بلومبرغ
منذ ما يقرب من عقد من الزمان، عندما سُجن ثلاثة مواطنين صينيين في بكين، إثر اتهامهم ببيع أجهزة مقلدة من معدات الشبكات من شركة "هوليت-باكارد" (Hewlett-Packard)، بدا الأمر وكأنه تجسيداً لما طالبت به دوماً الشركات الأمريكية، ألا وهو حماية صارمة لحقوق الملكية الفكرية، في أكبر دولة في العالم من حيث الكثافة السكانية.
غير أن دعوى قضائية مطولة على وشك الذهاب إلى المحاكمة في ولاية ماساتشوستس الأمريكية، ترسم صورة أكثر غموضاً عن تلك الحادثة. حيث يتهم المواطنون الثلاثة، الذين تمت تبرئتهم في الصين، أيقونة "وادي السيليكون" السابقة بتدبير مكيدة لهم، ويجادلون بأن الشركات التابعة لـ "إتش بي" (HP) هي التي كانت تتآمر لبيع أجهزة مقلدة، ثم ألقت باللوم عليهم.
من جانبها، اعترضت شركة التكنولوجيا الأمريكية على تلك الادعاءات، وتقدمت بطلب إلى قاض فيدرالي لرفض الدعوى، قائلةً إن شركة "إنتيغريتد كوميونيكيشنز آند تكنولوجيز " (ICT)، التي وظفت المواطنين الصينيين الثلاثة، والتي تتخذ من ماساتشوستس مقراً لها، اختلقت تلك القصة للتستر على سلوكها الإجرامي.
قد يحكم قاضي المحكمة الجزئية الأمريكية، ليو تي سوروكين، في طلب رفض الدعوى المقدم من الشركة الأمريكية، في أي وقت. إلا أنه في حال لم يفعل ذلك، وسمح للدعوى القضائية بالمتابعة. ومن المقرر أن تبدأ المحاكمة في فبراير.
الملكية الفكرية
على مدى سنوات طويلة، طالبت الشركات الغربية، الصين بمكافحة التقليد، واتخاذ إجراءات ضد من يسرقون ملكيتها الفكرية. وقد شكل الضغط الذي مارسته صناعة التكنولوجيا على الحكومة الأمريكية للمساعدة في حماية ملكيتها الفكرية، أحد دوافع الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، على الصين. وتجدر الإشارة إلى أن خسارة أي من الجانبين في الدعوى القضائية، سيلحق أضراراً بسمعة الطرف الخاسر، ضمن أكبر سوق لأجهزة الحاسب الآلي في العالم، حيث سيتم وصم هذا الطرف ببيع سلع مقلدة، بطرق احتيالية.
يذكر أن مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة قد اعتبر في تقريره الصادر عام 2020، الصين كـ"المصدر الأساسي" للسلع المقلدة. وبحسب التقرير، تشكل الصين إلى جانب هونغ كونغ 92% من قيمة السلع المقلدة التي صادرتها هيئة الجمارك وحماية الحدود بالولايات المتحدة في عام 2019. في هذه الحالة، تم تصنيع أجهزة شبكات من قبل شركة تابعة لـ "HP" في الصين، ثم تم تصديرها إلى الهند على سبيل الإيجار، لتباع مرة أخرى في السوق الصينية.
"أمازون" و"إيباي" تواجهان مسؤولية بيع المنتجات المزيفة عبر منصاتها
وفق وثائق المحكمة، بما في ذلك الشهادات الخطية، بدأت القصة الطويلة التي أدت إلى الدعوى القضائية في عام 2011، عندما تم إبلاغ موظفا شركة "ICT"، جايد تشينغ، وجيسون يويي، بوجود فرصة تجارية ضخمة أمام شركتهما، والتي كانت تتمثل بأن شركة "HP للخدمات المالية" بالهند ستبيع معدات شبكات حاسوبية مستعملة لهم، ليقوموا بإعادة بيعها إلى عملائهم حول العالم.
وعليه، فقد تضمن التحضير للصفقة ساعات من العمل الشاق، وقال تشينغ وفقاً لوثائق المحكمة: "مع وجود مشترين محتملين، أمضيت أياماً وليالي مع وجيسون، في إجراء مكالمات هاتفية، وإرسال رسائل البريد الإلكتروني، وابتكار إعلانات عبر الإنترنت، وذلك فقط للاستعداد لـلمستقبل الكبير المنتظر".
ولكن بمجرد تسليم الشركة لبعض من هذه الأجهزة، اتضح أنها ليست مطابقة لما تم الإعلان عنه. وقال تشينغ، إن عملاء شركة "ICT" اشتكوا من كون المعدات في حالة سيئة، وانطوت على عيوب، وهو ما أدى إلى الإضرار بأرباح وسمعة الشركة. وقد اشترت "ICT" الدفعة الأولى من الأجهزة، مقابل 250 ألف دولار، وكان من المخطط أن تباع مقابل 1.5 مليون دولار. لكن عملاء "ICT" تراجعوا عن شراء المعدات، بمجرد تبين أنها معيبة.
عقب ذلك، استهلك الخلاف مع العملاء مع اكتشاف الأجهزة المعيبة، معظم أوقات كلا من تشينغ، ويويي. وفي غضون ذلك، التحقت كاثي يو بشركة "ICT" أيضاً في عام 2012، وعملت هي الأخرى خلال ذلك العام، على محاولة إصلاح العلاقات مع العملاء.
موظفون مفقودون
ثم في أحد الأيام، وتحديداً في العاشر من ديسمبر في عام 2012، لاحظ تشينغ أن زميليه لم يسجلا دخلوهما إلكترونياً عبر الحواسيب الخاصة بالعمل.
في البداية، اعتقد تشينغ، المدير السابق لشركة "ICT" لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، أن الشابين قد استغرقا في النوم حتى ساعة متأخرة، بعد عطلة نهاية الأسبوع، حيث كان ذلك صباح الاثنين. وبعد محاولات متكررة للتواصل معهما عبر الهاتف، بما في ذلك محاولة الاتصال بذويهم، قال تشينغ في إفادة خطية: "بدأت أشعر بالتوتر، وانتابني ذلك الشعور عندما يخبرك حدسك أن هناك خطب ما".
وبالفعل أصاب حدس تشينغ، فقد كان مكتب الأمن العام الصيني قد اعتقل زميليه، حيث تم احتاجزهما في مركز "هايديان" في بكين، تحت تهمة بيع أجهزة مغشوشة. لاحقاً، انضم إليهم تشينغ كسجين، أثناء سفره من مدينة روشان إلى العاصمة الصينية لمعرفة ما كان يجري.
أضاف تشينغ، في إفادة خطية له أيضاً، إنه انتقل بين عدة زنازين أثناء تواجده في مركز الاحتجاز، ونام على الأرض، واضطر إلى مشاركة بطانيته، ولم يستطع الاحتفال بعيد الميلاد، ورأس السنة الجديدة مع أسرته، وكان يجلس لساعات على ألواح خشبية، وشرب مياه قذرة، واضطر للاستحمام بمياه باردة كالثلج، وتعرض للتهديد من قبل سجناء آخرين. وتابع تشينغ في الإفادة الخطية:
شعرت وكأنني دخلت الجحيم
رفع الدعوى القضائية
استمر احتجاز تشينغ وزملائه تحت هذه الظروف حتى إطلاق سراحهم بكفالة، في يوليو 2013. وفي عام 2014، أصدرت الشرطة لكلاً من لتشنغ، ويو، ويويي، شهادة عدم إدانة جنائية، وهو ما يعني تبرئتهم بشكل أساسي. ثم في عام 2015، قام الموظفون الثلاثة برفع دعوى قضائية ضد الشركات التابعة لشركة "HP"، وهي: شركة "هيوليت-باكارد إنتربرايز"، و"HP INC"، بالإضافة إلى شركة "HP للخدمات المالية" بالهند، و"إتش 3 سي"، وهي شركة عبارة عن تحالف مشترك لـ"HP" في الصين.
في المقابلات والإفادات الخطية، قال تشينغ، وزملاؤه المحتجزين، ومديرهم، أليكس ستايلر، مؤسس شركة "ICT"، ورئيسها التنفيذي، إنهم يعتقدون أن الشركة الفرعية الهندية لشركة "HP" باعتهم مُعدات مقلدة، وقدمتها لهم على أنها أصلية، ثم قامت الشركة المشتركة الصينية، بالإبلاغ عنهم للسلطات.
وعن الشركات المتعلقة بشركة "هيوليت-باكارد"، قال ستايلر خلال مقابلة له مع "بلومبرغ": "لقد تركهم ذلك في مأزق". مضيفاً: "إذا اعترفوا ببيعنا أجهزة مقلدة، فهذا يعني أنهم انتهكوا القانون في الهند، كما سيضر ذلك سمعتهم في الصين، وهي سوق مهمة للغاية بالنسبة لهم، كما سيعني ذلك، أن بيعهم المتهور لتلك الأجهزة، تسبب في سجن ثلاثة أشخاص أبرياء".
قصة حبس سيدة الأعمال الألمانية "غولبنكيان" في لندن بسبب الاحتيال الفني
"قصة رائعة"
وفقاً لشركات "HP"، فإن هذه الاتهامات لا تعدو كونها "قصة رائعة عن التزوير، والتآمر"، لا تدعمها أي حقائق.
وقالت الشركات المدعى عليها ضمن طلبها لرفض الدعوى: "بتوجيه من ستايلر، انتهكت "ICT" عن قصد، مجموعة من القوانين المدنية والجنائية الصينية، من خلال ممارسة أعمال تجارية دون ترخيص، وحرمان موظفيها من الحماية القانونية، وتهريب البضائع بدون علم مسؤولي الجمارك، والتهرب من الضرائب، وبيع أجهزة الإرسال والاستقبال المقلدة، والتي لم يكن مصدرها يرجع لـ"HP للخدمات المالية" بالهند". وقد امتنع ممثلو الشركات المدعى عليها عن إضافة أي تعليق.
وكان القاضي سوروكين، قد رفض ادعاء موظفي "ICT" بالسجن على أسس كاذبة في عام 2017، قائلاً إنه لا يوجد دليل على أن الشركات المتعلقة بـ"HP" تعمدت سجن الموظفين، وذكر في حكمه: "ترى المحكمة، استناداً إلى "منطقها السليم"، أنه من غير الممكن تصديق اقتراح المدعين الأفراد بأن المدعى عليهم لم يبذلوا جهداً كافياً للإفراج عن الموظفين، لأنهم كانوا يريدون البقاء عليهم محتجزين".
من جانبها، رفعت مجموعة "ICT" دعوى منقحة لمحاولة إقناع القاضي بإعادة النظر في هذا الرفض. وقالت الشركة إن سنوات الاختصام في المحاكم ومفاوضات التسوية الفاشلة مع الشركات المرتبطة بـ"HP"، إنما توضح جهود المُدعى عليهم في استغلال نفوذهم لإنهاك شركة صغيرة، ليقوموا بعدها بإخفاء آثار قيامهم بذلك. من جهتها فإن الشركات المُدعى عليها -التي تنتقد ضمن التماس النقض الذي قدمته للمحكمة، الصلاحية القانونية للدعوى- تقول إن تبادل المعلومات قبل المحاكمة كشف اتفاق كلا الجانبين على عدم وجود دليل على أن "HP" زودت "ICT" بالمُعدات المقلدة. وهذا بدوره يوضح إن مديري الشركة المدعية "ICT"، هم المحتالون الحقيقيون، وذلك بحسب أحد الشركات المرتبطة بـ"HP".
لإصلاح الكوكب.. علينا العودة إلى ثقافة إصلاح المنتجات
تاريخ "ICT"
قام ستايلر بتأسيس شركة "ICT" في عام 1993، وذلك بعد ثلاث سنوات من فراره من الاتحاد السوفيتي كلاجئ سياسي، تحت هدف "منح التكنولوجيا القديمة حياة جديدة"، وتوفير الأجهزة المستعملة للشركات التي لا تستطيع تحمل السعر الكامل للأجهزة الجديدة. منذ ذلك الحين، قالت "ICT" على موقعها الإلكتروني إنها عالجت ما يقرب من 5.4 مليون رطل من النفايات الإلكترونية، وأن تعاملات الشركة التجارية "متوافقة تماماً مع اللوائح والمعايير".
غير أن ذلك لم يكن النزاع القانوني الأول للشركة مع أحد عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة، حيث رفعت شركة "مايكروسوفت" دعوى قضائية ضد "ICT" في عام 2015، بسبب بيعها أجهزة حاسوب، تحتوي على نسخ غير مصرح بها من أنظمة تشغيل "ويندوز 7"، وقد تمت تسوية الدعوى خارج المحكمة. وقال ستايلر في المقابلة إن هذه القضية تم حلها "ودياً" و"بسرعة"، مما سمح لـ"ICT" بأن تصبح إحدى الشركات المُسجلة لتجديد أجهزة "مايكروسوفت".
بيانات القضية: شركة "إنتجريتد كوميونيكيشنز آند تكنولوجيز"، ضد شركة "هيوليت- باكارد للخدمات المالية"، تحمل رقم (16-cv-10386) بالمحكمة الأمريكية لمقاطعة ماساتشوستس (بوسطن).