نادرا ما واجه رئيس أمريكي جديد تحديات صعبة بقدر التي يتعين على جو بايدن مواجهتها، فالاقتصاد متضرر من وباء لا يزال غير خاضع للسيطرة، والذراع التنفيذية للحكومة مصابة بالشلل بعد أربع سنوات من سوء الإدارة والمخالفات، وهناك تغييرات طارئة في السياسة لا يمكن أن تنتظر أكثر، وينبغي التعامل مع انتقال السلطة في ظل تدابير عزل ثانية للرئيس المنتهية ولايته، والأدهى من كل ذلك، تناقض الدولة مع نفسها لدرجة جعلت من الاضطرابات المدنية تهديدا حقيقيا.
وأصبح ملايين الأمريكيين لا يتمنون شيئا أكثر من استئناف حياتهم الطبيعية والذهاب لأعمالهم بسلام، ومؤخرا، أصبح مثل هذا الأمل البسيط بعيد المنال، ويعد تنصيب الرئيس اليوم - بتدابير خاصة نتيجة للوباء والمخاوف الأمنية العالية - بمثابة تذكير واقعي بما هو على المحك، كما أنه فرصة ينبغي استغلالها لأن الولايات المتحدة تحتاج بداية جديدة.
ترشيحات ملهمة
وبالتأكيد، بايدن ليس وجها جديدا، وقد تكون خبرته وطباعه هي ما نحتاجه في هذه اللحظة، فهو معتدل ويسعى لتحقيق أكبر قدر ممكن من التعاون، وهذا أقل المطلوب لإصلاح الدولة، وإذا قام الآخرون بدورهم، فإن حكومته قد تحقق هدفين شاملين، الأول بسيط نسبيا، وهو استعادة الكفاءة الأساسية للحكومة والتي كانت مفقودة بشكل مخيف أثناء تولي سلفه السلطة، والثاني أكثر صعوبة وهو نشر الخطاب الديموقراطي البراغماتي وفي نفس الوقت تهدئة الأحقاد التي تهدد بشلل الدولة وتقسيمها على نحو لا رجعة فيه.
وفيما يتعلق بكفاءة الحكومة، فإن ترشيحات بايدن ملهمة، فقد عين أشخاصا مؤهلين ومرموقين في أكبر المناصب، ويفترض أن تنال أغلب ترشيحاته دعم الحزبين وأن يتم التأكيد عليها دون تأخير.
ومع ذلك، فإن أفضل المسئولين لا فائدة لهم إذا لم يكن الرئيس سيستمع إليهم، وكان واحد من أكبر إخفاقات ترمب هو ادعاؤه بأنه يفهم أمورا من الواضح أنه لا يفهمها متجاهلا ومعارضا خبراءه (الذين كانوا لا يفهمون كذلك)، وهذا الغرور أصاب كل سياسة، ومع ظهور الوباء، كلف خسارة آلاف الأرواح، وأظهر ترمب هذه الصفة لأقصى حد، ولكن وفقا لمقاييس الساسة الطبيعيين العاقلين، يبدو بايدن راغبا في الحصول على المشورة السديدة واتباعها.
ويتمثل الاختبار الأصعب للرئيس الجديد هو تقليص فجوة الانقسام السياسي في الدولة، وفي نفس الوقت التحرك سريعا على جبهة الأولويات مثل تدابير الإغاثة من كوفيد، والوظائف، والبنية التحتية، والتعليم، وعدم المساواة، والتغير المناخي، كما تستدعي الهجرة الوافدة انتباها عاجلا لأن النظام الحالي يضعف حيوية الدولة، كما يتعين التعامل مع الصدام بين الشركات الكبيرة والخطاب المدني بحكمة مع التمسك بالمبادئ الدستورية التي أثبت الزمن صلاحيتها، وينبغي أن تستعيد الولايات المتحدة مكانتها العالمية من أجل هذا البلد ومن أجل أصدقائه حول العالم.
إدانة ترمب
ولا يستطيع بايدن فعل كل ذلك وحده، وأقل ما يمكن البدء به هو العمل مع الكونغرس لإدانة ترمب وحرمانه من الترشح مجددا، وهي عملية يجب إتمامها بأسرع وقت ممكن وإلا سيخاطر بايدن بأن يجعل مهماته الصعبة مستحيلة، ومن الجيد أن الرئيس الجديد لديه سجل طويل من العمل داخل الحكومة ويفهم مخاطر الاستقطاب المتزايد، ويمكنه على الأقل الحديث - إذا لم يكن مع مؤيدي ترمب المتشددين - مع الجمهوريين الذين لا يزالون يفهمون المخاطر التي تواجه الدولة، ويزيد الكونغرس المنقسم بفارق ضئيل - واحتمالية إجراء انتخابات نصفية بعد عامين - من ضرورة البحث عن حلفاء لدفع أجندته.
ويتعين على الديمقراطيين في الكونغرس وعبر الدولة إعطاء الرئيس الجديد المساحة لإبرام صفقات تشريعية حيث يمكن إبرام صفقات جيدة، بدءا من حزمة تحفيز كوفيد التي أعلن عنها الأسبوع الماضي، ومن الضروري أيضا أن يتوقف الجمهوريون عن المعارضة التلقائية لكل ما يقترحه الرئيس الديموقراطي، ويتصرفون على أساس أنهم شركاء في الحكومة وليسوا معارضين عنيدين، ويتعين على حزبهم أن ينأى بنفسه عن المؤيدين الذين يرون أنهم يحيون الوطنية لأن هذه المشاعر سامة، وإذا لم يتمكن الجمهوريون من التخلص من التكتيكات العمياء والرفض الصريح للآخر والذي دفع بترمب لقيادة حزبهم، فلا ينبغي عليهم مجددا توقع ولا استحقاق دعم الأغلبية في الدولة.
وتحتاج أمريكا تغيير المسار في العديد من الجوانب السياسية، والأمر الهام بنفس القدر هو استعادة الثقة في الحكومة وفي فكرة المعارضة الموالية، وإذا فشلت الدولة في واحدا من الثلاثة أمور تلك، فإن مستقبلها سيكون هش، ويحتاج بايدن كل المساعدة الممكنة ويتعين على الدولة دعوة الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء للقيام بدورهم.