أشهر الوجهات السياحية تطالب بتقييد الرحلات البحرية

time reading iconدقائق القراءة - 9
الإطلالة على ميناء جونو، ولاية آلاسكا في الولايات المتحدة  - المصدر: بلومبرغ
الإطلالة على ميناء جونو، ولاية آلاسكا في الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ

في 12 أبريل الماضي، قدّم النشطاء في جونو بولاية ألاسكا في الولايات المتحدة، أوراقاً تطالب بالحدّ من حركة الرحلات البحرية إلى ميناء المدينة الخلاب، حيث رسا أكثر من 1.2 مليون مسافر فيها خلال عام 2019. وعند عودة الرحلات البحرية بعد الوباء، من المتوقع أن يستضيف الميناء نحو 620 سفينة، ليصل بذلك أكثر من 1.3 مليون مسافر إلى آخر حدود الولايات.

ويقول هؤلاء المواطنون إن عديداً من الركاب القادمين إلى شاطئ مدينتهم خلال موسم الصيف يغيرون نمط حياة سكان المدينة، الذين يبلغ عددهم 32 ألف نسمة. ويقول النشطاء إنهم يريدون الحفاظ على مستوى الحياة في المدينة، والحفاظ عليها كوجهة جذابة للزوار الذين يقضون الليل بها، كما يمكنهم الحفاظ على بعض -لا كل- فرص السياحة البحرية.

لماذا هذه الخطوات بعد سنوات من ازدهار قطاع الرحلات البحرية؟

يقول السكان المحليون إن الإغلاق الذي فرضه الوباء، جعلهم على دراية بمدى أهمية الرحلات البحرية للمدينة، التي تساهم بنحو 1.3 مليار دولار في الإنفاق المباشر في اقتصاد ألاسكا، والملايين على المستوى المحلي للمدن بها. لكن مع ذلك، فإن غياب الزوار لم يجعل السكان المحليين يشتاقون إلى وجود السياح أو إلى إانفاقهم في مدنهم.

أسباب اقتصادية

وميناء جونو ليس وحده في هذا الموضوع، فقد استخدمت الوجهات البحرية، من بار هاربور بولاية مين، إلى جزر كايمان، الوباء كحجة للتحول بعيداً عن سياحة الرحلات البحرية الجماعية. ويقول المعارضون إن الرحلات البحرية الجماعية تسبب ازدحام الشوارع وتُرهِق البنية التحتية وتهدّد النظم البيئية المرجانية الحساسة التي توفّر حواجز طبيعية ضد الأعاصير في هذه المدن.

وهناك أيضاً حجة اقتصادية، هي أن زوار الذين يقضون الليل (يقيمون) في المدينة، ينفقون أكثر بكثير من أولئك الذين يقضون رحلات سريعة على الشاطئ ثم يكملون رحلتهم. وقد يساعد تقليل حشود الرحلات البحرية على جذب مزيد من مستكشفي الأراضي اليابسة. وفي معظم هذه الأماكن، يتضمن استكشاف الأراضي اجتياز بعض المرتفعات المنحدرة.

وبعد أعوام من القرارات المتتالية، فرضت الحكومة الإيطالية أخيراً، في أواخر مارس، حظراً على السفن الكبيرة التي تبحر عبر بحيرة البندقية، إذ تنمو هناك مشاعر القلق إزاء حماية التراث الثقافي بالمدينة، لزيادة مخاطر الفيضانات حول ساحة القديس مارك عند انطلاق السفن سياحية نحو الميناء. ولحل هذه المشكلة، سيُحوَّل مسار السفن الكبيرة نحو ميناء مارجيرا القريب، وهو ميناء صناعي على البر الرئيسي، إلى أجل غير مسمَّى. لكن هذا التغيير لن يحدث إلا عندما تكون المنشأة الجديدة جاهزة، لتبدأ بعدها البندقية الاستعداد لصيف آخر من السفن الكبيرة.

تراجع القطاع

ورفع حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، دعوى قضائية ضد المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها بشأن ما يقول إنه إغلاق غير عادل لصناعة الرحلات البحرية. وهي دعوى انضمت إليها ولاية ألاسكا مؤخراً، لكن ناخبيه في مدينة كي ويست تحركوا في الاتجاه المعاكس.

وفي نوفمبر، حدد استفتاء، أُجريَ بشأن السفن السياحية، عدد ركاب السفن السياحية اليومية عند 1500 راكب، مع إعطاء الأولوية للسفن ذات سجلات الصحة والسلامة الأفضل.

ومن المقرر أن تلغي القواعد الجديدة الزيارات القادمة من الخطوط الرئيسية للرحلات، مثل "كرنفال كروز لاينز" و"ديزني كروز لاين" و"نورويجن كروز لاين" و"رويال كاريبيان إنترناشيونال"، التي تتجاوز سفنها عموماً عدد الركاب.

وقبل الوباء، كان من المقرر أن يصل نحو مليون زائر في رحلة بحرية إلى كي ويست سنوياً، وهو ما يمثل نحو ثلث السياح في المدينة، لكن هذا الرقم سينخفض كثيراً.

وتتمثل إحدى حجج مؤيدي فرض قيود على الرحلات البحرية، في أن المسافرين على متن السفن السياحية ينفقون نحو 72 دولاراً في اليوم في الميناء، فيما ينفق زوار كي ويست المقيمين نحو 620 دولاراً في اليوم. ذلك في حين أن صناعة الرحلات البحرية، عبر الرابطة الدولية لخطوط الرحلات البحرية (CLIA)، تجادل بأن الركاب ينفقون أموالاً أكثر في الساعة التي يقضونها على الشاطئ.

وجهة نظر بيئية

وتُعتبر نظافة المياه قضية أخرى يجب الالتفات إليها، إذ أفادت دراسة أجرتها "جامعة فلوريدا الدولية" حول المياه في كي ويست، بتحسن طفيف في أثناء تعليق السفن السياحية خلال فترة تفشي الوباء.

وأصبح قطاع الرحلات البحرية في كي ويست بؤرة توتر على مستوى الولاية. ففي 22 أبريل وافق مجلس شيوخ ولاية فلوريدا على مشروع قانون يمنع الحكومة المحلية من تنظيم أعمال المواني. وبهذا الصدد طلب دعاة حماية البيئة والصيادون المحليون في كي ويست من حاكم الولاية ديسانتيس استخدام حق النقض ضد هذا الإجراء.

ورغم أن النتيجة لا تزال غير مؤكدة، فقد وضعت كي ويست نموذجاً يُحتذى في المدن الأخرى.

فعلى سبيل المثال، في جونو، يعمل النشطاء على جمع التوقيعات لإضافة أسئلة متعلقة بالرحلات البحرية إلى أوراق الاقتراع الخاصة بالانتخابات البلدية في 5 أكتوبر.

وستحظر التعديلات الثلاثة المقترحة السفن التي يزيد عدد المسافرين فيها على 250 مسافراً يومياً بين الساعة 7 مساءً و 7 صباحاً وطوال يوم السبت، بالإضافة إلى حظر السفن التي يزيد إجمالي حمولتها المسجلة على 100 ألف طن بعد عام 2025.

وكما هو الحال في كي ويست، فإن هذا من شأنه حظر معظم السفن من الخطوط الرئيسية، مع زيادة الضغط على سياحة المبيت لتعويض الفرق في الإيرادات.

أماكن أخرى تتبع النهج ذاته

وتدور قصة مماثلة في بار هاربور الهادئ، وهو أكثر المواني البحرية شهرة في ولاية مين الأمريكية. وقبل الوباء كانت مدينة الصيد، التي يبلغ عدد سكانها خمسة آلاف و600 نسمة، تتوقع 300 ألف مسافر سنوياً لموسمَي الصيف والخريف. لكن في أواخر عام 2020، وفي إشارة إلى ازدحام وسط المدينة وتأثيره في الثقافة المحلية، اتخذ مجلس المدينة خطوات للسيطرة على الأمر من خلال وضع خطط لإجراء بحوث لمعرفة وجهة نظر السكان المحليين ومناقشة ما إذا كان ينبغي مناقشة قيود الرحلات البحرية في مذكرة اجتماع المدينة في يونيو 2021.

وكجزء من هذا العمل، طُلب الآن من سكان بار هاربور ومالكي العقارات وأصحاب الأعمال غير المقيمين استكمال مسح مكوَّن من 24 سؤالاً بحلول 26 أبريل. والهدف من ذلك هو تقييم التأثير المتوقع بالنسبة إلى السفن السياحية والسياحة البرية.

وفي الوقت نفسه تُعيد جزر كايمان، التي تفرض حظراً على حركة الرحلات البحرية حتى عام 2022 على الأقلّ، النظر في استراتيجيتها طويلة الأجل. وفي تعليقات مفاجئة في فبراير، ووسط حملة انتخابية، سحب رئيس الوزراء آنذاك ألدن ماكلولين دعمه رصيفاً بحرياً جديداً في جورج تاون قيمته 200 مليون دولار، وبدلاً من ذلك ناقش القيود المفروضة على السفن السياحية عند عودتها واقترح أن تكون السياحة العلاجية وسيلة لسدّ أي فجوة.

وجهان لعملة واحدة

وباعتبارها مركزاً للخدمات المصرفية الدولية، لا تعتمد جزر كايمان على سياحة الرحلات البحرية مثل بعض جيرانها. مع ذلك فإنها تحتلّ المرتبة الرابعة بين أكثر الوجهات السياحية زيارةً في منطقة البحر الكاريبي، وقبل تفشّي الوباء كانت تتوقع استقطاب 1.9 مليون زائر على متن الرحلات البحرية في عام 2020، لكن الآن أصبح مصير الصناعة يقع على عاتق رئيس الوزراء المنتخب حديثاً واين بانتون، الذي كان يشغل منصب وزير البيئة السابق في البلاد.

مع ذلك فليست كل القيود المفروضة طوعية، فمدينة سكاغواي الصغيرة المرتبط اسمها بالذهب، والواقعة بولاية ألاسكا وعدد سكانها 850 نسمة، ترغب في تعزيز الرحلات البحرية، لكونها مصدر الدخل الرئيسي للسكان المحليين، لكنها لا تمتلك البنية التحتية أو الإمكانيات اللازمة لتمويل مثل هذه التحسينات.

وفي العام الماضي لم تشهد سكاغواي قدوم أي سفن سياحية، ويبدو أن موسم الرحلات البحرية قد انحدر للمرة الثانية بسبب حظر الرحلات البحرية في كندا هذا العام حتى فبراير 2022، بجانب قوانين الملاحة البحرية في الولايات المتحدة، التي تتعامل مع التجارة أو النقل في المياه الساحلية.

وإجمالاً، خسرت الشركات في المدينة إيرادات تقدر بـ160 مليون دولار في عام 2020، كما يقول عمدة سكاغواي أندرو كريماتا.

وأوضح كريماتا أن "منشأة معالجة النفايات الخاصة بنا وصلت إلى طاقتها الاستيعابية القصوى، ولم تعُد قادرة على التعامل مع مزيد بعد الآن، وتكلفة بناء منشأة جديدة تتراوح بين 15 و30 مليون دولار". وأضاف: "الناس يقولون إنهم يريدون مزيداً من المسافرين على متن الرحلات البحرية، لكن الحد الأقصى اليومي تفرضه أحياناً أشياء خارجة عن إرادتنا".

وحتى في عالم مثالي، يمكن فيه للسفن أن تأتي بوتيرة أكبر، فإن كريماتا ليس قلقاً بشأن النشاط المناهض للرحلات البحرية الذي ينتشر في بلدته.

ويقول: "نحن نحب صناعة الرحلات البحرية ونبرع فيها". وأشار إلى أن سكان مدينته لا يمانعون في الضوضاء الناتجة عن ارتفاع أعداد الزوار، قائلاً: "في الشتاء نتمتع بالهدوء، أما في الصيف فنستمتع بالفوضى".

تصنيفات

قصص قد تهمك