المطبخ السوري يحجز مقعده بين أفضل مطاعم العالم

حلب مركز تذوق الطعام في الشرق الأوسط.. والزبائن ينجذبون لمأكولات مثل المكدوس والطاووق من لندن إلى دبي

time reading iconدقائق القراءة - 15
مجموعة متنوعة من الأطباق السورية في مطعم عماد، في لندن - المصدر: بلومبرغ
مجموعة متنوعة من الأطباق السورية في مطعم عماد، في لندن - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

عندما تلقى محمد أورفلي، رئيس الطهاة والمالك المشارك لمطعم "أورفلي بروز بيسترو" (Orfali Bros Bistro) في دبي، بريداً إلكترونياً من المجموعة التي تعد قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم في يناير 2022، اعتقد أورفلي أنه بريد عشوائي. كان عليه أن يقرأ الرسالة ثلاث أو أربع مرات قبل أن يصدق أن المطعم الذي يديره مع شقيقيه، عمر ووسيم، أُدرِجَ في القائمة القصيرة لأفضل المطاعم في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، ثم "جلس في زاوية المطبخ وبدأ يبكي".

بعد بضعة أشهر، احتلّ مطعم "أورفلي بروز" لأول مرة المرتبة السادسة في قائمة أفضل مطاعم المنطقة لعام 2022. وفي عام 2023 تَصدَّر "أورفلي بروز" قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، محتلاً المرتبة الأولى.

يشير أورفلي إلى أن هذا الإنجاز لم يكن سهلاً، لا سيما في دبي، التي تشتدّ فيها المنافسة بين سلاسل المطاعم الكبرى ومطاعم الفنادق. لكن الشيف أورفلي آمن أن مطعمه الشعبي الصغير المستوحى من مطاعم سوريا سيحظى بشعبية واسعة. واحتل مطعمه فعلاً المرتبة 46 على قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم لأول مرة في يونيو الماضي.

شهرة عالمية

حظِيت المأكولات السورية على وجه الخصوص باهتمام كبير مع ارتفاع الطلب على الأطعمة الشرق أوسطية ومكوناتها خلال السنوات القليلة الماضية، مدفوعة بتكلفتها المنخفضة نسبياً وفوائدها الصحية.

في لندن، ينتقل مطعم "عماد السوري" الشهير ليفتتح فرع أكبر له في شارع كارنابي لاستيعاب أعداد زبائنه المتزايدة. كما يحظى المطعم بشهرة أيضاً في نيويورك، بفضل فرعه في منطقة بروكلين الجديدة (SYKO)، وتشمل قائمته أطباقاً مثل شطائر لحم السجق، التي تضمّ نقانق اللحم البقري السورية مع معجون الثوم والمخللات.

أما في لوس أنجلوس يمتلك الإخوة أرمباي ودوتي وداني زكريا قائمة صغيرة متغيرة من الأكلات السورية الخاصة التي غالباً ما تتضمن لفائف السجق والسندويتشات مع الباذنجان الصغير المحشو بالجوز المعروف باسم "المكدوس".

تقول أنيسة حلو، وهي طاهية مشهورة متخصصة بمطابخ الشرق الأوسط ومؤلفة لكتب الطبخ، ووالدها سوري الأصل، إن الاهتمام بالمطبخ السوري شهد نموّاً كبيراً مع اندلاع الصراع القائم في البلاد الذي تفاقم لأكثر من عقد. وأضافت: "بعد النزوح بسبب الحرب أصبح المطبخ السوري عالمياً نوعا ماً، إذ يتحدث عنه الناس في مختلف الأنحاء".

حضارات مختلفة

تعود أصول المطبخ السوري إلى دمشق، وهي واحدة من أقدم المدن في العالم، إذ يعود تاريخها إلى عام 3000 قبل الميلاد على الأقل. وكانت الأرض خصبة هناك بشكل ملحوظ، وفقاً لما تقوله حلو، مُضيفةً: "أصبحت حلب مركز تذوق الطعام في الشرق الأوسط بفضل الحضارات المختلفة، التي كانت على مفترق طرق تجارة الحرير".

ليس من السهل فصل المطبخ السوري عن الفئة الأوسع من أكلات الشرق الأوسط التي تشمل أطباقاً مثل سلطة الفتوش مع الخبز المحمص والشاورما. حتى الطهاة ذو الأصول السورية يحتارون في توصيفه. قال همام عياصو، طاه سوري مقيم في لندن، عن المطبخ السوري: "إنه مطبخ غني بالنكهات، نابع من العاطفة والشغف، وهو المطبخ الوحيد الذي لا يثير أي تعقيد". في الوقت الذي تفتخر فيه كل ثقافة وتتباهى بأكلات أجدادها، يُعرَف المطبخ السوري بشكل خاصّ من خلال الوصفات التي تنتقل عبر الأجيال، والضيافة التي تسير جنباً إلى جنب مع هذا المفهوم.

أطباق متنوعة

إن تاريخ المطبخ السوري الطويل وانتشاره عالمياً جعلا هذا المطبخ "متداخل" مع مأكولات أخرى، وفقاً لـ"أورفلي"، إذ يُصنَّف عديد من الأطباق الأكثر شهرة في الإمارات على أنها منحدرة من "بلاد الشام"، في إشارة إلى منطقة جنوب شرق البحر الأبيض المتوسط التي تشمل لبنان والأراضي الفلسطينية والأردن وبالطبع سوريا.

مع ذلك، بعض الأطباق السورية مميز بشكل خاص، مثل "اللحم المفروم المتبَّل جيداً والكبة بالبرغل، و"طباخ روحو"، ويخنة لحم الضأن والخضار، والشيش طاووق (أو الطاووق) وأسياخ الدجاج المشوي الشهيرة".

إن طبق الشيش طاووق موجود على قائمة الأطباق التي يقدّمها مطعم "عماد السوري"، الذي أعيد افتتاحه في وسط لندن أوائل أغسطس الجاري.

فرّ مؤسس المطعم ورئيس الطهاة، عماد الأرنب، من وطنه في عام 2015 بسبب الحرب الأهلية، تاركاً وراءه إمبراطورية صغيرة من مطاعم الوجبات السريعة ومحلات احتساء العصائر. ووصل إلى المملكة المتحدة في العام نفسه، ويقول إن الطبيعة العالمية والمتنوعة لرأس المال البريطاني سمحت له "بالجرأة على ابتكار وصفاته الخاصة"، وفتح مطعماً مستقرّاً هناك في نهاية المطاف.

تعددية ثقافية

حظِي المطعم الذي افتتحه الأرنب باهتمام واسع لدرجة أنه أطلق مؤخراً كتابه الأول للطبخ، الذي أطلق عليه اسم "مطبخ عماد السوري" (دار النشر: "هاربر كولينز" Harper Collins؛ بـ26 جنيهاً إسترلينياً/33 دولاراً) ، ويتضمن 120 وصفة من وصفاته بما في ذلك الحمص بالزيت، والمجدرة (وهي قمح البرغل المطبوخ مع العدس البني) والمحلاية السورية المصنوعة من الحليب (المعروفة بالمهلبية). يروي الأرنب في كتابه رحلتَه كلاجئ وطالب لجوء قبل عودته إلى المطبخ. ويصفه بأنه "احتفال بقدرة الطعام على جمع الناس معاً"، كما قال في الكتاب.

بالرجوع إلى دبي، ينسب أورفلي فضل نجاح مطعمه أيضاً إلى التعددية الثقافية في الإمارة، ويقول: "إنه مطعم حديث، ويتمتع بموقع فريد في الشرق الأوسط، حيث يمكنني تمثيل نفسي في المدينة". يهدف أورفلي من خلال مطعمه إلى أخذ زبائنه في رحلة إلى وطنه الأم سوريا، من خلال أطباق أطلق عليها اسم "تعال معي إلى حلب"، وهو كباب لحم بقر واغيو مع صلصة الكرز الحامضة والصنوبر.

تحديات تواجه المطبخ السوري

رغم ما تقدّم، فإن افتتاح مطاعم سورية في بلدان مختلفة لا يخلو من التحديات، إذ لا يتقبل بعض الزبائن في المملكة المتحدة الأطباق السورية التقليدية، كما يقول الأرنب. ويذكر يوماً عندما رفض أحد الزبائن تَذوُّق طبق الكبة الذي كان الأرنب يخطّط لإطلاقه لأنه يحتوي على الزبادي المطبوخ بعد قضاء ساعات في إعداده. لذلك يعدّل الأرنب وصفاته قليلاً لجذب الزبائن المحليين. على سبيل المثال، استخدم الزبادي الطازج بدلاً من المطبوخ، وخبز القرنبيط لطبق الزهراء الحارة الذي يكون مقلياً عادةً.

شكلت الأصالة تحدياً لليلى شمسي باشا وسام مهدي زاده، المؤسسين المشاركين لمطعم "توم وطحينة" في المملكة المتحدة، حيث واجها صعوبات لإعادة إعداد خلطات التوابل التي وجداها في سوريا، كما تقول شمسي باشا، لكنهما "لم يغيّرا الوصفات لتلائم ذوق الناس". وفي نسختهما من فتة الدجاج، الطبق التقليدي القائم على خبز البيتا المقلي مع الطحينة وصلصة الزبادي بالثوم، يستخدمان الدجاج الشرائح بدلاً من القطع، ويضيفان الحمص المقرمش فوقه "لجعله أكثر متعة في تناوله".

دعم قوي

تقول شمسي باشا: "أعتقد أن الأمر أكثر إرباكاً عندما ترى طبق الكبة النيّئة [لحم الضأن المفروم النيّئ] وإذا كنت لم تتذوقه من قبل فستقف مستهجناً وتقول: (ما هذا الشيء الوردي؟). لا يزال (توم وطحينة) يمثل تجربة سورية أصيلة لعدد من زبائن المطعم، حيث يستمرّ الناس في القدوم والقول إنهم يشعرون وكأنهم يزورون منزل شخص ما".

حظيت المطاعم السورية بدعم قوي. وفي عام 2020 جمع الأرنب تمويلاً جماعياً بقيمة 50 ألف جنيه إسترليني خلال 3 أشهر لفتح مطعمه الأول، ويقول مطعم "توم وطحينة" الذي حاول استقطاب شركات الملكية الخاصة، إنه جمع مؤخراً 200 ألف جنيه إسترليني من المستثمرين.

يأمل الإخوان أورفلي في افتتاح مطعم آخر في الإمارات العربية المتحدة. أخبر أورفلي "بلومبرغ" أنه يخطّط لإنشاء مشروع جديد في لندن، بالإضافة إلى إمكانية فتح مطعم في مدن مركزية عالمية مثل طوكيو ونيويورك. أما أورفلي، فلا يتعلق الأمر فقط بتوسيع علامته التجارية حول العالم، بل بالتمسك بقطعة من وطنه الأم، ويختتم: "مطبخنا جوهرة مُخفاة، ونسعى جاهدين لتسويق أنفسنا بشكل صحيح. إنها هُوِيّتنا، وإذا فقدنا مطبخنا سنفقد هُوِيّتنا".

تصنيفات

قصص قد تهمك