من أين يأتي الرؤساء العظماء؟

قلة من المواطنين يهتمون حقاً بالسياسة والشؤون العامة ويميل شديدو الاهتمام للمناصرة الراسخة وبالتالي لا يُرجح أن يغيروا توجههم الانتخابي

time reading iconدقائق القراءة - 17
المكتب البيضاوي في البيت الأبيض - المصدر: بلومبرغ
المكتب البيضاوي في البيت الأبيض - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

كتب كونور فريدرسدورف من مجلة "ذي أتلانتك" متسائلاً: "باستطاعتك تعيين أي مواطن أمريكي رئيساً لولاية واحدة... طالما أن من ستختاره لم يسبق له السعي للرئاسة. من ستعين في البيت الأبيض ولماذا؟"

أجج هذا الطرح تغريدات من أكاديميي السياسة عبر تويتر. ردّ هانس نويل من جامعة "جورج تاون"، على سبيل المثال، كما يلي: "المشكلة تكمن في السؤال، بأن تدعو الأشخاص للتفكير بشخص عظيم على التحديد، فالرئيس الأفضل ليس شخصاً بعينه بل هو فرد قادر على العمل مع باقي أعضاء الحكومة وحزبه... التصويت لشخصٍ بدلاً عن حزب هو أخبث نتاج التفكير السياسي".

قد تتساءلون ما الغضاضة بطرح سؤال افتراضي لدرجة أن يزعج أفراداً يعكفون على دراسة الرئاسة والنظام السياسي الأمريكي، ويفهمون تماماً أن القصد ليس اقتراحاً واقعياً للتخلي عن نظام الانتخابات والسماح لفرد واحد منّا باختيار الرئيس.

أولاً هناك مسألة الإيحاء بأهمية منصب الرئيس. الرؤساء لاعبون سياسيون مهمون لكن تكبلهم أشكال من القيود في مكاتبهم، بما في ذلك أن أياً منهم ما هو إلا فرد ضمن جمع مؤسسة الرئاسة الذي يضم موظفي البيت الأبيض والمكتب التنفيذي للرئيس. لذا يسهل الإفراط بتقييم أهمية منصب الرئيس.

كما يُنسب لشخص الرئيس وأسلوبه وطبيعة شخصيته، خطأً، كثير مما لا علاقة له به، حيث سيفعل أي شخص يرشحه الحزب الذي ينتمي له الرئيس نفس ما سيفعله الرئيس حيال كثير من الأمور. فما يؤخذ بعين الاعتبار حيال أمور أخرى هو مصلحة الأمة؛ لذا فإن غالبية الأشخاص الذين يجلسون في المكتب البيضاوي سيقاربونها بنفس الطريقة. يتضح في العديد من الحالات أن دور الرئيس هامشي على أدنى تقدير فيما يتعلق بالقرارات التي يتخذها فعلياً الكونغرس أو المحاكم أو بيروقراطيو الرافد التنفيذي أو حكومات الولايات أو الحكومات المحلية أو الأفراد.

تعيين الرئيس

أعتقد أن هناك جزءاً آخر من فرضية فريدرسدورف يزعجني أكثر، وهو الجزء المرتبط بتعيين شخص ما.

ما هي فائدة الانتخابات؟ نفكر عادة بالانتخابات على أنها تتعلق بطريقة أساسية بقدرة الناخبين على السيطرة على الحكومة، وهذا مهم بالتأكيد! إن اعتقد الشعب أن الأمور تسير بطريقة سيئة، فسيتخلصون من مجموعة واحدة من عديمي الفائدة وينتخبون مجموعة أخرى من عديمي الفائدة. أما في حال بدت الأمور تسير بطريقة جيدة، فسيحافظون على عديمي الفائدة الحاليين في مناصبهم. يخلق هذا حافزاً قوياً للسياسيين، لكن ذلك يحدث بحدود؛ لأن قلة من المواطنين يهتمون حقاً بالسياسة والشؤون العامة ويميل شديدو الاهتمام للمناصرة الراسخة وبالتالي لا يُرجح أن يغيروا توجههم الانتخابي.

هناك مزيد. ينبغي أن يسفر السباق الانتخابي الناجح عن رؤساء يتمتعون بمهارات مناسبة لهذه الوظيفة، وهي مهارات سياسية، كما يشير نويل. يفهم السياسيون الجيدون طبيعة النظام تماماً كما أنهم بارعون باستنباط المعلومات المفيدة، التي تتيح لهم التعامل بنجاح مع من يتعين على الرئيس أن يتعامل معهم وهم مجموعات متباينة من المواطنين. كما أنهم بارعون بالمساومة وتشكيل التحالفات والحفاظ عليها وأكثر من ذلك.

تلقين المهارات

لا تميل الانتخابات لاختيار تلك المهارات فحسب بل تلقنها للمرشحين، حيث إن المساومة وبناء التحالفات من القدرات المتوجبة عادة للفوز بترشيحات الأحزاب الكبرى. حين تختل أنظمة الترشيح والأحزاب، كما حدث مع الديمقراطيين في سبعينيات القرن الماضي والجمهوريين حالياً، لا يتعلم المرشحون الدروس الملائمة، وربما يكون أداؤهم سيئاً كرؤساء إن فازوا.

توجد طريقة ثانية للنظر في دور الانتخابات عبر عدسة التمثيل. يؤسس الرؤساء، كما حال المسؤولين المنتخبين كافة، علاقات تمثيل لناخبيهم عبر وعود حملاتهم الأولية ثم يؤدون عملية الحكم مع أخذ هذه الوعود في الاعتبار. تلك الوعود، التي قد تضمن كل شيء بداية من سياسات محددة وصولاً إلى نمط العمل في المنصب، تعد مسألة جوهرية للحكومة في النظام الجمهوري.

تدور الفكرة حول أن الحكم الذي يرضي الأمة لا يتأتى من رئيس ذي رؤى عميقة لبلوغ أفضل السياسات التي يمكن تطبيقها، بل من مجموعة متكاملة من الساسة بمن فيهم هذا الرئيس يجيدون جمع أفكار حول ما سيجعلهم ناجحين سياسياً، وتلك بدورها تتحول إلى سياسة عامة صالحة.

تتماشي فكرة "تعيين" رئيس مع مفاهيم خاصة بحكومة مختلفة كلية. حكومة كتلك التي يمثّلها رؤساء مثل وودرو ويلسون وجيمي كارتر، وهي تعني أن الرئيس، بحكم انتخاب الأمة بأسرها له، لديه صلة غامضة بالناس ولديه القدرة على التأكد مما يرغبون به فعلاً. يوجد لدى هؤلاء الرؤساء غالباً اعتقاد بأن معرفتهم بالناس أفضل من أعضاء الكونغرس أو قادة مجموعات المصالح. هم دائماً على خطأ.

أهمية الخبرة

في الأغلب تُدمج هذه الفكرة مع تصور أن السياسة تصّعب الحكم، وأن المطلوب فعلاً هو توافر خبرة. هذا رهان سيئ أيضاً. تعد الخبرة الحيادية أحد المصادر المهمة لتوفير المعلومات للرؤساء والسياسيين الآخرين لكنها لا تكفي. يعود ذلك لسبب واحد، وهو أنه ليس هناك رئيس يمتلك كل هذه الخبرة لأن حكومة الولايات المتحدة شديدة التعقيد بحيث لا يلّم بها أي شخص بما يكفي. كما لا يكفي تعيين خبراء والانصياع لهم. تشتمل الخيارات التي يتعين على السياسيين تبنيها على أحكام معقدة ومصالح متضاربة ومقايضات معقدة. إنها طبيعة السياسية.

ليس من يمثل مفهوماً مجرداً للعظمة هو الأفضل لتولي هذه الوظيفة. يمتلك هؤلاء مهارات سياسية متقدمة، من النوع الذي يستقى عبر الترشح للمناصب الأدنى وعبر الخدمة في المجالس التشريعية والمناصب التنفيذية المنتخبة ويليها خوض سباق الانتخابات الرئاسية. لا يضمن ذلك تحقيق النجاح. لا يوجد شيء يضمن ذلك. لكن الرهان الديمقراطي هو أن الزعماء المنتخبين ممن لديهم هذه المهارات السياسية، يقدمون لنا فرصة النضال لتحقيق نجاح في الحكم الذاتي عالي الجودة والسياسة العامة السليمة.

يأتي انزعاج أكاديمي السياسة الشديد لأن سبل التفكير بالقيادة السياسية الأخرى لها قبول شعبي وأبطال بارزون في ثقافة الولايات المتحدة وتاريخها، بمن فيهم رؤساء مثل ويلسون وغيره. كما هو معتاد هنالك عدد أقل بكثير من الأفراد يدافعون عن فضائل السياسة.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات
النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

واشنطن

8 دقائق

3°C
مطر خفيف
العظمى / الصغرى /
20.4 كم/س
87%
الآراء الأكثر قراءة