لقد كانت شركة "فيسبوك" جيدة في سرد القصص، ولكن بعد أن كشف أحد الوشاة الداخليين عن الضرر المذهل الذي تسبّبت به منتجات الشركة على الصحة العقلية لليافعين وغيرهم في جميع أنحاء العالم؛ غيّرتْ الشركة اسمها، وجعلت الجميع يتحدّثون عن "الميتافيرس" بدلاً من ذلك. وفي هذا الصدد؛ أعلن مارك زوكربيرغ الآن أنَّ المدير التنفيذي الأعلى للسياسات، نيك كليغ، قد حصل على ترقية، وهو يتولى المهمة الصعبة المتمثلة في السير في حقل ألغام قانوني وتنظيمي قادم. أما القصة الجديدة؛ فهي أنَّ زوكربيرغ يتخلى عن السيطرة، ويسمح أن يقود شركة "ميتا بلاتفورمز" (فيسبوك) خبير مخضرم في السياسة العامة.
"ميتا" تخرج من قائمة أغلى 10 شركات في العالم
إلا أنَّ هذا الإعلان في الواقع يؤكد على شيئين: نعم، إنَّه يعني تسليم الكثير من مسؤولية زوكربيرغ حول السياسة، ويُعفيه من واجبات غير مريحة، مثل الرد على المشرعين، مما يسمح له بالتركيز على بناء واستثمار العالم الغامر الذي يريدنا جميعاً أن نسكنه يوماً ما. وفي الواقع؛ فقد سئم زوكربيرغ بشكل ملحوظ من الاعتذار عن الآثار الجانبية الضارة لـ "فيسبوك"، وقضى معظم العام الماضي في مجمعه في هاواي. كما تجاهل علناً إفصاحات الوشاة عن المخالفات لأسابيع، ليفسح المجال لـِ كليغ لصدِّ تلك الحجارة والسهام.
نهج مختلف؟
كما أنَّه يخلق وهماً بأنَّ شخصاً آخر قد يتّخذ نهجاً مختلفاً في السياسة. وإلا لماذا منحه المزيد من النفوذ؟ وفي الواقع، كتب زوكربيرغ عن كليغ في منشور على "فيسبوك" ليلة الأربعاء: "نحن بحاجة إلى قيادي بارز على مستواي".
يُشار إلى أنَّ كليغ كان بالفعل أكبر مسؤول عن السياسات في "فيسبوك"، وسينتقل من تقديم تقاريره إلى شيريل ساندبرغ، كبير مسؤولي العمليات في "فيسبوك"، إلى كل من ساندبرغ وزوكربيرغ. إلا أنَّ كليغ كان بالفعل على مستوييهما؛ ولا تعد هذه خطوة للأعلى بقدر ما هي خطوة للاقتراب من الشخص الذي يقود الشركة بالفعل.
وفي حين أنَّ مؤسّسي شركات التكنولوجيا الناجحة الأخرى مثل: "مايكروسوفت"، و"ألفابت"، و"أوبر تكنولوجيز" قد تنحوا جانباً، إلا أنَّ الشخص الذي أسّس "فيسبوك" منذ 18 عاماً ما يزال يسيطر على 58% من حقوق التصويت، ويظل رئيس مجلس الإدارة؛ وفشلت محاولات المساهمين لكبح تلك القبضة المحكمة بفضل مجلس الإدارة المخلص. كما يُظهر كبار مساعدي زوكربيرغ، بمن فيهم كليغ، النوع نفسه من الولاء.
على الرغم من أنَّ كليغ قد لعب دوراً رئيسياً في إنشاء مجلس الإشراف على "فيسبوك"، والذي ما تزال فعاليته قيد الإثبات؛ إلا أنَّه من الصعب أن نراه يستخدم منصبه الجديد لنقل الشركة في اتجاه أكثر صحة مع المنظمين من خلال مناقشة الأمور مع زوكربيرغ. وهذا الواقع لا يشبه بالتأكيد ما يتذكره العديد من المؤرخين السياسيين عن علاقة كليغ برئيس الوزراء ديفيد كاميرون، والذي يمكن القول، إنَّه تصرف معه كمساعد أكثر من كونه شريكاً في الائتلاف.
ما يُثير قلق "ميتا" حقاً هو أنَّه من أجل تحقيق النجاح لـ"ميتافيرس"؛ سيحتاج زوكربيرغ إلى أن يُشمّر عن ساعديه، ويغوص بعمق في أعمال السياسة العامة التي يكرهها. كما تدور إحدى المشكلات الجديدة الأكثر إلحاحاً التي يواجهها حول السياسة والسلوك البشري؛ وقد كانت هناك العديد من حوادث التحرش بالنساء على منصة "ميتافيرس" الاجتماعية التابعة لشركة "ميتا"، والتي تحمل اسم "هورايزن فينيوز"، بما في ذلك حادثة تحرّش واغتصاب جماعي افتراضي.
فضلاً عن ذلك؛ قدّمت شركة "مايكروسوفت" بالفعل درساً رئيسياً حول كيفية الاستجابة لمثل هذا الواقع؛ فقد أعلنت يوم الأربعاء عن سلسلة من الإجراءات لمعالجة التحرش على منصات "ميتافيرس" الخاصة بها، وأغلقت تماماً ثلاثة من تطبيقات الواقع الافتراضي الاجتماعية الرئيسية، بما في ذلك منطقة شهيرة للقاء الغرباء، وممارسة الألعاب، تسمى: "كامب فاير" (Campfire)، كما تعمل أيضاً على تشغيل فقاعات الأمان لجميع زوار الواقع الافتراضي بشكل تلقائي، مما يُعزّز المشرفين، ويكتم تلقائياً صوت أي شخص يحضر حدثاً.
لكن تبدو جهود "فيسبوك" للتعامل مع سلامة "ميتافيرس" فاترة بالمقارنة. فبعد تقارير المضايقات؛ قدّمت خياراً لمنع الصور الرمزية من الاقتراب من دائرة نصف قطرها يبلغ قدمين من الصورة الرمزية للمستخدم. ومن المؤكد أنَّ أدوات الحظر تحمل بعض الوعود، إلا أنَّها جُرِّبتْ في الألعاب، ويمكن إساءة استخدامها لتضرب حصاراً ضد الآخرين. وتتمثل المحاولة الأكثر جدية لتأسيس الأمان كقاعدة في إغلاق منصات "ميتا" للواقع الافتراضي الاجتماعي - كما فعلت "مايكروسوفت" - وإعادة تصميمها مع مراعاة السلامة.
لكنْ هناك احتمال ضئيل يمكن أن يدفع نيك كليغ من أجل إصلاحات كبيرة من هذا القبيل. وما من شكٍّ في أنَّه طالما حافظ زوكربيرغ على مستوى سيطرته الحالي؛ فمن المتوقَّع أن يستمر الوضع الراهن.