تخطط "فيسبوك" لتغيير اسمها إلى شيء يتعلق بتقنية "ميتافيرس" (metaverse)، وهي الشبكة الرقمية الجديدة للتواصل من خلال الواقع المُعزّز والافتراضي، وفقاً لتقرير "ذا فيرج" (The Verge)، الذي يستشهد بمصادر على إطلاع مباشر بالأمر. قالت الشركة خلال عطلة نهاية الأسبوع إنها ستقوم بتوظيف 10 آلاف شخص من ذوي المهارات العالية في أوروبا، كجزء من جهودها لبناء تقنية "ميتافيرس" في أوروبا.
ملاحظة: يبدو إعلان يوم الأحد للوهلة الأولى وكأنه جهد محسوب لممارسة الضغط في القارة الأوروبية. يخطط الاتحاد الأوروبي لفرض لوائح أكثر صرامة ضد شركات وسائل الإعلام الاجتماعية خلال العامين القادمين، وقد ترغب الشركة في كسب تأييد الدول الأعضاء التي سوف تصوت على هذه اللوائح. لم يكن مستغرباً أن تكتب "فيسبوك" في مدونتها: "إننا نتطلع إلى العمل مع الحكومات في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي، بهدف العثور على الأشخاص المناسبين والأسواق المناسبة لأجل الدفع قدماً بخطوة التوظيف هذه".
تنظيف البيت
بغض النظر عن احتمالات النجاح المالي لهذه المنصة الجديدة الكبيرة، والتي لا تبدو جيدة، إلا أن تركيز "فيسبوك" المفرط على تقنية "ميتافيرس" في الوقت الحالي يعكس سوء تقدير إدارة الشركة، لا سيما مارك زوكربيرغ.
تتزايد الأدلة على أن "فيسبوك" تدفع كبار السن نحو نظريات المؤامرة والمراهقين نحو قضايا الجسد. بدلاً من ذلك، يتعيّن على زوكربيرغ القيام بمهمة أساسية؛ ألا وهي تنظيف البيت، لتشمل تعيين آلاف الموظفين الآخرين، خصوصاً المشرفين على المحتوى، وذلك للمساعدة في استهداف المحتوى الضار على موقعه قبل إنشاء محتوى جديد يؤدي إلى نفس المشاكل القديمة.
يتشابه عمل مشرفي المحتوى بالمتعاقدين الذين يبحثون عن المحتوى الضار في "فيسبوك" و"إنستغرام"، ولكنهم أرخص ثمناً بكثير من المهندسين. يتقاضى مهندس مبتدئ في "فيسبوك" ببريطانيا حوالي 125 ألف دولار سنوياً، وفقاً لـ "ليفيلز دوت إف واي أي"(levels.fyi)، مُتتبّع رواتب المهندسين في كبرى شركات التكنولوجيا. في نفس الوقت، يتقاضى مشرفو المحتوى العاملون في شركة "أكسنتشير" (Accenture)، إحدى أكبر الوكالات التي تقوم بتنظيف أعمال "فيسبوك"، حوالي 37 ألف دولار سنوياً، وفقاً لـ "غلاس دور".
تعتمد "فيسبوك" على ما يقرب من 15 ألف مشرف محتوى للحفاظ على نظافة الموقع، ومع ميزانية التوظيف الخاصة بتقنية "ميتافيرس"، التي أعلنت عنها الشركة، قد يرتفع المبلغ إلى ضعف ذلك الرقم. هذا بالضبط ما قالته دراسة حديثة لجامعة نيويورك، أشارت فيها إلى ضرورة قيام "فيسبوك" بذلك لكي تتخلص من المحتوى الضار.
في منشور منفصل على مدونة يوم الأحد، قالت الشركة إن "أنظمة الذكاء الاصطناعي المُحسّنة والموّسعة" أدت إلى تراجع خطاب الكراهية الذي يُشكّل حالياً نحو 0.05% فقط من المحتوى المعروض على الموقع. (توّصلت "فيسبوك" إلى هذا الرقم من خلال اختيار عينة من المحتوى، ثم يتم تصنيف حجم المحتوى، الذي انتهك سياسات الشركة الخاصة بالحض على الكراهية في تلك العينة). يبدو أن الشركة تُشير إلى أنها لا تحتاج إلى المزيد من المشرفين لأن تقنيتها الخاصة بتنظيف الأمور تتحسّن.
"الشفافية"
لكن إحصائيات المحتوى الضار هذه، والتي تُشاركها "فيسبوك" في المنشورات الفصلية المعروفة باسم "تقارير الشفافية"، تواجه مشكلة. لطالما شكك الباحثون في مثل هذه التقارير الصادرة عن كبرى شركات التكنولوجيا، وفقاً لقول بن واغنر، الأستاذ المساعد في جامعة "دلفت" للتكنولوجيا الهولندية، والذي شارك في كتابة دراسة حول محدوديتها في شهر فبراير.
أشار واغنر إلى أن الحكومة الألمانية رفعت دعوى قضائية ضد "فيسبوك" عام 2019 لتضليل الجهات التنظيمية في عدة أمور شملت تسجيل فئات معينة فقط من شكاوى المستخدمين تتعلق بالبيانات التي كان مطلوباً منها مشاركتها معهم. وقالت "فيسبوك"، التي أمرتها الحكومة بدفع غرامة قيمتها 2 مليون يورو (2.3 مليون دولار)، إنها امتثلت لقانون الشفافية الألماني، وإن بعض جوانب القانون "تفتقر إلى الوضوح"، واحتفظت بحقها في الاستئناف.
تواجه "فيسبوك" مزاعم أخرى متعلقة بالتلاعب بأرقام تقارير الشفافية الصادرة عنها. ووفقاً لقصة "وول ستريت جورنال" يوم الأحد، التي استشهدت بالوثائق الداخلية التي سرّبتها الواشية بـ"فيسبوك" فرانسيس هاوغن، غيّرت "فيسبوك" إجراءات الشكاوى لديها في العام 2019، وقامت بتصعيب الإبلاغ عن المحتوى من قبل المستخدمين. قالت "فيسبوك" للصحيفة إن هذا "الخلاف الثانوي" هدف إلى جعل أنظمتها أكثر كفاءة، وأنها تخلصت من بعض مباعث هذا "الخلاف الثانوي" منذ ذلك الحين.
مع عدم وجود معايير مشتركة لقياس الضرر، يشوب الارتباك وغياب الوضوح تقارير الشفافية في وسائط الإعلام الاجتماعية، فعلى سبيل المثال، أشار تقرير الشفافية للعام 2018 الصادر عن "فيسبوك" إلى تقديم 1048 شكوى من قبل المستخدمين، بينما ذكرت كل من "تويتر" و"يوتيوب"، التابع لـ"ألفابيت"، عن أكثر من 250 ألف شكوى، وفقاً للدعوى الألمانية ضد "فيسبوك"، وهذا فارق كبير في عملية التعقّب.
كما أنه لا يتم التدقيق على هذه التقارير بشكل صحيح. أنشأت "فيسبوك" لجنة استشارية لشفافية البيانات مكوّنة من سبعة أكاديميين، وذلك لإجراء تقييم "مستقل" لتقارير الشفافية الصادرة عنها، وفقاً لقولها يوم الأحد. وشأنها شأن المجالس الاستشارية العلمية الأخرى، دفعت اللجنة أتعاباً ثابتة بالنيابة عن "فيسبوك" قبل تقييمها، مما يعني أنها تبدو غير مستقلة.
مع ذلك، هذا هو أحد المجالات الذي يبدو أن "فيسبوك" تحركت فيه بالاتجاه الصحيح. عيّنت الشركة مؤخراً "إرنست آند يونغ غلوبال"، إحدى شركات المحاسبة الأربع الكبرى، لتقييم كيفية قياسها للأضرار، قائلة إن الشركة ستبدأ مراجعة حساباتها في وقت ما من العام 2021. وإذا تم إعداد الأمر بشكل صحيح، يُمكن أن يخلق هذا سلسلة من أسلوب مساءلة سيحظى بشهرة أوسع من ذلك المتوفر حالياً. رفضت "فيسبوك" الإجابة على الأسئلة المتعلقة بموعد نشر التدقيق، وماهية المعايير التي ستطبقها "إي واي"، أو الذراع التابع لـ "إي واي" الذي سيقوم بعملية المراجعة.
في الوقت نفسه، يتعين على "فيسبوك" بذل المزيد من الجهد لتحسين عمليات مراقبة المحتوى الضار، ولهذا يجب دفعها ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى إلى توظيف المزيد من المشرفين، بل الآلاف الآخرين، للمساعدة في تنظيف مواقعها. هذا سيكون استثماراً أفضل من التسرّع في بناء منصة جديدة كلية للواقع الرقمي مثل "ميتافيرس"، والتي من المُقدّر لها أن تكون بنفس فوضى المنصات القديمة.