بلومبرغ
بدأ ليم كوك تاي أعماله في مجال الرحلات البحرية، وقوارب القمار في هونغ كونغ خلال تسعينيات القرن الماضي، ثم حوَّلها إلى أكبر شركات تشغيل الرحلات البحرية في آسيا.
أُسست هذه الشركة بحب كبير، وشكَّلت كذلك وسيلة تاي لتوسيع أعمال المقامرة التي أنشأها والده ليم جوه تونغ، في ماليزيا سابقاً.
وتحت قيادة كوك تاي، البالغ من العمر 70 عاماً، وسّعت شركة "غنتنغ هونغ كونغ" (Genting Hong Kong) أسطولها من السفن، واشترت خطوط رحلات بحرية أخرى، بل أضافت أيضاً سلسلة من أحواض بناء السفن الألمانية لإنشاء قواربها الخاصة.
قطاع مُتعثر
الآن، بعد مرور أكثر من عامين على جائحة فيروس كورونا؛ تتجه شركة "كوك تاي" إلى التصفية. إذ قدّمت "غنتنغ هونغ كونغ" التماساً الأسبوع الماضي لإنهاء أعمالها تدريجياً، فيما يمثل أحد أكبر التعثرات التي تتعرض لها شركة تشغيل رحلات بحرية على الإطلاق منذ بدء الجائحة التي جرفت بالقطاع. كما أنَّه يقدّم مثالاً صارخاً على الكيفية التي تسبّب بها فيروس كورونا في انهيار الشركات التي كانت مزدهرة من قبل، وكانت تمتلك القدرة على التأثير في عملاء الرحلات البحرية بجميع أنحاء المنطقة.
تقول كلوي زين شو نيوك، أحد عملاء الرحلات البحرية التابعة للشركة في بينانغ بماليزيا، حيث كانت تسافر إلى بوكيت وكرابي في تايلندا عن طريقها: "شعرت بالضيق الشديد عندما سمعت الأخبار". مضيفة أنَّ أحد أكثر الأشياء التي كانت تستمتع بها هو الاستيقاظ مع زوجها في السادسة صباحاً لمشاهدة شروق الشمس من على سطح السفينة.
يذكر أنَّ متحدثة رسمية باسم "غنتنغ" رفضت طلب "بلومبرغ" لمقابلة كوك تاي، في حين لم يعلّق ممثل عن "غنتنغ هونغ كونغ" فوراً على الطلب.
إمبراطورية بحرية
أسس كوك تاي الشركة التي تحوّلت فيما بعد إلى "غنتنغ هونغ كونغ" في عام 1993، فقد اشترى حينها القوارب من شركة رحلات بحرية مفلسة، وقام بتشغيلها تحت علامة "ستار كروزس" التجارية. وكانت جميع السفن الأولى للشركة مستعملة، ولم تبدأ في شراء سفن جديدة إلا خلال الأزمة المالية الآسيوية في أواخر التسعينيات.
على مر السنين؛ وسعت "غنتنغ هونغ كونغ" أعمالها خارج نطاق "ستار كروزس"، وكان ذلك جزئياً من خلال الاستحواذ على خطوط رحلات بحرية أخرى، إذ اشترت العلامة التجارية "كريستال كروزس" في الولايات المتحدة، وأطلقت علامة "دريم كروزس" التجارية الفاخرة في آسيا.
طلب الإفلاس
في هذه الفترة ازدهر عمل الشركات العملاقة في عالم الرحلات البحرية، مثل "كارنيفال" (Carnival)؛ فقد استمر القطاع في تسجيل أرقام قياسية جديدة من المسافرين. كذلك قامت الشركة بشراء العديد من أحواض بناء السفن في ألمانيا بدءاً من عام 2015، بغرض بناء السفن الخاصة بها.
لكن بسبب إجبار الوباء لشركات الرحلات البحرية على وقف عملياتها؛ بدأ رهان كوك تاي طويل المدى على القطاع، وعلى تزايد الطلب من الصين وآسيا، في الانهيار. وبالرغم من أنَّ الشركة عرضت خيار "الإجازات البحرية" كجزء من اتجاه أوسع لتوفير الرحلات البحرية إلى أي مكان؛ إلا أنَّها سجلت مع ذلك خسارة قياسية بقيمة 1.7 مليار دولار في مايو الماضي، وكان من الواضح أنَّ الأمور ستزداد سوءاً.
بعدها، وفي وقت سابق من هذا الشهر، قامت شركة "إم في فيرفتن" (MV Werften) لبناء السفن المملوكة والتابعة للشركة بالكامل، بالتقدم بطلب لإشهار إفلاسها بمحكمة محلية في ألمانيا.
في أواخر يناير، قدّمت "غنتنغ هونغ كونغ"، المملوكة لشركة "كوك تاي" بنسبة 76%، التماساً في برمودا لإغلاق الشركة تدريجياً. وقالت، إنَّها تتوقَّع نفاد أموالها بنهاية يناير الحالي تقريباً، و لا تمتلك إمكانية الحصول على مزيد من التمويل.
أضافت الشركة في بيان لبورصة هونغ كونغ أنَّها "استنفدت كل الوسائل الممكنة" للتفاوض مع الدائنين والمستثمرين. وتراجعت أسهم "غنتنغ هونغ كونغ" بأكثر من 60% من أعلى مستوى لها في نوفمبر الماضي، قبل تعليق تداولها في 18 يناير.
ما تزال الحجوزات على موقع "غنتنغ هونغ كونغ" الإلكتروني للرحلات البحرية متاحة إلى أي مكان من هونغ كونغ وسنغافورة. ووفقاً لممثل الشركة؛ سيستمر إبحار رحلات "دريم كروزس" التي تمت جدولتها بالفعل.
ضريبة التركيز الآسيوي
يمكن فهم الصعوبات التي تعاني منها "غنتنغ هونغ كونغ" من منطلق تركيزها على آسيا، التي ما تزال الأسواق الكبرى بها مثل الصين وهونغ كونغ مغلقة، وتتبع استراتيجيات (صفر حالات كوفيد)، فيما تتعافى شركات تشغيل الرحلات البحرية الأخرى، مثل: "كارنيفال"، و"رويال كاريبيان كروزس" (Royal Caribbean Cruises)، في ظل تمكّن أسواق كالولايات المتحدة، والأمريكتين، وأوروبا من "التعايش مع الفيروس" بالوقت الحالي.
ولكن، على الرغم من تعرض كوك تاي لضربة موجعة في أعماله للرحلات البحرية، إلا أنَّها تشكل جزءاً واحداً فقط من مجموعته مترامية الأطراف، التي بدأها والده بمنتجع نادي المقامرة على قمة تل يسمى الآن "ريزورتس وورلد غنتنغ"، ويقع على بعد ساعة وبضع دقائق تقريباً بالسيارة من حدود كوالالمبور. وهو منتجع الكازينو الوحيد المرخص له في الدولة ذات الأغلبية المسلمة، التي تستهجن لعب القمار.
عمل كوك تاي، الذي ظل بعيداً عن الأنظار، مع والده لتوسيع وتنويع شركاته خارج ماليزيا، حتى جعلها واحدة من أكبر تكتلات الألعاب والترفيه في العالم. واليوم، تدير مجموعة "غنتنغ" أيضاً منتجعات أندية مقامرة في المملكة المتحدة، وسنغافورة، والولايات المتحدة، إذ افتتحت منتجعات "وورلد لاس فيغاس" (World Las Vegas) في يونيو الماضي بكلفة 4.3 مليار دولار.
كان والد تاي الذي ولد في الصين، وانتقل إلى ماليزيا عندما كانت ما تزال مستعمرة بريطانية، توفي في عام 2007، بعد صراع مع المرض استمر لفترة قصيرة. وقبل أقل من 4 سنوات بقليل من ذلك؛ تولى كوك تاي قيادة المجموعة.
الشركات الأخرى
يتمثل السؤال المطروح حالياً في ما إذا كان كوك تاي سيحاول إنقاذ "غنتنغ هونغ كونغ" من خلال شركات المجموعة الأخرى. فقد كانت الشركة الشقيقة "غنتنغ ماليشا"، التي تدير منتجع نادي القمار داخل البلاد، قد استثمرت في "غنتنغ هونغ كونغ" من قبل، منذ أكثر من عقدين من الزمن. لكنَّها باعت حصتها، البالغة 17%، مقابل 415 مليون دولار في 2016.
مع ذلك، يقول المحللون، إنَّ مشاكل "غنتنغ هونغ كونغ" لن تعرقل طموحات كوك تاي لمجموعة "غنتنغ". إذ إنَّ شركة "غنتنغ" في ماليزيا التي اشترت اليخت الفاخر "إكونيميتي"، الذي كانت الحكومة الماليزية قد صادرته سابقاً من الممول الهارب جو لو مقابل 126 مليون دولار في 2019؛ تستعد الآن لافتتاح مدينة ترفيهية جديدة في الهواء الطلق، بقيمة 800 مليون دولار. وتجري "غنتنغ" في سنغافورة توسعاً بقيمة 4.5 مليار دولار سنغافوري (ما يعادل 3.3 مليار دولار أمريكي) لـ"ريزورتس وورلد سنتوسا"، أحد أكبر منتجعات أندية القمار في جنوب شرق آسيا.
توسّع المجموعة
يذكر أنَّ الشركات الأخرى التي في المجموعة، لا تمتلك حصصاً مشتركة مع "غنتنغ هونغ كونغ"، باستثناء امتلاك كوك تاي لحصص في كلٍّ منها. ويقول صامويل ين شاو يانغ، المحلل في بنك "ماي بنك إنفستمنت" في كوالالمبور: "ليس من المفترض أن تتأثر خطط التوسع الخاصة بشركات غنتنغ الأخرى سلباً". وتابع: "ديون كل شركة محصورة" داخلها.
في حين يرى جايمي كاتز، كبير محللي حقوق الملكية بشركة "مورنينغ ستار" في شيكاغو، أنَّ مشكلات شركة "غنتنغ هونغ كونغ" قد تعطي دفعة للمنافسين الذين يريدون التركيز على سوق الرحلات البحرية في آسيا.
لكنَّ ريك موناريز، المحلل المساهم في شركة "موتلي فول" توقَّع أن تتبع المزيد من شركات الرحلات البحرية المسار نفسه، إذ يقول: "شركة "غنتنغ هونغ كونغ" لن تكون آخر شركة مُشغّلة للرحلات البحرية تنفد أموالها.. لقد سئم الدائنون والمستثمرون من إهدار الأموال الثمينة على الاستثمارات السيئة".