بلومبرغ
أثارت حملة الحكومة الصينية التي تستهدف أكبر شركات التكنولوجيا في البلاد مخاوف من إصابة الصناعة بالشلل أو إغراقها في حالة من الفوضى، وذلك مع دخول الاقتصاد الصيني في مرحلة دقيقة. غير أن هناك فئة واحدة في قطاع التكنولوجيا، قد تستفيد من قوانين مكافحة الاحتكار بشكل خاص، ألا وهي الشركات الناشئة ومستثمروها.
ويقول تشو شيانغ، العضو المنتدب في شركة "تشاينا رينيسانس جروب" والذي يشرف على استثماراتها: "ستسمح قوانين مكافحة الاحتكار بالفعل إلى زيادة مساحة نمو الشركات الناشئة".
وأضاف شيانغ: "في السابق، شهدنا عدول أصحاب رؤوس الأموال المغامرة عن بعض الصفقات بسبب مخاوف من احتمالية دخول عمالقة التكنولوجيا يوماً ما إلى مجال عمل الشركة الناشئة. ولقد خفف قانون مكافحة الاحتكار هذه المخاوف في صفقات الاستثمار".
عراقيل في مواجهة العمالقة
وتشهد الصين ازدهارًا تقنيًا هائلاً تتصدره شركتا "علي بابا" و"تينسنت القابضة"، واللتان تبلغ قيمتهما مجتمعتين، حوالي 1.6 تريليون دولار. وعلى الرغم من ذلك، فقد اصطدم عصر التوسع غير المقيد لعمالقة التكنولوجيا بعقبة أعاقت تقدمه، عندما بدأت بكين بملاحقة مؤسس شركة "علي بابا"، جاك ما، سفير الصناعة الصينية، وإمبراطوريته عبر الإنترنت.
ومن ثم، ألغت شركة "آنت جروب" التابعة لشركة "علي بابا" طرحها الذي كان في نوفمبر العام الماضي، وكانت قيمته 35 مليار دولار. وفي نفس الشهر، اقترحت بكين نظامًا لمكافحة الاحتكار من شأنه أن يمنح الحكومة سلطات واسعة لكبح جماح أقوى الشركات. وفي ديسمبر من عام 2020، بدأت الحكومة الصينية تحقيقا في ممارسات "مجموعة علي بابا".
وقد يؤدي النهج الصيني الجديد إلى فرض غرامات كبيرة على كبرى الشركات في قطاع التكنولوجيا أو حتى تقسيم تلك الشركات. وحالياً، قد يؤدي ذلك إلى تخفيف وتيرة عمليات الاستحواذ التي اعتمدت عليها كبرى شركات التكنولوجيا الصينية لضمان مكانتها في مجال الصناعة الناشئة عبر الاستحواذ على الشركات الواعدة، حيث تعتمد العديد من الشركات الناشئة على "علي بابا" و"تينسنت" للحصول على رأس مال استثماري، أو تستهدف أن يتم شراؤها من قبل إحدى الشركتين بشكل مباشر.
جيل من المنافسين في التكنولوجيا العميقة
ويسيطر العمالقة الصينيون على الصناعة من خلال شبكة من الاستثمار تشبه المتاهة، والتي تشمل الغالبية العظمى من الشركات الناشئة الأكثر نجاحًا في البلاد، والتي تعمل في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي منها شركات "سينس تايم" و"ميجفي"، و شركة "آنت غروب" في مجال التمويل الرقمي، وغيرها. كما ساهمت هذه الشركات الكبيرة أيضًا في صقل جيل جديد من العمالقة، بما في ذلك عملاق الطعام والسفر "ميتوان"، وشركة "ديدي شوكينغ"، التي تعد بمثابة النسخة الصينية من "أوبر".
كما بزغت بعض الشركات الناشئة المستقلة البارزة في مجال التكنولوجيا، مثل "بايت دانس" التي تمتلك "تيك توك"، وصانعة الطائرات بدون طيار "دي جي آي تكنولوجي" في تشنتشن، وشركة الألعاب "نت إيز". ومن الممكن أن يلهم نهج التحول الذي تتبعه بكين المستثمرين العالميين للمراهنة على المزيد من الشركات المستقلة، وهم يعلمون أنه لن يتم سحقهم أو ابتلاعهم من قبل الشركات الكبرى المهيمنة.
ويبدو أن الحزب الشيوعي في الصين مهتم بإدخال جيل من المنافسين وتحفيز الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا العميقة، والتي تستغرق وقتًا أطول لتطويرها. وكان الزعيم الصيني شي جين بينغ، قد أوضح أنه يريد إعطاء الأولوية في البلاد لتقنيات الحوسبة الفائقة، وأشباه الموصلات، وذلك على حساب ألعاب الهواتف الذكية وتوصيل البقالة.
الخيار الثالث
من جانبها، تقول ربيكا فانين، مؤسسة "سيليكون دراجون فينتشرز": "ستستمر الصين في الدفع بقوة على الصعيد التكنولوجي، وهي تحقق مكاسب في العديد من القطاعات المهمة، مثل الذكاء الاصطناعي، وصناعة الروبوتات، والجيل الخامس". وأضافت فانين إن العديد من التطورات "تأتي من الشركات الناشئة، وليس من عمالقة التكنولوجيا".
وتجد الشركات الناشئة التي تأمل في الاستفادة من تدخلات بكين نفسها معرضة للخطر أيضًا، كما توضح أنجيلا تشانغ، مديرة مركز القانون الصيني في جامعة هونغ كونغ، إذ يمكن أن يمتد حماس الحكومة للسيطرة على قطاع التكنولوجيا، قريباً، ليشمل الشركات الأصغر هي الأخرى.
وبحسب تشانغ فإن الشركات الناشئة كان ينتظرها أحد مصيرين في هذه المرحلة: "إما ألا تستطيع البقاء، أو أن يتم شراؤها من قبل "مجموعة علي بابا" أو "تينسنت" إذا ما كان أداؤها جيداً، لكن هذه الحملة الحكومية تمنح الشركات الناشئة خياراً ثالثًا".