بلومبرغ
قد تساعد العملات المشفرة روسيا ومليارديراتها على تخفيف تأثير العقوبات الغربية.
وفي هذا الصدد قال الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الخميس إنه سمح بفرض "عقوبات شديدة" رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ تهدف هذه العقوبات إلى الحد من قدرة روسيا على ممارسة الأعمال التجارية بالدولار والعملات الدولية الرئيسية الأخرى، وتشمل عقوبات على خمسة بنوك روسية تمثّل أصولاً تقدَّر بنحو تريليون دولار.
كما ستُستهدَف شريحة واسعة من النخب الروسية وأفراد أُسَرهم، وذلك بالإضافة إلى العقوبات التي فُرِضتْ في وقت سابق من هذا الأسبوع.
لكن قد يكون لهذه العقوبات وزن أقل في بلد يتخذ خطوات لإضفاء الشرعية على العملات المشفرة، وحيث الأصول الرقمية مملوكة بالفعل على نطاق واسع.
الأصول المشفرة
يُشار إلى أن الدول عادةً ما تستخدم الحلول المادية لتجنب العقوبات، مثل استخدام فنزويلا وكوريا الشمالية لنقل الوقود من سفينة إلى سفينة، لكن الأصول الرقمية مثل عمليات العملات المشفرة والبورصات اللامركزية يمكن أن تصبح الطريقة الأكثر فاعلية للتحايل على العقوبات.
تعليقاً على الموضوع، قال ماثيو سيغل، رئيس أبحاث الأصول الرقمية في شركة إدارة الاستثمار"فانيك" (VanEck): "لن يواجه أي من الديكتاتوريين ولا نشطاء حقوق الإنسان أي رقابة على شبكة (بتكوين)".
كما يمكن للعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها على الشركات والأفراد أن تحجبهم بعيداً عن الغرب بشكل أساسي.
ومن المحتمل أن يكون المليارديرات، الذين جرى استهداف بعضهم بالفعل بشكل مباشر، قادرين على التحايل على هذه العقوبات في حال اختاروا استخدام العملات المشفرة، التي تستخدم تقنية "بلوكتشين" لإبقاء المعاملات مجهولة.
ومن المحتمل أن تساعدهم العملات الرقمية في شراء السلع والخدمات والاستثمار في الأصول خارج روسيا، كل ذلك مع تجنّب البنوك أو المؤسسات التي تلتزم العقوبات ويمكنها تتبع معاملاتهم.
علاوةً على ذلك، قال ماتي غرينسبان، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات المالية "كوانتوم إيكونوميكس": "في حال أراد شخصان أو منظمتان القيام بأعمال تجارية معاً ولم يكن بوسعهما القيام بذلك من خلال البنوك فيمكنهما فعل ذلك باستخدام (بتكوين). وإذا كان أحد الأثرياء قلقاً من احتمال أن تُجمَّد حساباته بسبب العقوبات، فيمكنه ببساطة الاحتفاظ بثروته على شكل عملة (بتكوين) لحمايتها من مثل هذه الإجراءات".
التحايل على العقوبات
على عكس العملات الورقية التي تحتاج إلى الانتقال من خلال مؤسسات تابعة لجهات خارجية تملك القدرة على تتبعها أو تجميدها أو حظرها، يمكن إرسال العملات المشفرة من شخص إلى آخر مباشرةً بغضّ النظر عن أي عقوبات حكومية أو قيود أخرى.
فضلاً عن ذلك، يمكن لأصحاب العملات المشفرة أيضاً إنشاء شبكة من المحافظ بعناوين مختلفة عبر عديد من البورصات، مما يجعل من الصعب للغاية تتبع أي نشاط وحتى ربط المعاملات بفرد معيَّن.
بالإضافة إلى ذلك، يمكنهم اختيار بورصات العملات المشفرة التي لا تقع في ولايات قضائية تفرض عقوبات، وبالتالي لا يتعين عليها بالضرورة التزام اللوائح.
لكن الخبراء يقولون إن أي أصول محتفظ بها على شكل عملات مشفرة لن تحوَّل بسهولة إلى عملات ورقية، مما يجعل أي أموال يجري تداولها أقل قابلية للتخلص منها.
ومن أجل التحايل على البنوك أو حتى البورصات المركزية التي تلتزم العقوبات، سيتعين على الأفراد إقناع أي خدمات يتعاملون معها بقبول الدفع الرقمي، وهو ما قد يكون صعباً.
من جانبه قال بايدن يوم الخميس إنّ الأثرياء الروس الذين ستستهدفهم العقوبات هم "أشخاص كسبوا شخصياً من سياسات الكرملين وعليهم أن يتحمّلوا حصتهم من الألم، إذ سنواصل قرع الطبول والإعلان عن أولئك المليارديرات الفاسدين خلال الأيام المقبلة".
وبالنسبة إلى أصحاب المليارات الذين عُوقبوا قبل يوم الخميس، لم يكشف أي منهم علناً حتى الآن ما إذا كانوا من أصحاب العملات المشفرة.
من المؤكد أنه لا تزال للحكومات طرق لفرض لوائح على حيازات العملات المشفرة الموجودة في البورصات المركزية، كما قال ديفيد طويل، رئيس شركة استثمار العملات المشفرة "بروتشاين كابيتال".
وأشار إلى الحملة الأخيرة التي شنتها الحكومة الكندية على حسابات العملات المشفرة المملوكة لسائقي الشاحنات الذين كانوا يتلقون أموالاً لدعم عمليات حصارهم للمعابر الحدودية بين الولايات المتحدة وكندا، واحتجاجاً دام لأسابيع في العاصمة أوتاوا.
كذلك قال بريت هاريسون، رئيس بورصة العملات المشفرة "إف تي إكس يو إس"، إن افتراض أن غسل الأموال أسهل عبر العملات المشفرة يُعَدّ فكرة خاطئة، كما يوضّح أن البورصات لديها إمكانية الوصول إلى تقنية معينة تسمح بتتبع وفحص المحافظ التي تأتي من البلدان الخاضعة للعقوبات.
وسيكون من الصعب أيضاً على الأفراد تحويل العملات المشفرة إلى عملات ورقية من خلال البورصات المركزية دون تحديدهم، مما يجعل من الصعب عليهم الإنفاق.
وأضاف هاريسون: "الشيء الذي يمكن منعه هو ترك الأموال إلى الأبد في البورصات التي تدعم العقوبات المناسبة بشكل صحيح. وبمجرد أن تتحرك إلى أي مكان يمكن للجميع رؤيتها لأنها موجودة على (بلوكتشين) عام، ولكن حتى لو كان بإمكانهم نقلها فلن تسمح لهم أي بورصة بتحويلها إلى عملة، وبمجرد قيامهم بذلك فسيجري اكتشافهم".
كما قال إنه كثيراً ما يجري التواصل مع بورصة "إف تي إكس" من قِبل وكالات إنفاذ القانون في عديد من الولايات والدول مع مذكرات استدعاء لحجز الأموال من عناوين معينة.
وتظهر مدى إمكانية تتبع العملات المشفرة من خلال إلقاء القبض مؤخراً على شخصين مرتبطين باختراق "بيتفينكس" (Bitfinex) لعام 2016، إذ تمكنت الحكومة الأمريكية من تتبع نشاط محافظ معينة، ونتيجة لذلك جمّدت الحسابات بمجرد تحويلها إلى عملات ورقية.
حالة العملات المشفرة
الوضع القانوني للعملات المشفرة في روسيا في حالة تغير مستمر، إذ تضغط الحكومة للسماح بها من أجل جذب الاستثمار الأجنبي وإخراج التجارة المحلية من الظل، في حين يقول البنك المركزي إنها تحمل بصمات مخطط هرمي ويجب حظرها.
وقد أمر بوتين كبار مسؤوليه الحكوميين الشهر الماضي بالتوصل إلى حل وسط سريع، إلا أنهم فشلوا حتى الآن في الاتفاق على كيفية تنظيم العملات المشفرة.
وفي الواقع، ينغمس ملايين الروس بالفعل في هذا العالم الرقمي، فهُم يمتلكون أكثر من تريليوني روبل (22.9 مليار دولار) من العملات المشفرة، وفقاً لورقة حكومية حديثة.
وأكثر من 17 مليون روسي، أو نحو 12% من إجمالي السكان، هم من أصحاب العملات المشفرة، وفقاً لبيانات من بوابة الدفع "تريبل إيه" في سنغافورة. ومع وجود مزيد من العقوبات المعلقة، قد يكون من مصلحة روسيا السماح للأفراد الأثرياء بالتعامل بالعملات المشفرة بغض النظر عن وضعها القانوني.
إضافة إلى ذلك، أوضح طويل أنه حتى الولايات المتحدة تكافح من أجل تحديد الإطار القانوني واللوائح المتعلقة بالعملات المشفرة، قائلاً: "إن وجود أفكار متضاربة هناك يعني نوعاً من القبول، إذ سيتطرقون إلى المشكلة عندما تحدث، وأعتقد أن غالبية نشاط العملات المشفرة في روسيا تتماشى بصراحة مع الحكومة".
كما تُولي دول أخرى في جميع أنحاء الاتحاد السوفييتي السابق العملات المشفرة مزيداً من الاهتمام. وفي الأسبوع الماضي، أيّد البرلمان الأوكراني مشروع قانون لإضفاء الشرعية على العملات المشفرة، في حين تسعى كازاخستان لتحسين تنظيم وفرض ضرائب على صناعة تعدين العملات المشفرة المزدهرة.
يُشار إلى أن الأسهم الأمريكية تراجعت في البداية يوم الخميس بعد غزو روسيا لأوكرانيا، إذ خسر مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" ما يصل إلى 2.6%، ووسّع مؤشر "ناسداك 100" للتكنولوجيا انخفاضه إلى 20% من أعلى مستوى قياسي له في نوفمبر.
ومنذ ذلك الحين قلصت الأسهم خسائرها، مع تحوُّل مؤشر "ناسداك 100" إيجابياً. كذلك تراجعت عملة "بتكوين" بنسبة 8.5% لتصل إلى 34,337 دولار، مما أدى إلى انخفاضها إلى ما يقرب من 50% منذ أعلى مستوى لها على الإطلاق في نوفمبر.