الشرق
جمعت مصر، المتعطشة للسيولة الدولارية، أكثر بقليل من ثلث مستهدف مبادرة تيسير استيراد سيارات المصريين المقيمين في الخارج، والتي انتهت مطلع هذا الأسبوع.
أطلقت وزارة المالية المصرية، في نوفمبر، مبادرة "تيسير استيراد سيارات المصريين في الخارج"، والتي تقوم على إعفاء السيارات المستوردة من الضرائب والرسوم مقابل وديعة في البنك المركزي بالعملة الأجنبية لمدّة 5 سنوات، تُسترد بعدها بالجنيه المصري بسعر صرف وقت الاسترداد، وكانت تستهدف منها جمع ما يصل إلى 2.5 مليار دولار.
"حصيلة المبادرة بلغت حوالي 900 مليون دولار، وهذا رقم جيد في ظل الأوضاع الاقتصادية المضطربة.. لو قامت وزارة المالية بمد الفترة لن ترتفع الحصيلة بمعدل ملحوظ"، بحسب مسؤول حكومي تحدث مع "اقتصاد الشرق"، مشيراً إلى أن تأثير المبادرة على الحصيلة الجمركية سيكون محدوداً.
تعاني مصر شحّاً في العملة الأجنبية منذ اندلاع الأزمة الروسية-الأوكرانية في فبراير 2022، كما أن رفع أسعار الفائدة الأميركية طوال عام 2022، أدّى إلى خروج أكثر من 22 مليار دولار من الأموال الساخنة الأجنبية المستثمرة بأدوات الدَّين، مما دفعها لتحرير سعر عملتها بنحو 3 مرات خلال 15 شهراً، ورفعت أسعار الفائدة 1000 نقطة أساس خلال نفس الفترة لكبح معدلات التضخم بها التي تجاوزت 30%.
مصر تسعى لزيادة مواردها الدولارية عبر سيارات المغتربين
شهية المُغتربين
إيهاب خليفة، الذي يعمل باحثاً في مجال التكنولوجيا بدولة الإمارات، يرى أن "المبادرة عادلة وجذبت مدخرات كل من يرغب في استقدام سيارته من الخارج. لاقت المبادرة رواجاً بين المصريين في الخليج ولذا نجحت، ولو تم مد فترة الاستفادة من المبادرة لمدة أخرى سيكون المستفيدون الجدد هم المغتربون الجدد".
المبادرة المصرية، التي استمرت لنحو 5 أشهر وجذبت نحو 170 ألفاً من المصريين المقيمين في الخارج، واجهت عدة انتقادات عند إطلاقها في نوفمبر الماضي، وهو ما دفع الحكومة لتعديلها في مارس الماضي.
خليفة أضاف أن "المُبادرة عند إطلاقها في نوفمبر، لم تكن جاذبة، ولكن التعديلات التي أقرها مجلس النواب ونفذتها الحكومة المصرية في مارس فتحت شهية المُغتربين على المشاركة".
بلغت حصيلة المبادرة 307 ملايين دولار خلال أول 3 أشهر من إطلاقها، لكنها في 30 يوم عمل فقط بعد تعديل رسومها في مارس، جذبت 593 مليون دولار، أي أن متوسط الحصيلة اليومية بعد التعديلات بلغ خمسة أضعاف الحصيلة اليومية قبل التعديلات.
تضمّنت التعديلات على القانون تخفيض 70% من قيمة الرسوم الجمركية، ليقوم المستفيد بإيداع 30% من قيمة تلك الرسوم بالدولار، ثم يستردها بعد 5 سنوات بدلاً من سنة واحدة، كما أُلغي الحظر على بيع سيارات المصريين بالخارج، ومدّ فترة السداد أو التسجيل من 4 إلى 6 أشهر.
مصر تقرر منح جنسيتها مقابل شراء عقار بـ300 ألف دولار
حسام سليم، المحاسب بالمملكة العربية السعودية، يقول إن نجاح المبادرة من عدمها سيتضح أكثر خلال الفترة المقبلة خاصة وأنه يمكن للمصري أن يستبدل سيارته خلال 5 سنوات بأخرى. ما يحدث الآن، من وجهة نظره، هو حجز أمر دفع لأرخص سيارة، بنية تغييرها خلال سنة عندما يستقر على السيارة التي سيستقدمها إلى مصر، مشيراً إلى أن متوسط قيمة أمر الدفع بلغ 5 آلاف دولار فقط بالضبط وهي قيمة متدنية بالنسبة لأسعار السيارات بالخارج".
تبلغ ضريبة الجمارك في مصر على سيارات الركوب المزوّدة بمحرّك احتراق داخلي (أي العاملة بالوقود) 135% من قيمة شراء السيارة في الخارج، بجانب ضريبة الجدول 15%، وضريبة القيمة المضافة 14%. بينما تنخفض بالنسبة للسيارات الهجينة المستوردة من خارج الاتحاد الأوروبي، لتتراوح ما بين 30% و100% كضريبة جمارك، ومن 15% إلى 30% كضريبة جدول، و14% ضريبة قيمة مضافة. في حين أنَّ السيارات الكهربائية معفاة من كافة الجمارك والرسوم عدا القيمة المضافة.
يلفت إيهاب خليفة، أحد المستفيدين من المبادرة والمقيم بالإمارات، النظر إلى أن تخوفه الوحيد من المبادرة هو أن يكون "فرق سعر صرف الدولار بين السوق الرسمي والسوق الموازية كبيراً عند الاسترداد، خصم 70% من الجمارك حالياً أمر جذاب، ولكن نخشى أن يتم التهام هذا الخصم عند استردادنا أموالنا بأسعار تقل كثيراً عن السوق الحقيقي، لذا فضمان نجاح المُبادرة في توحيد سعر الصرف والقضاء على السوق الموازية".
تحويلات المصريين
تعتبر تحويلات المصريين في الخارج إلى جانب إيرادات السياحة وقناة السويس من أهم موارد مصر الدولارية التي تمكن اقتصادها من التعامل مع أي أزمات اقتصادية عالمية، واختلال أي من تلك العوامل يؤدي لمصاعب جمة للحكومة القائمة على إدارة الاقتصاد.
إلى ذلك، يرى مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، أنه "لو قامت وزارة المالية بإزالة المعوقات منذ إطلاق المبادرة في نوفمبر لزادت الحصيلة عن الرقم الذي تحقق، لكن المبادرة يعيبها أنها تسحب من نفس وعاء تحويلات العاملين بالخارج، وبالتأكيد ستؤثر عليه سلباً، خاصة مع ترقب العاملين بالخارج لتخفيض جديد في قيمة الجنيه".
"حمى" الذهب في مصر.. أداة تحوّط تفاقم الضغوط على الجنيه
تواجه الحكومة المصرية ضغوطا اقتصادية كبيرة خلال العامين الماضيين وهو ما دفعها لتحرير سعر عملتها مقابل الدولار 3 مرات مؤخراً، وتواجه انتقادات شديدة في الآونة الأخيرة من بنوك الاستثمار العالميين لعدم سماحها بتحرير سعر عملتها للمرة الرابعة.
كشفت بيانات البنك المركزي عن تراجع تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال النصف الأول من العام المالي الجاري 2022- 2023 بنسبة 23% مقارنة بنفس الفترة من عام 2021-2022، لتبلغ 12 مليار دولار.
نافع يقول إن "كل تمويل يذهب للمبادرة كان يتم خصم رقم أكبر منه من تحويلات العاملين، نتيجة الأثر النفسي ورغبة العاملين في الادخار الطارئ وتوجيه هذا الادخار لشراء سيارة". "تحويلات العاملين كانت مُزدهرة من الأساس، ولم يكن الخيار الأفضل أن يتم السحب من نفس الوعاء، إنما خلق أوعية جديدة لجذب الدولار، استبعد أن يتأثر السوق المحلي للسيارات بمصر بالمبادرة لأن المعروض المحلي قليل بسبب أزمة العملة وبطء حركة الواردات".
انخفضت مبيعات السيارات في مصر خلال 2022، بنسبة سنوية 36.5% إلى أقل من 185 ألف سيارة مقابل نحو 291 ألف سيارة في 2021.
يستبعد علاء السبع، عضو الشعبة العامة للسيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية، في حديثه مع "اقتصاد الشرق" أن تتأثر حركة تجارة السيارات في السوق المحلي بالمبادرة. وقال "التجارة في السيارات تحتاج إلى خبرة كبيرة لتحقيق ربح، ربما تكون غير متوفرة عند أغلب العاملين بالخارج، لذا أستبعد أن يقوم الأغلبية باستقدام السيارات لغرض التجارة".