بلومبرغ
استمرت مكالمة الفيديو بين الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتين نحو ساعتين. سيستغرق الأمر شهوراً لمعرفة ما إذا كان الطرفان قد نجحا في نزع فتيل الأزمة بشأن أوكرانيا.
سعى بايدن إلى إرسال رسالة واضحة مفادها أنه يجب على روسيا عدم المضي قدماً في غزو أوكرانيا كما تخشى الولايات المتحدة، وستواجه روسيا عقوبات اقتصادية ضخمة إذا فعلت ذلك. في غضون ذلك، أراد بوتين أن تعلم الولايات المتحدة أن روسيا لن تتسامح مع توسع الناتو شرقاً أو نشر أسلحة في أوكرانيا.
قال بوتين للصحفيين في سوتشي يوم الأربعاء إنّ المحادثات كانت "منفتحة للغاية وموضوعية وبناءة". وأضاف أن روسيا لا يسعها إلا أن تشعر بالقلق إزاء احتمال انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، قائلاً: "ننطلق من افتراض أن مخاوفنا سيجري الاستماع إليها، على الأقل في هذه المرة"، مضيفاً أن الجانبين اتفقا على إنشاء هيئة لفحص القضية بالتفصيل وأن روسيا ستقدم مقترحاتها في غضون أسبوع.
لم يوافق بايدن على مطالب "الخط الأحمر" لبوتين. ولم يقدم بوتين أي وعد بسحب 175 ألف جندي تقول الولايات المتحدة إنه يحشدها على طول الحدود الأوكرانية.
أبرز ذلك كيف يبدو أنه ليس لدى المسؤولين الأمريكيين وضوح جديد بشأن السؤال الأساسي القابع في قلب هذه المواجهة الحديثة مع روسيا، ألا وهو ما إذا كان بوتين يعتزم غزو أوكرانيا مرة ثانية، بعد الاستيلاء على شبه جزيرة القرم في عام 2014.
اقرأ أيضاً: خيارات الولايات المتحدة الاقتصادية "النووية" لمعاقبة روسيا
قال الجانبان إنهما أوصلا رسائلهما إلى الجانب الآخر، وإن لديهما أملاً حذراً في أن يؤدي ذلك -إن لم يكن إلى تخفيف حدة التوترات- إلى كسر التصعيد الشديد الذي شهدته الأسابيع الأخيرة على الأقل.
تقول فيكتوريا زورافليفا، خبيرة السياسة الخارجية في مركز أبحاث "معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية" (IMEMO) الذي تديره الدولة، والذي يتخذ من موسكو مقراً له: "كان بايدن بحاجة إلى إظهار أنه مستعد لاتخاذ إجراءات فعالة... أظهر بوتين أن موقفه متشدد لكنه مستعد للتحدث". وتضيف: "كان أداء كل جانب بالطريقة التي يحب أن يرى نفسه بها".
مخاوف روسيا
على المدى القصير، بدت المكالمة يوم الثلاثاء وكأنها انتصار آخر للزعيم الروسي، المتخصص في إبقاء أمريكا في حالة تخمين بشأن نياته. بعد اجتماع الزعيمين وجهاً لوجه في يونيو وثلاث مكالمات هاتفية مع بايدن منذ يناير، عزز بوتين مكانته كقوة يجب أخذ رغباتها في الاعتبار، في الوقت الذي تسعى فيه إدارة بايدن إلى تعزيز تحالفاتها مع الدول الأوروبية وأوكرانيا.
قال حلف الناتو إنه منفتح لعضوية أوكرانيا ودول أخرى بشرط استيفاءها معايير العضوية، لكنه لم يظهر أي مؤشر على استعداده لقبول طلب في أي وقت قريب.
صرح بوتين للصحفيين في سوتشي بعد لقائه رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بأنه في حين أن لكل دولة الحق في اختيار الترتيبات الأمنية الخاصة بها "يجب أن يحدث ذلك بطريقة لا تنتهك مصالح الأطراف الأخرى ولا تقوض أمن الدول الأخرى، أي روسيا في هذه الحالة".
بدوره، قال ميتسوتاكيس: "إنه لأمر إيجابي للغاية أن يكون (بين بوتين وبايدن) نقاش مطول". وأضاف: "آمل أن تكون هناك خريطة طريق لخفض التصعيد المتبادل، وإلا فإننا سننقاد إلى أوضاع ترجعنا عقوداً عديدة إلى الوراء، وهذا على ما أعتقد شيء لا يسعى إليه ولا يريده أحد".
من جانبها، أوردت إدارة بايدن تفاصيل العقوبات التي هي مستعدة لفرضها على روسيا إذا هاجمت أوكرانيا، وهي عقوبات تقول الولايات المتحدة إنها ستشل الشؤون المالية للبلاد. وقال مسؤولو الإدارة أيضاً إنهم يتوقعون أن توقف ألمانيا خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" الممتد من روسيا في حالة حدوث غزو.
اقرأ أيضاً: بايدن يدرس عقوبات تستهدف البنوك الروسية إذا غزا بوتين أوكرانيا
اقرأ المزيد: تسييس خطوط أنابيب الغاز الطبيعي سيعاني منه الجميع
كما أوضح فريق بايدن أن أي غزو من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية على بوتين. فبدلاً من فصل أوكرانيا عن الغرب، سترسل الولايات المتحدة مزيداً من الأسلحة الدفاعية إلى البلاد. وستكون الولايات المتحدة على استعداد لنشر مزيد من القوات في البلدان الأعضاء في الناتو، إذ تُجري القوات الأمريكية بالفعل تناوباً مكثفاً. في الوقت نفسه، قال بايدن إنه سيكون على استعداد لمناقشة القضايا الاستراتيجية الأوروبية.
قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان للصحفيين: "لم يكن هناك أي تلويح بالسبابة، لكن الرئيس كان واضحاً تماماً بشأن موقف الولايات المتحدة بشأن كل هذه القضايا... إنه لا يفعل هذا من باب التهديد المبالغ فيه... ولا يفعله لتوجيه تهديدات جوفاء... إنه يفعل ذلك ليكون واضحاً ومباشراً مع كل من الروس ومع حلفائنا الأوروبيين".
يتمثل التحدي الذي يواجه بايدن في أن بوتين يحمل معظم الأوراق، إذ أظهر غزوه لشبه جزيرة القرم في عام 2014، ودعمه للانفصاليين في شرق أوكرانيا، أنه مستعد لالتزام قوات برية وموارد ضخمة لمحاربة أوكرانيا، وهو أمر لم تكن الولايات المتحدة وحلفاؤها على استعداد لفعله مطلقاً.
يقول فريدريك كاغان، مدير "مشروع التهديدات الحرجة" في "معهد أمريكان إنتربرايز" (American Enterprise Institute):
"في كل مرة يختلق فيها بوتين أزمة ويتواصل معه الرئيس الأمريكي، فإن ذلك يعزز هدف بوتين المتمثل في إعادة تأسيس روسيا كقوة لا يستهان بها".
من جانبها، تقول زورافليفا من "معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية" إن اتصال يوم الثلاثاء "سيؤدي إلى خفض التصعيد لفترة قصيرة... لكن من الواضح أن هذا الصراع لن يُحَل".
صرح يوري أوشاكوف، مساعد بوتين، للصحفيين بعد المحادثات بأن الزعيمين تمازحا وتبادلا الإطراءات واستذكرا التحالف بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية.
ورحب أوشاكوف بالموافقة الأمريكية على إجراء مزيد من المحادثات بشأن مخاوف روسيا بشأن توسع الناتو، والمساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا، التي ألقى بوتين باللوم عليها في تأجيج التوترات. كما سلط أوشاكوف الضوء على موافقة بايدن على السماح لروسيا بزيارة المنشآت الدبلوماسية التي صادرتها الولايات المتحدة خلال فترات التوتر على مدى السنوات القليلة الماضية.
لكن عندما سُئل عما إذا كان بوتين قد تعهد بسحب القوات الروسية المحتشدة بالقرب من الحدود الأوكرانية، أجاب أوشاكوف رافضاً بقوله: "إلى أين يجب أن نسحب قواتنا؟ إنهم على الأراضي الروسية".
من جهة أخرى، قال ديمتري ترينين، رئيس مركز "كارنيغي موسكو"، على "تويتر": "إن اعتراف بعضنا لبعض بالمخاوف الأمنية هو أمر أساسي... في الغرب مخاوف الحرب لم تهدأ بعد، لكن التحدث مطولاً أفضل من الحرب".
على الرغم من أن رغبة بايدن في الحصول على الوضوح ربما أعطت بوتين فكرة أفضل عن موقف الولايات المتحدة، فإنّ الصعوبة التي يواجهها بايدن تكمن في أن بوتين يزدهر بإبقاء خصومه في حال إرباك.
وبينما يسعى بايدن إلى تهدئة الخطاب حول أوكرانيا والتركيز على قضايا أخرى -مثل أجندته المحلية والوباء والتهديد الذي تشكله الصين- يبدو أن بوتين يكتسب نفوذاً في كل مرة تحدث تحركاته إنذاراً جديداً في البيت الأبيض.
تقول هيذر كونلي، مديرة في "برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا" في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، إنّ "مصدر نفوذ بوتين تجاه الولايات المتحدة هو أن تكون روسيا بطبيعتها متقلبة ولا يمكن التنبؤ بها". تريد الولايات المتحدة وأوروبا تهدئة التوترات، لكن الكرملين يسعى إلى التصعيد لكسب تنازلات غربية.