراثة تقريباً جرى عزلهم من مجلس اللوردات في عام 1999.
ما الصلاحيات التي سيتمتع بها تشارلز كملك؟
دور تشارلز مقيّد بشكل كبير وهو شرفي إلى حد كبير. سيتعيّن عليه أن يلتزم الحياد السياسي، ما يُعدّ تحدياً محتملاً بالنسبة للرجل الذي عبّر في الماضي بوضوح عن آرائه حول قضايا تتراوح من حماية البيئة إلى إخفاقات العمارة الحداثية.
وعلى الرغم من أنه يعيّن رئيس الوزراء رسمياً، إلا أنه مطلوب منه تعيين شخص يحظى بدعم غالبية أعضاء البرلمان. لم يسبق أن أقال أي ملك حكومة من تلقاء نفسه منذ عزل ويليام الرابع اللورد ملبورن في عام 1834. كما لم يستخدم أي ملك حق النقض ضد أي قانون صادر عن البرلمان منذ الملكة آن في عام 1708. سيحضر تشارلز افتتاح البرلمان الرسمي كل عام، لكن وزراءه سيكتبون ما يُسمّى بخطاب الملك الذي يلقيه.
هذا لا يعني أن تشارلز سيكون مجرد شخصية صوريّة. بل سيكون له تأثير كبير، حيث سيطلع على جميع الأوراق الحكومية كيفما شاء، وسيعقد لقاءات أسبوعية مع رؤساء وزرائه، وسيستقبل شخصيات أجنبية بارزة. سيكون أيضاً قائداً للقوات المسلحة، إذ يقسم الجنود البريطانيون يمين الولاء للملك، وليس للحكومة الحالية.
هل سيترأس الكومنولث؟
نعم، سيصبح تشارلز أيضاً رئيساً للكومنولث، الاتحاد السياسي المكون من 54 دولة، والذي تعود جذوره إلى الإمبراطورية البريطانية. على الرغم من أن هذا المنصب لا يُورَّث، فقد أعلن قادة دول الكومنولث في عام 2018 -بناءً على طلب من الملكة- أن يؤول المنصب إلى ابنها.
لكن البعض جادل بأن رئاسة يتناوبها الأعضاء من شأنها أن تخدم الكومنولث بشكل أفضل، مما يعكس العلاقة الحديثة القائمة بين الدول على أساس المساواة.