تجاوزت ديون شركات التطوير العقاري في الصين 200 مليار دولار في صورة سندات مقومة بالدولار الأمريكي. من الطبيعي أن يحاول المستثمرون حالياً معرفة أي الشركات قد تصبح مجموعة "إيفرغراند غروب" التالية، والتي أحدثت أزمتها المالية موجة من الصدمات في مختلف الأسواق العالمية هذا العام.
اقرأ أيضاً: أباطرة عقارات الصين يسحبون المليارات من ثرواتهم لإنقاذ شركاتهم
الخطوة البديهية الأولى تبدأ بفحص تواريخ استحقاق السندات الخاصة بالمطوّر العقاري، وتحديد ما إذا كانت لديه سيولة أو أي أصول سائلة يستطيع بيعها –أو ما إذا كانت الصين ستخفف إجراءاتها الصارمة على النشاط العقاري قبل اقتراب موعد السداد. وهل تستطيع هذا الشركات أن تتحمل شتاءً قاسياً لفترة كافية؟
باستخدام هذه الطريقة، تجب مراقبة مجموعة "كايسا هولدينغز" (Kaisa Group Holdings)، وهي ثاني أكبر شركة مصدرة للسندات مرتفعة العوائد بعد مجموعة "إيفرغراند"، وتتخذ من مدينة شينغين مقراً لها. تترقب شركة التطوير العقاري هذه عاماً مزدحماً في 2022. فلديها سندات تقترب قيمتها من 3 مليارات دولار تستحق في شهور أبريل ويونيو ويوليو وسبتمبر وأكتوبر، بالإضافة إلى نحو 1.1 مليار دولار مدفوعات عن الكوبونات.
اقرأ المزيد: لماذا يتخارج مستثمرون من سندات عقارية صينية من الدرجة الاستثمارية؟
في الوقت ذاته، تسببت أكبر شركات البناء في الصين، وهي شركة "كانتري غاردن هولدينغز" (Country Garden Holdings)، التي تحظى بدرجة تصنيف استثمارية، في وقوع اضطرابات في السوق مؤخراً، ربما بسبب جدول استحقاق سنداتها.
القروض الخاصة
غير أنَّ السندات العامة المعلنة تمثّل جانباً واحداً من القصة فقط. فلدى هذه الشركات عشرات المليارات أيضاً من القروض الخاصة غير المعلنة. فشركات التطوير العقاري في الصين تقترض في العادة من بنوك خارجية. وقد يرفض ممولوها في هذه المرحلة تمديد تسهيلات القروض، وبالتالي؛ يفرضون عليها سدادها بصورة غير متوقَّعة. لذلك، يجب أن يحتوي أي جدول استحقاق للديون على القروض الخاصة غير المعلنة أيضاً، وليس على السندات العامة العلنية فقط.
اقرأ أيضاً: ثلثا المطورين الصينيين يفشلون في تطبيق معايير الاستدانة
المشكلة هي أنَّ عدداً قليلاً جداً من الناس، هم من يعرفون كمية الأموال المقترضة، وممَن تم اقتراضها، ومتى تستحق السداد؟. وغالباً ما تكون عملية سداد القروض غير منتظمة، وقد تتضمن عقودها بنودَ دفع اضطراري، مثل تخفيض التصنيف الائتماني، أو تجاوز معدل الرفع المالي، التي قد تلزم الشركة بسداد معجل للديون. وبما أنَّها قروض خاصة غير معلنة؛ لا يستطيع المتعاملون في السندات أن يطّلعوا على عقودها إلى أن يتوصلوا إلى تقدير لجداول استحقاق الديون عند الشركات، ويضطرون إلى بذل جهود إضافية.
حتى لو استمر المصرفيون على معاملتهم الودودة، كيف يستطيعون الموافقة على إعادة تمويل القروض، وهم لا يعرفون شيئاً عن الديون غير المدرجة في الميزانية، ولا يعرفون ما إذا كان المقترضون مستعدين للوفاء بالتزاماتهم؟
شحّ السيولة
في وقت سابق من هذا الشهر، قالت مجموعة "أجايل غروب هولدينغز" (Agile Group Holdings)، إنَّها سدّدت نحو 489 مليون دولار مستحقة من قرض طويل الأجل يسدد على أقساط حصلت عليه في مايو 2018. وكشفت بيانات جمعتها "بلومبرغ" أنَّ بنكي "إتش إس بي سي هولدينغز"، و"ستاندارد تشارتارد" من بين الدائنين. من البديهي أنَّ مجموعة "أجايل" كان يمكنها ببساطة ألا تتقدَّم بطلب تمديد القرض، لكن هل هذا منطقي ومعقول عندما تكون لدى شركة التطوير العقاري سندات مرتفعة العائد بقيمة 1.1 مليار دولار تستحق في عام 2022، وفي ظل ما تعانيه شركات القطاع من شح في السيولة النقدية؟ هل امتنعت بنوك شركة "أجايل" عن إعادة تمويل القرض؟ بقية القرض التي تبلغ قيمتها 1.5 مليار دولار تستحق السداد في شهر مايو القادم.
أو لننظر أيضاً إلى مجموعة "فانتازيا هولدينغز" (Fantasia Holdings)، وهي شركة تطوير عقاري صغيرة الحجم. فقد أدى قرارها المفاجئ بعدم سداد سنداتها الدولارية، إلى موجة بيع كثيفة في شهر أكتوبر الماضي. وقالت الشركة، إنَّ دعوى قضائية رفعت من الدائنين ضد إحدى شركاتها التابعة حول قرض بقيمة 149 مليون دولار.
مفاجآت ومشكلات
في حالة شركة "أجايل"، أدركت السوق أنَّها استخدمت آليات تمويل خارجية في إصدار سندات مقومة بالدولار كانت تضمنها يومياً طوال العام، فيما عدا يوم 30 يونيو، و يوم 31 ديسمبر؛ عندما تفصح الشركات علانية عن أوضاعها المالية، فلا تضطر شركة "أجايل" إلى إدراج قيمة هذه السندات في قائمة المركز المالي.
هذه المشكلة أشد سوءاً بالنسبة إلى شركة "فانتازيا". ففي أوائل شهر أكتوبر الماضي، رفضت الشركة سداد سندات دولارية بقيمة 206 ملايين دولار، برغم أنَّها كانت تملك السيولة النقدية –أو أنَّها أعطت انطباعاً بذلك. كانت "فانتازيا" تدّعي في تقارير الإفصاح واللقاءات مع المستثمرين أنَّ حالة السيولة والنقدية لديها جيدة، وذلك طيلة الوقت إلى أن حان موعد استحقاق السند. وبدأت الثقة، وهي عملة ضرورية في عالم البنوك، تشبه أوراق التواليت.
في الأشهر القليلة الأخيرة، أطلقت شركات التطوير العقاري عدداً كبيراً جداً من المفاجآت. فقد أصدرت سندات خاصة غير معلنة، وقدَّمت ضمانات سرية في مشروعات مشتركة، بل إنَّها باعت أيضاً بصورة غير معلنة حقوقاً في صناديق إدارة الثروات. إنَّ المصارف التي ترتب القروض الخاصة غير العلنية، ينبغي عليها أن تشعر بالقلق. فهي لا تعرف عدد الاتفاقات السرية التي دخلتها الشركات المقترضة.
في داخل الصين، للمفارقة، تستطيع الشركات المتعسرة أحياناً أن تجد متنفساً لها. فعندما تضطرب الأسواق، تستطيع الحكومة أن تخاطب البنوك بعدم تحصيل القروض، حتى تمنح شركات مثل "إيفرغراند" وقتاً كافياً للخروج من أزمات السيولة، وتسوية قروضها بطريقة منظمة. هذا الأسلوب من التدخّل الفوقي، لا ينجح خارج البلاد. والقروض الخاصة ستكون مواقع الضغط التالية عند شركات التطوير العقاري.