بلومبرغ
في آسيا، يحرز ابتكار جديد لشركة بريطانية ناشئة نجاحاً ملحوظاً. ويختص ابتكار الشركة في التخلص من تراكم البلاستيك عن طريق تصنيعه بطريقة يتحول فيها لاحقاً إلى شمع يتم هضمه تلقائياً في الطبيعة.
خلال مقابلة معه، قال نيال دون، كبير المديرين التنفيذيين لشركة "بوليماتيرا" (Polymateria) إن الشركة " التي تمتلك معملاً في "جامعة إمبريال كوليدج لندن" أبرمت صفقة مع مورد لمتاجر شركة "7 إيليفين" في تايوان. كما وقعت أيضاً صفقة بقيمة 100 مليون دولار، لمنح ترخيص تقنيتها لشركة "فوركوسا بلاستيكس" التايوانية، والتي تعتبر من أكبر الشركات المصنعة للبتروكيماويات في العالم.
وأوضح دون: "نستهدف نوعية البلاستيك التي من المرجح أن ينتهي بها المطاف في الطبيعة، وذلك من خلال تقديم حل لا يحتاج إلى أي تقنيات تسميد للتحليل البيولوجي أو لإنفاق كبير". وتابع: "نركز على آسيا بسبب أن الكثير من البلاستيك ينتهي هناك، في حين لا توجد أنظمة ضخمة لإدارة النفايات". كما قال دون إن شركة "غودريج كونسيومر برودكتس" (Godrej) في الهند ستبدأ أيضاً باستخدام التغليف البلاستيكي من "بوليماتيريا" في وقت لاحق من هذا العام. كذلك أبرمت الشركة الناشئة اتفاقيات ترخيص مع منتجي مواد بلاستيكية آخرين في الفلبين وماليزيا.
البلاستيك الشارد
تعد هذه الصفقات جزءاً من خطة الشركة الناشئة في لندن لمعالجة أحد أكبر مشاكل النفايات التي يوجهها العالم، وهي مشكلة البلاستيك المتسرب أو الشارد من أغلفة الوجبات الخفيفة والأكواب وأكياس التسوق، والذي يجد طريقه إلى المحيطات ومكبات النفايات.
تقول الشركة إنها أول من يقدم حلاً في هذا الإطار، عن طريق البلاستيك القابل للتحلل البيولوجي بالكامل، والذي لا يترك وراءه أي مواد بلاستيكية دقيقة، ولا يتطلب أي معدات خاصة للتصنيع أو للتحلل البيولوجي.
ومع ذلك، لا يخلو الأمر من أن تثير هذه التكنولوجيا الجديدة الجدل حول جدواها، حيث دعا بعض العلماء إلى اتباع نهج يعتمد على تقليل استخدام البلاستيك من الأصل، وإعادة التدوير بدلاً من تصنيع البلاستيك القابل للتحلل.
التقنية الجديدة
تستخدم تقنية "بوليماتيريا" حوالي عشرة مواد كيميائية مختلفة، من بينها المطاط والزيوت والمواد المجففة، التي تضاف إلى البلاستيك أثناء عملية التصنيع. يمكن تعديل المواد المضافة لإنشاء الطبقة الرقيقة التي تُغلف المنتجات الغذائية، أو لتصنيع بلاستيك أكثر صلابة للأكواب أو أكياس الشراب. يمكن تصنيع هذه المنتجات بحيث تبدأ عملية التدمير الذاتي تلقائياً بعد فترة زمنية معينة. تساعد المواد المضافة في تكسير البوليمرات البلاستيكية وتحويل البلاستيك إلى شمع يتم هضمه من قبل البكتيريا والفطريات الموجودة بالطبيعة بشكل كامل.
الإمارات تُخطط لحرق جبال من القمامة بعد توقّف الصين عن استيرادها
باعتماد هذه التقنية، وجدت الاختبارات أن مواد التغليف الرقيقة يمكن أن تتحلل خلال أقل من 226 يوماً، وفقاً لما قاله دون، وبما أن المنتجات تستخدم البلاستيك الذي تتم معالجته بواسطة مصانع إعادة التدوير حالياً، فيمكن أيضاً إعادة استخدام هذا النوع من البلاستيك أيضاً. بالمقارنة، يستغرق تحلل الأكياس البلاستيكية العادية في مكبات النفايات حوالي 1000 عام.
في الوقت الحالي، تعرض بعض متاجر "7 11" الموجودة في تايوان، وجبات أرز مخبوزة بالجبن مغلفة من بلاستيك "بوليماتيريا" الذي يمكن التخلص منه لاحقاً. وتخطط شركة "يوني بريزيدينت إنتربرايز" (Uni-President) التي تدير منافذ "7 11" في البلاد، لخفض استخدامها للبلاستيك الذي يستخدم لمرة واحدة، لأقل من 20% في التغليف بحلول عام 2023، وفقاً لموقعها على الإنترنت.
"غودريج"، شركة تجارة التجزئة الهندية
في تلك الأثناء، ستبدأ شركة "غودريج" (Godrej) ومقرها مومباي، في صنع أكياس قابلة للتحلل الحيوي وأغلفة بلاستيكية تغلف ألواح الصابون باستخدام هذه التكنولوجيا خلال العام الحالي. وقال دون إنه من المتوقع أن تنضم لـ"غورديج" علامات تجارية استهلاكية أخرى في الهند في أكتوبر.
ومع الانتشار المتواصل لصور بقع القمامة العائمة على المحيطات، وتراكم جبال النفايات، باتت شركات الأغذية وتجارة التجزئة على مستوى العالم، تضع التلوث البلاستيكي في مقدمة اهتماماتها ومركزها. على سبيل المثال، أنشأت شركة "نستله" معهدها الخاص لتطوير مواد تغليف مستدامة، وهي تعمل على استخدام الـ"بوليمرات" القابلة للتحلل أو التفكك والتي يمكن إعادة تدويرها أيضاً.
النفايات البلاستيكية.. صداع في رأس شركات تعبئة المياه
تهدف اتفاقية "بوليماتيريا" مع "فورموسا بلاستيكس" إلى معالجة المشكلة من مصدرها. ستستخدم المجموعة التي تتخذ من تايبيه في تايوان مقراً لها تقنيتها لتصنيع كريات "الراتنج" (resin)، من مادة الـ"بولي بروبيلين" المناسبة للمنتجات الغذائية، وهي نوع من الـ"بوليمر" المستخدم في مصانعها للمنتجات الاستهلاكية.
تخطط "فورموسا" في النهاية لتصنيع مئات آلاف الأطنان من الراتنج القابل للتحلل الحيوي والذي سيتم تحويله إلى مواد تعبئة وتغليف بدءاً من العام المقبل. وهذا يمثل ركيزة أساسية في خطة "فورموسا" لجعل جميع مواد "الراتنج" المستخدمة في التعبئة قابلة للتحلل بحلول عام 2025، وفقاً للشركة.
لإصلاح الكوكب.. علينا العودة إلى ثقافة إصلاح المنتجات
ومع ذلك، فإن عملاقة البتروكيماويات لا تملك سجلاً بيئياً نظيفاً. حيث يواجه المجمع الذي تبلغ تكلفته 9.4 مليار دولار والذي تبنيه الشركة في لويزيانا، معارضة من السكان المحليين المهتمين بالانبعاثات والتلوث. وفي عام 2019، وصف قاضٍ فيدرالي في ولاية تكساس شركة "فورموسا بلاستيكس" في أمريكا، بـأنها تمارس "الجريمة المتسلسلة" بسبب تخلصها من الحبيبات البلاستيكية في الخليج المائي القريب من أحد معاملها. وقد توصلت الشركة إلى تسوية، ووافقت على تحسين أنظمة التخلص من النفايات، وإنفاق 50 مليون دولار على مشاريع الاستدامة في المنطقة. ورفض متحدث باسم "فورموسا بلاستيكس" في تايوان التعليق على الأمر.
بالنسبة لشركة "بوليماتيرا"، التي تأسست في عام 2015 وتسعى إلى جمع حوالي 27 مليون دولار، والتي يصل تقييمها إلى 273 مليون دولار، فإن العمل مع أحد أكبر منتجي البتروكيماويات في العالم ومورديها، يعد أمراً لا مفر منه، في حال رغبت بوضع منتجاتها القابلة للتحلل بين أيدي المستهلكين.
يقول دون: "ليست كل شركات البتروكيماويات ملتزمة بالمنتجات المستدامة والمبتكرة. أنت بحاجة إلى اتخاذ قرار لتحديد لمن تتوجه منها". وتابع: "لقد أعجبنا بالتزامهم بتحويل جميع عبواتهم لتغليف المواد الغذائية إلى أغلفة قابلة للتحلل بحلول عام 2025. إنه تصريح قوي للغاية وهو يعبر عن استعدادهم للتغيير".
عدو بلاستيكي صغير يهدّد محيطات كوكب الأرض
مع ذلك لا يوافق الجميع في المجتمع العلمي على أن البلاستيك القابل للتحلل الحيوي يمثل الحل. فقد أصدرت مجموعة من المستشارين العلميين المستقلين للمفوضين الأوروبيين تقريراً في ديسمبر خلص إلى أن "المواد البلاستيكية القابلة للتحلل لا تمثل الحل السحري".
ليست حلاً
وقالت نيكول غروبرت، رئيسة مجموعة المستشارين العلميين للمفوضين الأوروبيين: "تُظهر الأدلة العلمية بوضوح أن المواد البلاستيكية القابلة للتحلل ليست الحل للتخلص من النفايات. بدلاً من ذلك، يجب أن تكون المواد البلاستيكية القابلة للتحلل حيوياً مقصورة على استخدامات محددة للغاية، التي لا يمكن تقليلها أو إعادة استخدامها وإعادة تدويرها".
ويشعر علماء آخرون بالقلق من أن المواد البلاستيكية القابلة للتحلل قد تشجع على زيادة النفايات.
يقول دون إنه يتفق مع هدف تقليل الاعتماد على البلاستيك، وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير، لكن حل "بوليماتيرا" يتخصص بعلاج مشكلة حالية، لا يبدو أنها ستتبدد قريباً.
هذه التنقية تقدم بالنسبة لتجار التجزئة حلاً ينصاع لمطالب العملاء، وفقاً لتوشو وانغ، كبير المديرين التنفيذيين لشركة "ساوث بلاستيك إندستري" التايوانية، التي تزود شركة "7 إيليفن" ببعض مواد التغليف لاستعمال المرة الواحدة.
ويختتم وانغ بالقول: "إعادة التدوير هي هدفنا النهائي. لكن لا يمكن تطبيق الأمر حالياً بشكل كامل، وهذه المواد على الأقل يمكنها أن تتحلل في الطبيعة. سيستغرق تثقيف المستهلكين لتبني عادات إعادة التدوير وقتاً".