هل تتماشى سياسة "الفيدرالي" فائقة التيسير مع الآفاق الاقتصادية المتعافية؟

time reading iconدقائق القراءة - 9
جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي - المصدر: بلومبرغ
جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

قد يجد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول نفسه في موقف صعب الأسبوع الجاري، فقد يضطر للدفاع عن مستقبل سياسته النقدية فائقة التيسير، وسط التعافي الاقتصادي المتسارع الذي أشعل مخاوف التضخم.

ويختتم الفيدرالي اجتماعه السياسي، والممتد على مدى يومين، يوم الأربعاء المقبل أي بعد 12 شهر تماماً من خفض أسعار الفائدة بالقرب من الصفر مع انتشار كوفيد-19، ومن المقرر أن ينشر بيان السياسة والتوقعات الفصلية في الساعة 2 بعد الظهر بتوقيت واشنطن، ثم يعقد باول مؤتمراً صحفياً بعد 30 دقيقة.

وتغير الكثير في الاشهر الثلاثة منذ أن أعلن الفيدرالي عن آخر توقعاته الاقتصادية بما في ذلك حزمة التحفيز المالية الهائلة، وتسارع توزيع الأمصال، وهو ما يخلق فجوة متنامية بين توقعات المتداولين بشأن أسعار الفائدة، وما يشير البنك المركزي إلى ما سيفعله في السنوات المقبلة.

قضى باول الأسابيع الماضية محاولاً تبديد الهواجس بشأن التشديد الوشيك للسياسة النقدية، وسيُطلب منه تبرير التنبؤات التي من المتوقع أن تظهر الإبقاء على أسعار الفائدة الصفرية حتى 2023، رغم الترقية المحتملة لتوقعات الآفاق الاقتصادية.

وقال إيثان هاريس، مدير الأبحاث الاقتصادية العالمي في "بنك أوف أمريكا":

أعتقد أنه اجتماع من النوع الذي يفضل الفيدرالي ألا يعقده.. وتتمثل المشكلة الكبرى التي تواجه هذا الاجتماع في أنه يتعين عليهم رفع توقعاتهم الاقتصادية.. وتعد توقعاتهم لنمو الناتج المحلي الإجمالي قديمة للغاية

توقعات بتعديل التوقعات الاقتصادية

حدّث الفيدرالي توقعاته في آخر مرة في منتصف ديسمبر الماضي، أي قبل التوزيع الواسع للأمصال وتمرير المساعدات المالية بقيمة 3 تريليون دولار.

ويتوقع الاقتصاديون الذين استطلعت "بلومبرغ" أرائهم أن يرقّي الفيدرالي توقعاته للنمو الاقتصادي في 2021 إلى 5.8% في المتوسط من 4.2%، وهو رقم لا يزال دون التقديرات الأكثر تفاؤلاً في وول ستريت.

وتتوقع مجموعة "غولدمان ساكس" نمواً بنسبة 7.7% خلال نفس الفترة، كما قالت 11 شركة تتبعها "بلومبرغ" إن النمو سيكون عند 7% أو أعلى بنهاية العام.

وأدت الآفاق الاقتصادية الأفضل إلى زيادة تكهنات السوق بشأن التضخم المستقبلي، ودفعت المستثمرين لبيع السندات، ما رفع العائدات وجدد الشكوك بشأن قدرة باول على الإبقاء على انخفاض الفائدة للوقت الطويل الذي أشار إليه الفيدرالي.

ومع ذلك، يتمسك رئيس الفيدرالي بأسلحته مجادلاً، أن الاقتصاد لديه طريق طويل ليقطعه قبل أن يصل إلى ما كان عليه قبل الوباء، وأكد أن الاستراتيجية الجديدة للبنك المركزي تعني إنه سيركز أكثر على العودة إلى تحقيق سوق التوظيف القصوى، وسيحكم على ذلك بطريقة أوسع بكثير من قبل.

المخطط النقطي

سيدقق المستثمرون فيما يعرف بالمخطط النقطي والذي يلخص توقعات أسعار الفائدة لكل مصرفي في البنك المركزي الأمريكي خلال السنوات الثلاث القادمة وعلى المدى الأبعد.

وأظهر المخطط في ديسمبر أن صناع السياسة يتوقعون أن تبقى أسعار الفائدة في النطاق الحالي بين صفر و0.25% العام الجاري، وتوقع شخص واحد رفعاً في 2022؛ بينما توقع خمسة مشاركين ارتفاعات في 2023، وهو ما ترك بقوة متوسط التوقعات لا يرى أي رفع في الفائدة على المدى المتوقع.

ورغم أن 75% من الاقتصاديين في مسح "بلومبرغ" قالوا إن الفيدرالي سيضطر لرفع الفائدة بنهاية 2023، لم يتوقعوا أي تغيير في متوسط توقعات الفيدرالي لعام 2023 في اجتماع الشهر الجاري،.ومع ذلك، تسعّر العقود الآجلة لأسعار الفائدة حوالي ثلاث مرات رفعاً بمقدار 25 نقطة أساس في المرة قبل نهاية ذلك العام.

وأي تغير -أو شبه التغير في متوسط نقاط توقعات الفيدرالي في 2023 إذا رفع أكثر قليلاً من 18 مسؤولاً توقعاتهم- سيكون طريقة لتهدئة الأسواق وإعطائهم مؤشرات على أن صناع السياسة يرون تحسناً في الأمور بدون أن يكون باول صريحاً للغاية بشأن توقيت تشديد السياسة.

وقال بريت رايان، خبير اقتصادي في "دويتشه بنك":

نحن في سوق تتوق إلى إرشادات تقويمية إلى حد ما، ويقدم الفيدرالي مثل هذه الإرشادات القائمة على النتائج… ولكن كل ما في الأمر أنه من المبكر للغاية الالتزام بجدول زمني صارم لتشديد السياسة ولكن إذا وضع احتمالية الرفع في 2023، فهو على الأقل يعطي توقيتاً نوعاً ما للسوق

في بعض الأحيان ساهم المخطط النقطي للفيدرالي في التقلبات السوقية، وهو أمر يعيه باول جيداً، وقال في أواخر 2019 إن "التحدي" يتمثل في حمل الناس على فهم المخطط بشكل صحيح.

ويعكس التفاؤل بشأن التعافي شعوراً بأن النشاط سيرتد بوتيرة أسرع في النصف الثاني من العام مع انتشار الحصانة ضد كوفيد-19 ما من شأنه أن يطلق نوبة إنفاق.

وتحسن التوظيف بالفعل مع خلق أكثر من نصف مليون وظيفة في أول شهرين من 2021، ويرى البعض أن هذا التحسن سيتسارع، ولكن كما أشار باول في وقت سابق الشهر الجاري، لا يزال 10 مليون أمريكي عاطلين عن العمل، وارتفع معدل البطالة بين ذوي البشرة السمراء إلى رقم مذهل الشهر الماضي عند 9.9%.

ولم يعكس التضخم بعد الكثير من التعافي، وباستثناء أسعار الغذاء والطاقة الأكثر تقلباً، صعد مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 1.3% في فبراير ولا يزال بعيداً عن مستوى الفيدرالي المستهدف عند 2%. ويتوقع الاقتصاديون مكاسب أكبر في الأشهر المقبلة نتيجة التأثيرات الانتقالية الناتجة عن الوباء، وارتفاع أسعار الغاز، والإنفاق على الأنشطة الترفيهية بعد عام من الإغلاقات.

وقالت لاورا روزنر، الشريك في "ماكروبوليسي بيرسبيكتفز" في نيويورك: "ما تتوقعه الأسواق هو الكثير من التضخم في 2021"، وأضافت أن هذا يعتمد على سيناريو إعادة فتح الاقتصاد ما سيطلق موجة كبيرة من التضخم، ولكن أشارت أنهم أكثر حذراً ويتوقعون تضخماً أقل مما تتوقعه الأسواق.

تحمُّل التضخم

كشف باول في العام الماضي عن إطار سياسي جديد، وقال إنهم سيسمحون للتضخم بالارتفاع فوق مستوى 2% بعد الفترات التي ظل دونه، وهو ما يعني على الأرجح أن الفيدرالي سيُبقي على السياسة الميسرة لوقت أطول.

ولكن إذا تحقق التعافي السريع والقوي الذي يراهن عليه متداولو السندات، فقد يثير موجة بيع غير منظمة في سندات الخزانة تهدد الأحوال المالية المستقرة، وهو ما يريد الفيدرالي تجنبه.

وفي هذه الأثناء، أشار باول وزملاؤه إلى أنهم ليسوا قلقين من الارتفاع في عائدات سندات الخزانة في الآونة الأخيرة، وقالوا إنه طالما أن التحركات السعرية تلك ناتجة عن الأسباب الصحيحة -مثل الآفاق الاقتصادية الأقوى- فلا يوجد سبب للقلق.

ويقول إيثان هاريس، مدير الأبحاث الاقتصادية العالمي في "بنك أوف أمريكا": "تعد عائدات السندات الأعلى جزءاً من خطة الفيدرالي، وتتمثل الفكرة كلها في تنشيط الاقتصاد ما يرفع التضخم فوق المستوى المستهدف وبالتالي خفض معدل البطالة لمستويات 2019 عندما كانت سوق العمالة قوية ثم عند هذه المرحلة سيبدأ المركزي في رفع أسعار الفائدة".

تصنيفات

قصص قد تهمك