بعد الاعتراف به مرضاً عالمياً.. إدمان ألعاب الفيديو يبحث عن علاج

time reading iconدقائق القراءة - 11
شركات استشارية عدة تنشط في مجال مساعدة الآباء على تخليص أبنائهم من الإفراط في استخدام الشاشات - المصدر: بلومبرغ
شركات استشارية عدة تنشط في مجال مساعدة الآباء على تخليص أبنائهم من الإفراط في استخدام الشاشات - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كانت أركاديا كيم قد أمضت مشوارها المهني في تطوير ألعاب الفيديو، حتى تلقت في يوم من الأيام ضربة موجعة من هذه الألعاب. حدثت الواقعة قبل عدة سنوات عندما كانت كيم، التي عملت سابقاً مديرة تشغيل استوديو في شركة "إلكترونيك أرتس"، تحاول فك التصاق ابنها ذي الأعوام الـ10 حينها، عن لعبة "ماين كرافت"، وعندها ألقى عليها طفلها بغضب جهاز الـ"أيباد".

تشخيص المرض

قالت كيم، البالغة من العمر 48 عاماً، إنّ التجربة ألهمتها لبدء نشاط تجاري في عام 2019، يختص بتقديم المشورة للآباء حول تكوين علاقات صحية بين أطفالهم وشاشات الأجهزة. وبات العمل أكثر إلحاحاً خلال العام الحالي، عندما اعترفت منظمة الصحة العالمية رسمياً بأن إدمان ألعاب الفيديو يمثل مرضاً للمرة الأولى.

وبينما يوجد اختلاف بين مستخدمي الألعاب وأولياء الأمور، وحتى داخل المجتمع الطبي، حول ما إذا كان إدمان الألعاب أمراً حقيقياً أم لا، فإنه في كل الأحوال من الممكن أن يمثل تصنيف منظمة الصحة العالمية نعمة بالنسبة إلى عمل كيم الحالي، وإلى أنشطة تجارية أخرى مشابهة، إذ يعمل عشرات الاستشاريين بالمجال في الولايات المتحدة وحدها على أمور تتنوع من تطبيقات إلكترونية، ومعسكرات تدريبية، وكتب خاصة بالمساعدة الذاتية، ومراكز لتقديم العلاج.

وحسب منظمة الصحة العالمية، يقوم تشخيص الإدمان على توافر سلسلة من الأعراض. وهي تتضمن الافتقار إلى السيطرة على الدافع المحرك لممارسة ألعاب الفيديو، والميل إلى إعطائها الأولوية على حساب الاهتمامات أو المهام الأخرى، والمواصلة في استخدامها أو زيادة التورط بها رغم وجود العواقب السلبية.

الاعتراف به

تطرح الدراسات استنتاجات مختلفة حول الموضوع، ويعود ذلك جزئياً إلى الاختلاف حول تعريف الإدمان، بيد أنها تجتمع عادة على أن نسبة المرض بين مستخدمي ألعاب الفيديو تتراوح بين 2% و3% من مجموع الأشخاص الذين يستخدمون هذه الألعاب.

تشير تقديرات ماثيو ستيفنز من جامعة "أديلايد" في أستراليا إلى وجود حالة مَرَضية مشابهة يطلق عليها اضطراب الألعاب، وهي متفشية بشكل يفوق المقامرة القهرية، ولكنها أقل تفشياً من التسوق القهري.

احتاج إنجاز الحصول على الاعتراف من منظمة الصحة العالمية عدة سنوات، إذ صوتت الدول الأعضاء في المنظمة خلال عام 2018 على إدراج إدمان ألعاب الفيديو ضمن قائمة تصنيف الأمراض الخاصة بالمنظمة، وهو أمر يسهم في توحيد التقارير الصحية عالمياً، ويتيح عملية التتبع لها في كل أنحاء العالم. ولم يدخل التعديل حيز التنفيذ حتى يناير الماضي، وهو تأخير جاء متعمداً لإعطاء قطاع الرعاية الصحية فترة زمنية للاستعداد.

جدل حول الإدمان

رغم ذلك، يستمرّ الجدل بين علماء السلوكيات، إذ يحتجّ بعض المعالجين بأنه يتعين على الجمعية الأمريكية للطب النفسي اتباع منظمة الصحة العالمية والاعتراف بإدمان الألعاب كمرض، وهو ما سيحتاج إلى بذل جهد لمقترحات وأوراق بحثية أكاديمية.

يعمل بول أبيلباوم رئيس لجنة تابعة للجمعية الأمريكية للطب النفسي، وهي مسؤولة عن مثل طلبات التصنيف هذه، وهو يقول إنّ آخر مرة صنفت فيها الجمعية إدماناً جديداً كانت في عام 2013، عندما أدرجت إدمان القمار في القائمة. وقال إنّ التعديلات تحصل ببطء و"تحتاج إلى أن تكون مدعمة بالبيانات إذا كانت ستقبل بطريقة واسعة النطاق".

وسيترتب على الاعتراف الواسع بالاضطراب انعكاسات قانونية. عن ذلك يقول مات بيرغمان، وهو محامٍ من ولاية أوريغون رفع دعاوى قضائية ضد شركات التواصل الاجتماعي نيابة عن مراهقين: "سيصعّب ذلك على المحاكم استبعاد الخبراء الذين يدلون بشهاداتهم حول إدمان ألعاب الفيديو".

إنفوغراف: 175 مليار دولار إيرادات الألعاب.. 57% منها عن طريق الهواتف

في مجال عمل كيم، يجري التعامل غالباً مع الأشخاص الذين يفرطون في استخدام الألعاب، لكنها تتردد في استعمال كلمة "إدمان". وتقول كيم، التي تقدم المشورة إلى الآباء من خلال شركتها الاستشارية "إنفينيت سكرين تايم" (Infinite Screentime)، إنّ كلمة إدمان "لها معنى محدد تماماً"، وتابعت: "دعنا لا نحولها إلى شيء يخالف حقيقتها".

قبل الحادثة التي ألقى عليها ابنها بجهاز "أيباد" فيها، أمضت كيم عقداً من الزمان تقريباً في شركة "إلكترونك أرتس"، وهي شركة أصدرت ألعاباً مثل "أبيكس ليجندز" و"فيفا" و"مادن". وكانت تعمل في منصب مديرة العمليات لاستوديو في لوس أنجلوس، إذ ساعدت في إصدار لعبة "سيد الخواتم"، كما أشرفت على تطوير اللعبة الحربية "ميدال أوف أونور إيربورن" و"كوماند آند كونكور3"، وعملت على لعبة "سيمز2". وهي تشعر بالفخر إزاء الوقت الذي قضته بالشركة.

تصميم الألعاب

لكن هناك جوانب من عمل كيم لا تزال تشغل تفكيرها حتى اليوم، إذ تقارن جزءاً من وظيفتها السابقة مع عمل كاتبة روائية تصوغ حبكة درامية مشوقة، أو كاتبة تليفزيونية تبتكر مشهداً مثيراً في نهاية إحدى الحلقات، فقد كان الهدف خلال عملها دائماً هو التأكد من أن ترك الشخص للعبة سيكون أمراً صعباً. تقول كيم: "كلما استطعت تعليق الناس، وجذبهم إلى عالم اللعبة، وجعلها شيئاً يمكن للناس الهروب إليه.. كنت أفضل في هذا الأمر، وكنت أكثر نجاحاً في عملي".

من جهتها، تقول شركة "إلكترونيك أرتس" إنها تقدم خيارات متنوعة للرقابة الأبوية بشكل يتيح العادات الصحية للأطفال. وتقول إنها دشنت حملة إعلانية في المملكة المتحدة لزيادة الوعي بهذه الأدوات. وقال كريس بروزو، كبير مسؤولي التجربة في الشركة، عبر بيان أُرسل بالبريد الإلكتروني: "على استخدام الألعاب أن يكون متوازناً من خلال اللعب المسؤول، ونحن نقوم بدورنا بطريقة جادة، لضمان تمكين الآباء وفهمهم لكل الموارد المتاحة لمساعدتهم على اتخاذ القرارات الصحيحة لعائلاتهم".

حلقة الإكراه

وتقول كيم إنّ مطوري الألعاب في شركة "إلكترونيك أرتس" قضوا كذلك وقتاً طويلاً في تدعيم ما يُطلَق عليه حلقة الإكراه، إذ من الممكن أن يسهم الضبط الدقيق لتقنيات محددة في عدم توقف الأشخاص عن اللعب، بالاعتماد على أدوات مثل نظام النقاط، وترقيات شخصيات اللعبة، وتقديم حيوات إضافية ومفاجآت كبيرة. وجرى ذكر مبادئ عددية مشابهة ضمن مقال نُشر عام 2001 يحمل عنواناً هو "تصميم الألعاب السلوكي"، من قِبل جون هوبسون، وهو أحد أشهر الباحثين في القطاع، وتتضمن خبراته السابقة لعبة "هالو3" التابعة لشركة "مايكروسوفت".

غادرت كيم لوس أنجلوس في عام 2006 متوجهة إلى كوريا الجنوبية، إذ قدمت المشورة لاستوديو شركة "إلكترونك أرتس" على مدى سنتين هناك.

وتعيش كيم في هونغ كونغ حالياً. وقد حدثت واقعة ابنها وجهاز الـ"أيباد" في أثناء رحلة عودة إلى لوس أنجلوس في عام 2017، إذ كانت العائلة تقيم مع شقيق كيم، وهو برنارد كيم، الذي يرأس شركة "زيانغا" (Zynga)، وهي الشركة التي ابتكرت ألعاباً عديدة تأسر الأذهان مثل لعبة "فارم فيل" (قال برنارد إنه يدعم عمل شقيقته الحالي). وكانت كيم أخذت ابنتيها الصغيرتين في نزهة، لكنها لم تتمكن من العثور على ابنها. حينها ساورها الشك بأنه يخالف قاعدة العائلة بقضاء وقت لا يزيد على 20 دقيقة على شاشات الأجهزة يومياً. ثم عثرت عليه في غرفة نوم الضيوف، إذ توهجت الأغطية التي كان يختبئ تحتها جراء ضوء الشاشة. وقادها الغضب بعد الحادثة إلى الدخول في نوبة بكاء، والشعور بوخز في الوجه، بينما كانت تجلس على أرضية حمام مجاور.

وشعرت كيم في وقتها أن حدودها ضيقة بطريقة غير منطقية، واجتاحتها مشاعر الذنب تجاه عملها المهني السابق في مجال ألعاب الفيديو، وخافت من تأثيراتها القوية. وكانت بشكل لا واعٍ تربط اهتمام ابنها بالألعاب مع شعورها بالعار تجاه عملها، فيما تحاول كيم في الوقت الحالي أن تتبنى هواية أطفالها. وتقول: "يشعر ابني بحماس شديد عندما يتحدث عن عالم لعبة (ماين كرافت) الخاص به".

تقدم كيم نصيحة لعملاء شركة "إنفينيت سكرين تايم" من الآباء باستخدام ألعاب الفيديو مع أطفالهم وتشجيع الأطفال على تحديد المدة التي يجب أن تستغرقها الجلسة الواحدة للعب قبل بدايتها، والتخطيط لوقت الاستراحة. تُطلِع كيم العملاء أيضاً على مفهوم حلقة الإكراه في الألعاب، وطريقة التعرف مَواطن التعلق.

وقالت كيم إنّ الناس لا يحبّون التلاعب بهم، وبتوفير توعية بسيطة عن استراتيجية الشركات يمكن مساعدة الناس في السيطرة على الرغبة في الإفراط في اللعب.

تصنيفات

قصص قد تهمك