أثار النفوذ الصيني المتزايد في الدول الصغيرة الواقعة في المحيط الهادئ القلق بين القوى التي هيمنت تقليدياً على المنطقة، وهي أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة، وإذا كانوا يريدون وقف تقدم بكين؛ فسيتعيّن عليهم البدء في تقديم المزيد في المقابل.
أظهرت اتفاقية أمنية مع جزر سليمان تم توقعيها في وقت سابق من هذا العام لأول مرة نطاق طموحات بكين، فقد سمحت للشرطة والجيش الصينيين بالعمل في البلاد. وعُرضت صفقات مماثلة على مجموعة من 10 دول إلى جانب زيارة وزير الخارجية وانغ يي في مايو. يسعى وانغ الآن لعقد اجتماع مع وزراء خارجية الدول الجزرية في نفس الوقت الذي يجتمع فيه القادة في يوليو في "المنتدى السنوي لجزر المحيط الهادئ"، الذي يعتبر الهيئة الرئيسية متعددة الأطراف في المنطقة.
باستطاعة الصين أن تكون نشطة للغاية في دبلوماسيتها لأنَّ الوضع الراهن أصبح قديماً، ولم يعد يخدم مصالح هذه الحكومات بشكل واضح.
تقليدياً، تم تقسيم المحيط الهادئ بين منطقة نفوذ أسترالية في المناطق الجبلية الأكثر اكتظاظاً بالسكان في بابوا غينيا الجديدة وميلانيزيا؛ ومنطقة نفوذ نيوزيلندا في الأرخبيلات البولينيزية جنوب خط الاستواء؛ ومنطقة نفوذ أميركية في جزر ميكرونيزيا الصغيرة الممتدة بين هاواي وغوام شمال خط الاستواء.
من الصعب القول إنَّ المنطقة قد حقّقت أداءً جيداً للغاية من خلال هذا الترتيب. فبسبب العزلة الجغرافية والتعداد السكاني الضئيل؛ تؤدي دول المحيط الهادئ أداءً أسوأ بكثير من الدول الجزرية الصغيرة في أماكن أخرى من العالم. السياحة خارج فيجي بدائية؛ وحتى يومنا هذا، تتكوّن معظم صادرات السلع من الأسماك وجوز الهند واللؤلؤ. تم القضاء على المراكز المالية الحرة التي ساعدت في جعل موريشيوس والعديد من دول الكاريبي غنية نسبياً قبل تأسيسها.
عند تعديل مستويات الدخل لتتناسب مع تكلفة المعيشة المرتفعة نسبياً، تكون على قدم المساواة مع أفريقيا في جنوب الصحراء.
لكن ما تفتقر إليه دول المحيط الهادئ من حيث القوة الاقتصادية، تعوضه بورقة واحدة قوية؛ أي: سيادتها.
إذا قمت بتضمين تيمور الشرقية، فإنَّ دول جزر المحيط الهادئ تشكّل 13 من 38 عضواً من "الدول الجزرية الصغيرة النامية" التي تتجمّع في الأمم المتحدة. تتمتع تلك الكتلة، من الناحية النظرية، بقوة تصويتية أكبر من 27 دولة في الاتحاد الأوروبي، أو 22 دولة غير جزرية في الأميركتين، مما يعني أنَّه بإمكانها المساعدة في تأمين تعيينات اللجان والمكاسب الدبلوماسية لحلفائها.
علاوة على ذلك، تقع دول ميلانيزيا مثل جزر سليمان على مسافة أقل من 2000 كيلومتر (1200 ميل) من ساحل أستراليا، مما يجعل الوجود العسكري الصيني هناك مصدر قلق لكانبيرا.
تتمتّع حكومات الجزر بتاريخ طويل من الدبلوماسية التجارية من أجل الحصول على المساعدة الإنمائية. كما أنَّ 4 من الدول الـ14 التي تعترف بتايوان بدلاً من سيادة الصين عليها تقع في المحيط الهادئ؛ بينما قام 3 آخرون في الماضي بتبديل ولائهم بين تايبيه وبكين لتحقيق أقصى منفعة من المنافسة الجيوسياسية بين القوى.
إنَّ استعدادهم للنظر في المزيد من المبادرات الجوهرية الصادرة عن بكين هو علامة على أنَّ هذه الدول أصبحت أكثر حزماً، وفقاً لسارينا ثيس، محاضرة في الدبلوماسية في "جامعة جنوب المحيط الهادئ" في سوفا، فيجي، اليت، إذ تقول: "إنَّهم يدركون أنَّ لديهم قوة أكبر مما كانوا يعتقدون في البداية... لقد أصبحوا أكثر صراحة، ويطالبون بمكانتهم على المسرح العالمي".
بهذا المعنى، لا يُنظر إلى اهتمام الصين المتزايد محلياً على أنَّه تهديد، ولكنَّه فرصة لاكتساب النفوذ مع القوى الكبرى التقليدية على أطراف المحيط الهادئ. كان أول عمل لوزيرة الخارجية الأسترالية بيني وونغ بعد وصولها إلى السلطة في انتخابات مايو هو القيام بزيارة دبلوماسية للتودد للحكومات المنجذبة لمبادرات بكين. كما وعدت حكومة وونغ بفتح الباب بشكل أكثر أمام العمالة والهجرة الدائمة إلى أستراليا.
عيّن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في مارس سفير الولايات المتحدة السابق في ماليزيا للإشراف على تجديد الاتفاقيات التي تنتهي صلاحيتها على مدار العامين المقبلين مع بالاو، وجزر مارشال، وولايات مايكرونزيا المتحدة، وهي ثلاث دول مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأميركا من خلال الهجرة واتفاقيات التنمية.
على الولايات المتحدة أن تولي جزر المحيط الهادئ المزيد من الاهتمام في مواجهة الصين
من جهة نصيب الفرد؛ كانت القوى الأكبر في المحيط الهادئ سخية بشكل غير عادي من حيث منح المساعدات والمساعدة الإنمائية على مر السنين. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت وعود بكين للاستثمار ستتحقق، أو أنَّها ستكون فعالة إذا تم تحقيقها. إنَّ تجربة بلدان مثل سريلانكا وباكستان، التي تُركت مع الكثير من الديون والبنية التحتية غير المستغلة، توصي بسياسة الحذر.
من الواضح أنَّ الصين ليست طرفاً فاعلاً أفضل في أكبر قضية بالنسبة لحكومات الجزر أيضاً؛ أي الاحتباس الحراري الذي يهدد بقاء بعض الدول الأكثر انخفاضاً.
تقول ثيس: "يعتبر تغيّر المناخ تحدياً وجودياً في المنطقة... إنَّه أهم تهديد أمني تواجهه دول جزر المحيط الهادئ".
ومع ذلك؛ فإنَّ توفير مساحة دبلوماسية أكثر تنافسية في المحيط الهادئ يصب في مصلحة المنطقة إلى حد كبير، حتى لو كان يزعج الجيران الذين أصبحوا مرتاحين للوضع الراهن. فعبر التفكير، لكن في نهاية المطاف تم رفض الاتفاق الأمني الذي يضم 10 دول الذي اقترحه وانغ، أظهرت حكومات الجزر أنَّها تُنمي مهاراتها في فن الحكم التقليدي للقوى الصغيرة، وذلك عبر تلاعبها بالدول الأكبر ضد بعضها.
سيتعيّن على القوى الكبرى أن تولي المزيد من الاهتمام لمنطقة المحيط الهادئ في تعاملاتها المستقبلية، وهذا ليس بالأمر السيئ بالنسبة لحكومات الجزر.