أمراض السمنة تطرق أبواب أفريقيا

time reading iconدقائق القراءة - 6
التسوّق الذكي. - المصدر: بلومبرغ
التسوّق الذكي. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

لعقود طويلة ارتبطت المشاكل الصحية في إفريقيا لدى أذهان العالم، بانتشار المجاعات أو الأمراض المعدية مثل الملاريا أو الايدز؛ لكنَّ الصدمة في أنَّ القارة السمراء تعاني أيضاً من انتشار أمراض غير معدية تتعلَّق معظمها بالسمنة، مما دفع مؤشر الرفاه العالمي (Global Wellness Index) إلى تسليط الضوء مؤخَّراً على مسألة في غاية الخطورة، إذ كانت نتائج دولة مثل جنوب إفريقيا متدنية للغاية من ناحية متوسط العمر المتوقَّع، وتعاطي الكحول، والاكتئاب، والسكري.

وعند مقارنتها بدول مجموعة العشرين وأكثر 20 دولة اكتظاظاً بالسكان، احتلت جنوب إفريقيا المرتبة الأخيرة، وبرغم أنَّها كانت من الدول المزدهرة اقتصادياً، إلا أنَّها نتيجة مُتوقَّعة بالنسبة لأيِّ شخص عمل في مجال الرعاية الصحية في هذه الدولة أو غيرها في إفريقيا.

لا تواجه جنوب إفريقيا هذه التحديات وحدها في القارة، إذ تعاني دول أفريقية أخرى من أعلى معدَّلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم على مستوى العالم، إذ تُقدَّر نسبة المصابين بـ46 % من البالغين، وزيادة معدَّلات الإصابة بالسمنة التي تُعدُّ من عوامل الخطر المنتشرة. وبحسب مسح أجرته الحكومة الكينية، فإنَّ أكثر من 40 % من النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 30 و40 عاماً يعانين من زيادة الوزن أو السمنة.

وتتسبّب الأمراض غير المعدية، بحسب منظمة الصحة العالمية، في وفاة 41 مليون شخص سنوياً، أي ما يعادل 71 % من مجموع الوفيات في العالم، في حين تتسبَّب أمراض القلب والأوعية الدموية بمعظم الوفيات الناجمة عن الأمراض غير المعدية، يليها مرض السرطان، وأمراض الجهاز التنفسي، والسكري.

وتُعدُّ بعض عوامل الخطر، مثل استخدام التبغ، وقلة النشاط البدني، والاستخدام الضار للكحول، وتناول الوجبات الغذائية غير الصحية منتشرة بصورة خاصة في بعض الأجزاء من القارة الإفريقية؛ إذ يعاني ربع الأشخاص البالغين أو أكثر في عدَّة دول إفريقية من ثلاثة عوامل منها على الأقل، ومعظمهم من النساء اللاتي تتراوح أعمارهنَّ بين 45 و64 عاماً.

ولا تزال العادات الغذائية التي تشمل تناول الكثير من الكربوهيدرات المُكرّرة والزيوت والسكريات، التي أتت نتيجة انتشار الأطعمة سريعة التحضير، إحدى الأسباب الرئيسية لهذه المشاكل الصحية، كما أنَّ هناك اعتقاداً بأنَّ الوزن الزائد يدلُّ على الرفاهية والثراء، علماً أنَّ الأشخاص الذين يعانون من السمنة لا يدركون عادةً مخاطر هذه المشكلة إلّا إذا أطلعهم الأطباء عليها، ويتمنّى معظمهم لو أنهم علموا بها في وقت أبكر.

إلى جانب المسائل الطبية، غالباً يفرض علاج الأمراض غير المعدية عبئاً مالياً كبيراً على كاهل أقارب المرضى وأصدقائهم؛ فعندما ذهبتُ إلى إفريقيا لأول مرة لشغل منصب مسؤول التنمية الريفية نيابةً عن "وكالة اليابان للتعاون الدولي" (Japan International Corporate Agency) قبل 7 سنوات، فوجئت أنَّ الكثير من الناس، بمن فيهم أشخاص لا أعرفهم أبداً، يطلبون مني مساعدة مالية.

بعدها أدركت أنَّ تقديم المساعدة المالية أمر طبيعي في إفريقيا، فحتى الفقراء على استعداد لتقديم المال لمساعدة الآخرين، ويُعرف هذا التقليد المجتمعي في كينيا باسم "هارامبي" (harambee)، أي نعمل معاً للتغلُّب على الصعاب؛ فعندما يسعى الأقرباء جاهدين للحصول على مساعدات مالية طارئة لشراء الأنسولين مثلاً، غالباً ما يتمُّ ذلك بعد فوات الأوان، لذلك فإنَّ أفضل حل لهذه المشاكل هو الوقاية والتشخيص المبكر للأمراض غير المعدية. واكتسبت اليابان الكثير من المعرفة والخبرة في هذا المجال، مما يمكِّنها من تقديم المساعدة والتوجيه فيه.

متوسط العمر المتوقع في اليابان الأطول عالمياً

واجهت اليابان مشكلة ارتفاع معدَّل الشيخوخة لديها فأصبحت دولةً رائدة في مجال الوقاية، والاكتشاف المبكر، والتدخل الفوري والسريع في حالات الأمراض غير المعدية من خلال إجراء فحوصات طبية خاصة، وتقديم إرشادات صحية محدَّدة. ونتيجة لجهودها هذه، فإنَّ متوسط العمر المتوقَّع حالياً في اليابان هو الأطول عالمياً، وباتت تتمتَّع بأدنى معدَّلات السمنة ضمن دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

لن يبدأ الشعب الإفريقي طبعاً باتباع نظام غذائي يعتمد على تناول السوشي، لكنَّ إجراء الفحوص الوقائية، واستخدام تطبيقات الهواتف الذكية في كينيا يُوفِّر للمواطنين حالياً الإرشاد والدعم بما يُمكِّنهم من اختيار الأطعمة الصحية، وزيادة نشاطهم البدني، والحفاظ على وزن طبيعي.

كان الدعم المُقدَّم للمبادرات التي تهدف للتعامل مع معدلات السمنة المرتفعة متفاوتاً وغير متسق؛ إذ تُعتبر جنوب إفريقيا حالياً الدولة الوحيدة في المنطقة التي تفرض ضريبة على المشروبات السكرية. وعندما أعلنت وزارة الصحة عن رغبتها في وضع ملصقات تحذيرية على الوجبات السريعة، رفضت مصانع السكر ذلك؛ لأنَّ الضريبة التي فُرضَت على المشروبات السكرية أدَّت إلى انخفاض الأرباح والوظائف.

ومع ذلك، تُعدُّ معدلات السمنة في جنوب إفريقيا الأعلى ضمن دول إفريقيا (جنوب الصحراء)، ما يؤثّر أيضاً في الإنتاجية ويزيد من معدل التغيّب عن العمل. وقد أظهرت دراسة أُجريت مؤخراً أن الخسائر الاقتصادية للسمنة في جنوب إفريقيا بلغت 48.8 مليار دولار سنوياً.

ومع أنَّ مستوى الوعي حول أهمية الوقاية من هذه الأمراض بدأ يتحسَّن، يجب كذلك اتخاذ تدابير حاسمة تتضمن منح الأولوية لمحاربة السمنة باعتبارها إحدى العوامل الأساسية لهذا التأثير الاقتصادي مثل الأمراض غير المعدية، فالكثيرون ممن يعيشون في إفريقيا لا يعرفون وضعهم الصحي، وعندما يشرح لهم الأطباء حالتهم، لا يعلمون ما عليهم فعله. على سبيل المثال، لا يوجد في المدن الصغيرة سوى مجموعة محدودة من الأطعمة الصحية في المتاجر، وتكون باهظة الثمن في معظم الأحيان.

من جهة أخرى، أدَّى تطبيق بعض الإجراءات الملموسة في دول أخرى، مثل فرض الضرائب على المشروبات السكرية، ووضع ملصقات تحذيرية على الأطعمة غير الصحية، وفرض قيود على إعلانات الأطعمة غير الصحية إلى إحداث فرق واضح. وينبغي أن تكون هذه الإجراءات محور اهتمام مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا (Tokyo International Conference of African Development) الذي سيُعقد في وقت لاحق من 2019. وهو "الهارامبي"، الذي ينبغي أن تُركِّز عليه الحكومات الإفريقية والشركاء على حدٍّ سواء.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات
النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان
الآراء الأكثر قراءة